حرب الدجاج في نيويورك بين المهاجرين الأفغان

صاحب أول مطعم يطالب مقلديه بدفع رسوم شهرية أو مواجهة إجراءات قانونية

TT

أعلن عبد الحي، الذي يعد أشبه بكولونيل ساندرز، مؤسس سلسلة مطاعم «كنتاكي» الشهيرة، حربا في مجال الدجاج المقلي. وحرص على تسليح نفسه بوصفة سرية غير مكتوبة يدعي أنها تمكنه من إعداد أفضل أطباق الدجاج المقلي في نيويورك. وأشار إلى أن سلاحه الرئيس في هذه الحرب هو امتلاكه لعلامة «كينيدي فرايد تشيكن» التجارية، التي خرجت من تحت عباءتها مئات المتاجر المقلدة لها بمناطق مختلفة بالجنوب تصل حتى جورجيا، وأصبحت اسما شهيرا لأوراك الدجاج على نفس مستوى الشهرة الذي تمتعت به علامة «راي» التجارية في وقت من الأوقات في مجال البيتزا داخل نيويورك.

وكان «كينيدي فرايد تشيكن» ذاته، والذي حمل اسم الرئيس السابق، تقليدا متعمدا لمطاعم «كنتاكي فرايد تشيكن»، بما في ذلك الأحرف الأولى المألوفة. وقد خاضت هذه السلسلة من المطاعم معركة خاصة بها حول العلامة التجارية منذ جيل مضى. لكن يبدو أن هذا الأمر لم يخلق اختلافا كبيرا من وجهة نظر عبد الحي، 38 عاما. يقطن عبد الحي منطقة وايتستون في كوينز، وبدأ نشاطه في قلي الدجاج في الـ17 من عمره، في أعقاب هجرته للولايات المتحدة عام 1989، ويصف منافسوه بنبرة شديدة الغضب شبيهة بتلك التي يستخدمها في الحديث عن «طالبان».

وقال عبد الحي أثناء وقوفه أمام واحد من المطاعم الخمسة التي يملكها: «أعلن الحرب ضد جميع الأفغان داخل نيويورك الذين سرقوا اسمي وفكرتي». وعرض بفخر شهادة العلامة التجارية الصادرة عن مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي في واشنطن التي حصلت عليها متاجره عام 2005. ولوح بيديه بحزمة تضم قرابة 300 خطاب مسجل بدأ في إرسالها الأسبوع الماضي لمنافذ بيع الدجاج المقلي بمختلف أرجاء البلاد التي تحمل اسم «كينيدي» مطالبا إياها بدفع رسوم شهرية باعتبارها وكلاء تجاريين يستغلون العلامة التجارية الخاصة بمطاعمه، وإلا فسيتخذ ضدها إجراءات قانونية. واشتكى عبد الحي من أن «المستوى الرديء للدجاج الذي تنتجه سيقضي على سمعتي. أنا كينيدي الوحيد الحقيقي!».

في الوقت الذي تمثل الحملان مصدر البروتين المفضل بين أبناء وطن عبد الحي، فإن جيلين من الأفغان داخل أميركا وجدا في الدجاج شريان حياة لهم. وذكرت مصادر مطلعة داخل الصناعة إلى أن هناك نحو 350 مطعما لبيع الدجاج المقلي مملوكة لأفغان بمختلف أنحاء الأقسام الإدارية الخمسة لمدينة نيويورك يعمل بها آلاف الأميركيين من أصول أفغانية. ويجري تقديم أطباق صدور الدجاج - المطابقة للشريعة الإسلامية بطبيعة الحال - داخل المساجد المحلية بعد صلاة الجمعة. أما الطهاة المعنيون بتلبية الطلبات السريعة فيفرشون سجاد الصلاة بجانب أجهزة التبريد. وأسهمت عائدات تجارة الدجاج المقلي في توفير تكاليف التعليم الجامعي لشباب أفغان وحفلات زفاف كبيرة وفرص عمل للاجئين الوافدين حديثا، بجانب القدرة على إرسال أموال للأقارب في أفغانستان.

