إخوان مصر يتجاوزون مرحلة الاعتراف بشرعيتهم إلى المشاركة في صياغة المستقبل

لجنة تعديل الدستور ضمت أحد قيادييهم.. وسعي جاد لإنشاء حزب سياسي لهم

مصريون من مختلف الأعمار يحتفلون بانتصار ثورة الشباب التي أجبرت الرئيس حسني مبارك على التنحي خلال احتفالات في الإسكندرية أمس (أ.ف.ب)
TT

تجاوزت جماعة الإخوان المسلمين في مصر مرحلة انتزاع اعتراف الدولة بشرعيتها إلى مرحلة المشاركة في صياغة مستقبل البلاد، باختيار واحد من قيادييها في عضوية اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية لتعديل الدستور المصري، وكذلك سعيها لإنشاء حزب سياسي، وإن لم يحسم الإخوان بعدُ إن كان الحزب بديلا عن الجماعة أم ذراعا سياسية لها. وشاركت الجماعة للمرة الأولى في الحوار الوطني الذي دعا إليه نائب الرئيس المصري عمر سليمان، قبل إعلان الرئيس حسني مبارك تخليه عن الحكم تحت الضغط الشعبي الجارف؛ حيث مثل الإخوان المسلمين في الحوار الذي جرى حول مائدة مستديرة الدكتور محمد مرسي والدكتور سعد الكتاتني عضوا مكتب الإرشاد (أعلى سلطة تنفيذية بالجماعة). وقال الدكتور محمد مرسي، المتحدث الرسمي باسم الإخوان: إن الاتصال بقيادي الجماعة المحامي صبحي صالح، النائب السابق بالبرلمان، للمشاركة في لجنة تعديل الدستور كان عبر اتصال مباشر من وزير العدل المصري المستشار ممدوح مرعي. وأكد مرسي لـ«الشرق الأوسط» أن مكتب إرشاد الجماعة يعتزم الاجتماع بصبحي صالح لطرح رؤية الإخوان في التعديلات الدستورية، معتبرا أن هذا الإجراء «طبيعي»، قائلا: «المؤسسة الإخوانية مؤسسة كبيرة، ومن الطبيعي أن نطرح رؤيتنا ومواقفنا من باب المشاركة، كما نؤكد دائما»، لافتا إلى أن مكتب الإرشاد لم يلتق حتى الآن صالح.

ومثل صالح جماعة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) في الدورة البرلمانية (2005 - 2010) عن دائرة الرمل بالإسكندرية، وهي الدورة التي حصل الإخوان المسلمون فيها على نحو 20% من مقاعد المجلس. وخسر مقعده في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في نهاية العام الماضي أمام اللواء محمد عبد السلام المحجوب، وزير التنمية المحلية السابق، مرشح الحزب الوطني الديمقراطي.

وأشار مرسي إلى أن الجماعة تجاوزت مرحلة الاعتراف بشرعيتها، موضحا أنها موجودة بالفعل وتمارس دورها في الشارع منذ سنوات طويلة، ولم يصدر بحقها أي موقف قانوني أو حكم قضائي، واصفا ما واجهته الجماعة إبان حكم مبارك بـ«الإرهاب الفكري».

وحول الموقف من إنشاء حزب سياسي للجماعة، قال مرسي: «إن الإخوان أعلنوا من قبلُ عن رغبتهم في إنشاء حزب سياسي، لكنهم لم يتقدموا للجنة شؤون الأحزاب التي سيطر عليها الحزب الحاكم، فلم يكن من المتصور أن نتقدم للخصم والحكم». وتولت لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى مسؤولية إصدار ترخيص إنشاء حزب سياسي في البلاد، وترأسها رئيس مجلس الشورى الذي جاء على مدى السنوات الماضية من الحزب الحاكم الذي هيمن على الحياة السياسية في البلاد.

ونفى مرسي أن تكون الجماعة قد حسمت بعدُ علاقتها مع الحزب المزمع إنشاؤه قائلا: «لم نحدد بعدُ شكل علاقة الحزب بالجماعة، وإن كان سيشكل بديلا عنها أم أنه سيكون جزءا منها أو ذراعها السياسية»، مضيفا أن الحديث عن هذا الأمر سابق لأوانه. وطرحت جماعة الإخوان المسلمين برنامجا لحزب سياسي قبل عامين واجه انتقادات عنيفة جاء بعضها من قبل قيادات بارزة داخل الجماعة، وكانت أبرز أوجه النقد الموجه لبرنامج الإخوان موقفهم من تولي المسيحيين والمرأة منصب رئاسة الدولة، وهو ما اعتبر إخلالا بمبدأ المواطنة. وتعهدت الجماعة خلال ثورة «25 يناير» بعدم الدفع بمرشح للرئاسة. وفي خطوة غير مسبوقة، طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه الرسمي) أمس بسرعة الإفراج عن المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والقيادي بالجماعة حسن مالك، وغيرهما من المحكومين أمام المحاكمات الاستثنائية في عهد نظام مبارك.

وقال قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر أمس، إن الجماعة تريد من الجيش المصري بناء «جسر من الثقة» مع الشعب برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح السجناء السياسيين. وأضاف عصام العريان أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة من الرئيس السابق حسني مبارك، حاز الثقة بإعلان نيته نقل السلطة إلى حكومة منتخبة.

وقال: «هذه ثقة نحتاج إلى زيادة منها بإجراءات على الأرض». وتابع يقول لـ«رويترز»: «نحن والشعب كله بحاجة إلى بناء جسر ثقة بين الجيش والشعب. وينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها أكثر جماعات المعارضة تنظيما بعد انتهاء حكم مبارك الذي استمر نحو 30 عاما». وقال العريان في مقابلة عبر الهاتف: «صحيح توجد ناس متخوفة تتكلم وتقول الموضوع يمكن أن ينقلب إلى شيء آخر.. ولكن عندنا ثقة بأن الجيش لديه التزام ووعد بأنه سينقل السلطة».

وتأسست جماعة الإخوان المسلمين في العشرينات وتتمتع بجذور عميقة في المجتمع المصري المحافظ. وعلى الرغم من أن مبارك أبقى على حظر الجماعة رسميا، فإن حكومته تسامحت مع نشاطها ما دامت لا تشكل تحديا لسلطته. وتقول جماعة الإخوان المسلمين إنها لن ترشح أحدا من أعضائها لمنصب الرئاسة ولن تسعى للحصول على أغلبية في البرلمان في الانتخابات التي تعهد بإجرائها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقال العريان موضحا موقف الجماعة: «الآن وقت الوحدة والإجماع الوطني للانتقال إلى نظام ديمقراطي». وأبدت الولايات المتحدة قلقها مما وصفته بتصريحات الجماعة المناهضة لواشنطن إلا أنها لم تصل إلى القول إنها ضد قيامها بدور في الحكومة المستقبلية في البلاد. كما تشعر إسرائيل بالقلق إزاء قيام الجماعة بدور أكبر، نظرا لعلاقاتها التاريخية بحركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة والتي لا تزال في مواجهة مع إسرائيل. وبث التلفزيون الحكومي المصري مقابلة مع العريان أمس وهو ما لم يكن متصورا قبل بضعة أسابيع فقط، مما يرمز إلى التغير الواسع الذي اجتاح مصر. ووعدت بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنقل السلطة سلميا إلى حكومة مدنية من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة.