آلاف البحرينيين يعتصمون في ميدان بالعاصمة بعد مقتل متظاهرَين

الملك حمد يشكل لجنة وزارية للتحقيق في مقتلهما.. و«الوفاق» تعلق عضويتها بالبرلمان

آلاف البحرينيين تجمعوا في ميدان اللؤلؤ بقلب العاصمة المنامة لتشييع أحد الشبان الذي قتل في مظاهرة احتجاجية أمس (رويترز)
TT

تجمع آلاف المتظاهرين في البحرين، أمس، في ميدان اللؤلؤة، بوسط العاصمة المنامة، مطالبين بإصلاحات سياسية وبدستور عقدي، وذلك غداة سقوط قتيل ثانٍ، في مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين تمت أمس وأول من أمس.

وقتل شاب بحريني ثانٍ أمس، خلال تشييع قتيل كان قد سقط مساء أول من أمس، مما أشعل فتيل المظاهرات بين الآلاف، غالبيتهم من المواطنين الشيعة.

وكثيرا ما يخرج مواطنون بحرينيون في مواجهات مع رجال الأمن، لكن تلك المواجهات كلها كانت تحدث في القرى الشيعية المتناثرة على أطراف العاصمة المنامة، لكن الجديد هذه المرة هو اعتصامهم في قلب العاصمة، وعلى مقربة من وسطها التجاري، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة قوات الأمن على التعامل معهم خلال الأيام المقبلة، خاصة بعد مقتل متظاهرين، وازدياد الغضب بين أطياف الطائفة الشيعية في البلاد.

وبدأ المتظاهرون ينصبون الخيام في الدوار الذي باتوا يطلقون عليه «دوار الشهيد» أو «دوار الحرية»، مؤكدين أنهم سيحولون مظاهرتهم إلى اعتصام مفتوح. وقال المتظاهر ماجد طاهر (32 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية: «استفدنا من تجربة تونس ومصر، وسنستمر حتى تنفيذ مطالبنا: دستور عقدي، إنهاء التمييز، ملكية دستورية».

كما رفعت شعارات أخرى تؤكد الوحدة بين السنة والشيعة على الرغم من الطابع الشيعي عموما للمظاهرات.

من جانبه، قال المتظاهر مهدي يوسف، وهو نجار في الثانية والثلاثين من العمر: «نطالب بدستور عقدي مع الشعب، وتداول سلمي للسلطة، ووقف للتمييز الطائفي، والإفراج عن المعتقلين».

تأتي هذه المظاهرات تلبية لدعوة وجهها ناشطون عبر موقع «فيس بوك» من أجل قيام «ثورة 14 فبراير في البحرين». ويطالب الناشطون بالاحتجاج سلميا من أجل الإصلاح السياسي وتعزيز المشاركة السياسية والإفراج عن معتقلين شيعة ووقف «التجنيس السياسي»، على حد قولهم.

وقال النائب الشيعي المعارض محمد المزعل: «إن الشباب قرروا أن ينصبوا الخيام؛ لأن الاعتصام مستمر إلى أن تتحقق مطالبنا». وشدد على أن «التحركات سلمية». وأغلقت الشرطة الطرقات المؤدية إلى الدوار إلا أنها تسمح للناس بالدخول إليه.

يأتي هذا التحرك الشعبي بعد أن أعرب العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة عن أسفه لسقوط القتيلين وأمر بتشكيل لجنة وزارية للتحقيق في ملابسات مصرعهما.

وقال الملك حمد في خطاب تلفزيوني: «ليعلم الجميع أننا قد كلفنا نائب رئيس مجلس الوزراء جواد بن سالم العريض بتشكيل لجنة خاصة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث المؤسفة؛ حيث إن همنا الأول هو سلامة الوطن والمواطن».

كما أكد العاهل البحريني أنه سوف يطلب «من السلطة التشريعية الموقرة النظر في هذه الظاهرة واقتراح التشريعات اللازمة لعلاجها بما ينفع الوطن والمواطن». وشدد الملك على أن «الإصلاح مستمر ولن يتوقف».

من جهتها، علقت كتلة جمعية الوفاق المعارضة، التي تمثل أكبر تيار شيعي، عضويتها في مجلس النواب البحريني في أعقاب هذه الأحداث. وأعلنت «الوفاق» أن تعليق عضويتها في مجلس النواب جاء «على ضوء الأحداث الأخيرة في البحرين، المطالبة بإصلاحات سياسية على رأسها تحقيق الملكية الدستورية التي تتوافر على التداول السلمي للسلطة والمطالب السياسية العادلة».