لكن بالنظر إلى الطابع القبلي الذي تتسم به صناعة الدجاج المقلي والذي يعكس الطابع القبلي للمجتمع الأفغاني ذاته، فإن الحملة التي يشنها عبد الحي تهدد بتفكيك عرى التناغم الهش داخل المجتمع الأفغاني المعتمد على صناعة الدجاج المقلي.

علق نور عبد الله، مدير مطعم «كينيدي فرايد تشيكن» في جنكشن لوبفارد في كورونا بمنطقة كوينز، والذي يصعب التمييز بينه وبين المطاعم الأخرى التي يملكها عبد الحي فيما عدا أطباق سمك الروبيان الموجودة بقائمة الطعام، بقوله: «لن أدفع له بنسا واحدا. وبإمكاني تغيير اسم المحل إلى (منير فرايد تشيكن) على اسم ولدي، أو حتى (نيو كينيدي فرايد تشيكن)، ولنر ماذا سيفعل حينها».

وعلى مسافة ليست بعيدة، أبدى نجيب الله، القادم من كابل ويعمل في إعداد الدجاج المقلي، القدر ذاته من العناد، حيث قال: «أي إنسان بإمكانه امتلاك مطعم يحمل اسم كينيدي، وأنا شخصيا لم أسمع قط بهذا المدعو عبد الحي. لكل متجر مالك مختلف، وهي تطهي الدجاج ذاته لكن تقدم قوام طعام مختلفة. ما المشكلة إذن؟».

في أحد أيام الجمعة القريبة داخل مسجد حضرة أبو بكر الصديق، وهو مسجد في فلشنغ بمنطقة كوينز ينتمي غالبية مرتاديه إلى الأفغان، دار إجماع الآراء بين المصلين حول أن القانون ربما يقف لجانب عبد الحي، لكن العناد الأفغاني الذي عززته عقود من الحرب والاحتلال، يقف بقوة في وجهه.

من جهته، قال محمد شيرزاد، إمام المسجد، إن الله وفر دجاجا يكفي جميع المطاعم الموجودة بالمنطقة، مشيرا إلى أن القرآن يبارك المسلمين الذين يأكلون الدجاج، ما دام أنه مذبوح طبقا للشريعة الإسلامية.

طبقا للاعتقاد المحلي السائد، فإن ضياء تائب، الذي أتى لنيويورك من كابل عام 1972، كان أول من افتتح مطعما باسم «كينيدي فرايد تشيكن» بعد ثلاث سنوات من قدومه للولايات المتحدة في قسم فلاتبوش من بروكلين. وسرعان ما حقق المطعم، الذي حمل شعارا يتميز باللونين الأحمر والأبيض جعل من المتعذر على الكثيرين التمييز بينه وبين شعار «كنتاكي فرايد تشيكن»، نجاحا لدرجة أكسبت ضياء لقب «ضياء مورغ»، أو «ضياء الدجاجة» بالدارية، وهي اللغة السائدة بأفغانستان. كما لفت المطعم أنظار «كنتاكي فرايد تشيكن» الذي قاضى «كينيدي فرايد تشيكن» عام 1990 لتعديه على علامته التجارية أمام محكمة فيدرالية بنيويورك، وفاز في الدعوى، قبل أن يبدل اسمه العام التالي إلى «كيه إف سي»، الأمر الذي قضى على النزاع. وقال تائب عن أيامه الأولى في نيويورك: «لم أكن أتحدث الإنجليزية بطلاقة حينها، لكن كان من السهل إدراك أن بإمكان المرء جني المال من وراء هذا المشروع. كانت أسعار الدجاجة بسيطة ومستقرة، وكان من السهل على أي شخص العمل بهذا المجال».

ومثلما انطلق الكوريون في مجال الحانات واليونانيون في مجال المطاعم والهنود بمجال محطات الوقود، تركت مغامرة تائب التجارية بمجال إعداد الدجاج المقلي أثرا واسعا بين الأفغان المقيمين بالولايات المتحدة، حيث سرعان ما أقدم المهاجرون الأفغان الذين كانوا يعملون في مطاعمه الستة التي تحمل اسم «كينيدي فرايد تشيكن» مطاعم خاصة بهم بأسماء مثل «كراون فرايد تشيكن» و«رويال فرايد تشيكن» و«ماماز فرايد تشيكن»، علاوة على انتشار تقليد اسم المطعم، «كينيدي فرايد تشيكن»، وبعد ربع قرن تجاوز عدد المطاعم التي تحمل هذا الاسم 200 مطعم في تسع ولايات وكندا وإنجلترا طبقا للقائمة الواردة على موقع kennedyfriedchicken.com.

منذ تقاعده من العمل بمجال الدجاج المقلي، يعيش تائب في سان دييغو، حيث يعمل حاليا في تصدير الأحجار الكريمة إلى الصين. وفي اتصال هاتفي معه، قال إنه اختار اسم كينيدي لأن «الأفغان يعشقون الرئيس السابق.» وأصر على أنه هو - وليس عبد الحي - المالك الشرعي لعلامة «كينيدي فرايد تشيكن» التجارية. وأضاف: «لن يفوز في دعواه القضائية لأنني أعرف قومي جيدا، ولن يدفع له الأفغان له أي أموال. وأنا من جانبي سأقاضيه».

من جهته، اعترف عبد الحي، الذي اشترى أول مطعم له لإنتاج الدجاج المقلي بعد عمله لفترة سبعة شهور في أحد منافذ «كينيدي فرايد تشيكن» في كوينز، بأن «ضياء مورغ» هو رائد صناعة الدجاج المقلي. لكنه يرى نفسه ملكا متوجا لهذا المجال الآن.

وقال عبد الحي إنه بدأ استخدام اسم «كينيدي فرايد تشيكن» للمرة الأولى عام 1994، رغم أنه انتظر نحو 10 سنوات حتى يتقدم بطلب للحصول على شهادة علامة تجارية. وأضاف عبد الحي أنه غير الشعار أيضا الخاصة بمطاعمه من الأحمر إلى الأزرق في تسعينات القرن الماضي لتجنب إثارة غضب مطاعم «كيه إف سي» وما تملكه من جحافل من المحامين.

من ناحية أخرى، رفضت جينيفر رانكين بيرن، المتحدثة الرسمية باسم مكتب العلامات التجارية، التعليق على قضية «كينيدي فرايد تشيكن» تحديدا، لكنها أشارت إلى أن التسجيل للحصول على علامة تجارية فيدرالية لخدمات المطاعم «يقر افتراضا قانونيا بأن صاحب التسجيل يملك حقا حصريا في استخدام العلامة التجارية بمختلف أرجاء البلاد».

وطبقا لقاعدة بيانات مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية، كانت هناك خمسة طلبات أخرى لتسجيل علامة تجارية باسم «كينيدي فرايد تشيكن» منذ عام 1991، وتعرضت جميعها إما للرفض أو التخلي عنها. واعترف ريك مينارد، المتحدث الرسمي باسم «كيه إف سي»، بأن الشركة ألهمت مقلدين لها بمختلف أرجاء العالم، وأنها مستمرة في العمل «بنشاط على حماية» علامتها التجارية. وأصر عبد الحي على أنه سيفعل المثل. لكن رغم تسلحه بشهادة تسجيل علامة تجارية، التي يحتفظ بها في خزانة يحرسها جيدا، فإنه اعترف بأن إعادة السيطرة على علامة «كينيدي فرايد تشيكن» التجارية تتطلب مقاتلا بارعا.

ورغم أنه يحلم بمطاعم مميزة تماما تعمل لحسابه، فإنه يدرك أنه سيتعين عليه الإذعان لتقبل منافسين يعملون تحت أسماء شديدة الشبه باسم مطاعمه.

وبينما شرع في تناول طبق من شرائح لحم الضأن في مطعمه الأفغاني المفضل في كوينز، قال متحسرا: «أتدري أنه في حقيقة الأمر لا يقبل الأفغان على تناول الدجاج المقلي».

* خدمة «نيويورك تايمز»