وقالت كتلة الوفاق النيابية في بيان صادر عنها، أرسلت نسخة منه لـ«الشرق الأوسط»: «من أجل البحرين العزيزة وشعبها الوفي، واستنكارا لسياسة البلطجة الأمنية والهمجية التي قابلت بها قوات الأمن المسيرات والاعتصامات السلمية للمواطنين، التي شهدتها مختلف مناطق البحرين، مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى من المواطنين، وفي مقدمتهم الشهيد علي عبد الهادي المشيمع والشهيد فاضل سلمان متروك، قررت كتلة الوفاق النيابية تعليق أعمالها في مجلس النواب».

وأردفت في بيانها أنها تؤكد «لشعب البحرين بكل فئاته وانتماءاته أنها لن تنحاز يوما لغير خيار الشعب ومطالبه المشروعة بإصلاح سياسي جذري، وفي مقدمته الدستور العقدي وتحقيق التداول السلمي للسلطة، وسيبقى أعضاء الكتلة جزءا من الوجود الشعبي دعما للمطالب العادلة، مؤمنين بأنه لا كرامة لها إلا من كرامة هذا الشعب العظيم».

من جهته، عزا خليل مرزوق، النائب في جمعية الوفاق التي تشغل 18 من 40 مقعدا، تعليق العضوية في البرلمان إلى «تردي الأوضاع الأمنية بالتعاطي السلبي والوحشي مع المتظاهرين وسقوط شهيدين (بإطلاق نار) من مسافة قريبة وأنه كان هناك تعمد للقتل». وقال مرزوق: إن مقتل المتظاهرين حدث «على الرغم من سلمية المتظاهرين وعدالة المطالب الموجودة منذ 2002 للانتقال إلى ملكية دستورية وسلطة تشريعية كاملة السلطات والتداول السلمي للسلطة لكسر احتكار السلطة والثروة». وتوقع مرزوق استمرار التحركات الاحتجاجية «السلمية»، مشيرا إلى أن جمعية الوفاق تدعم «توجهات المتظاهرين لكن لا تدعو إلى التظاهرات لكي يرى العالم أن شباب البحرين هم من يقومون بالتغيير وأن هناك مطالب من دون تسييس».

واعتبر النائب الشيعي المعارض أن «شعب البحرين لا يقل حماسة وشجاعة عن الشعوب الأخرى»، في إشارة إلى الدول العربية التي شهدت حركات شعبية غيرت النظام أو تطالب بتغييره، لا سيما مصر وتونس.

وصباح أمس، قتل المتظاهر الشاب فاضل متروك برصاص انشطاري، بينما كانت قوى الأمن تفرق متظاهرين تجمعوا أمام مستشفى السليمانية لتشييع القتيل الأول. وأكدت وزارة الداخلية مقتل المتروك عبر صفحتها على موقع «تويتر» للتدوين.

والقتيل الأول كان الشاب علي المشيمع وسقط خلال تفريق الأمن لمظاهرة في قرية الدية الشيعية شرق المنامة مساء أول من أمس. وسيتم تشييع القتيل الثاني صباح اليوم. وتحظى صفحة «ثورة 14 فبراير في البحرين» على «فيس بوك» بتأييد أكثر من 22 ألف شخص.

وقد دعا خليفة الظهراني، رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى من البرلمان)، جميع القوى السياسية والشخصيات الوطنية والدينية والمجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني «للشراكة والتواصل مع المؤسسة التشريعية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة المواقف للخروج بالنتائج المثمرة من أجل الوطن وشعبه وتجاوز جميع التحديات عبر الحوار المسؤول والأساليب الحضارية والقانونية والمؤسسات الدستورية».

وأعرب الظهراني عن بالغ تقديره للتوجيهات الملكية من الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتشكيل لجنة خاصة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الأحداث المؤسفة مؤخرا، وتأكيد سلامة الوطن والمواطن. وأكد الظهراني تلبية الواجب الوطني لدعوة الملك السلطة التشريعية إلى النظر في الظاهرة واقتراح التشريعات اللازمة لمعالجتها بما ينفع الوطن والمواطن، معربا عن تعازيه ومواساته لذوي الشابين البحرينيين اللذين توفيا، وأن يلهمهم الصبر والسلوان.