أعضاء بالكونغرس ينامون الليل في مكاتبهم.. رفضا للعيش في واشنطن

مشرعون يوجهون رسائل سياسية عبر رفض التأمين الصحي لأنفسهم أو إعادة جزء من الراتب

TT

داخل الكونغرس، يجتذب الأعضاء الجدد الأنظار. فخلال الأسبوع الماضي، تمكن المشرعون الجدد من الحزب الجمهوري من إحداث هزة قوية في واشنطن بإجبارهم حزبهم على توجيه صفعة مدوية للميزانية. والآن، يحاولون صياغة فكرة جديدة بخصوص ما ينبغي أن يكون عليه عضو الكونغرس، وفي بعض الحالات، يعني ذلك تناول القضايا على نحو انفرادي.

ورفض بعض هؤلاء التأمين الصحي لإضفاء طابع درامي على اعتراضاتهم على إقرار نظام رعاية صحية تتولى الحكومة إدارته. وتعهد آخر بطبع الخطابات الرسمية التي تحمل توقيعا مطبوعا باسمه على نفقته الخاصة لإثبات حرصه على الاقتصاد في النفقات، بينما أعلن آخر أنه سيعيد للحكومة 15% من راتبه. وإلى جانب ذلك، يعيش العديد من أعضاء الكونغرس الجدد في مكاتبهم، في مؤشر على ازدرائهم للمدينة خارج المبنى. وقال النائب الجمهوري جو والش: «أعيش في مكهنري بإلينوي. ولا أعيش في واشنطن العاصمة». وخلال ثلاثة ليال أسبوعيا، يتعمد والش تناول كوب من الحليب ليساعده على الاسترخاء والنوم في مبنى «كانون هاوس أوفيس». (أقدم المباني الإدارية التابعة للكونغرس).

إلا أن المنطق من وراء مثل هذه الخطوات الرمزية ربما لا يبدو واضحا في أذهان البعض، وقد يتساءلون: ألا يكبد المبيت في المكاتب دافعي الضرائب مزيدا من الأموال؟ وماذا يضير في تحمل جهة التوظيف مصاريف الرعاية الصحية؟. لكن هؤلاء الأعضاء الجدد يراهنون على الفكرة الأكبر من وراء هذه الإجراءات على اعتبار أنها ستترك أصداء لها. ففي بلد يشعر الناس فيها بالغضب تجاه الحكومة، يرغب هؤلاء الأعضاء في أن يتأكد الناخبون من أن عضو الكونغرس لا يشعر بالارتياح.

وقال والش، وهو مستثمر سابق وعضو بحركة حفل الشاي، وتمكن من هزيمة خصمه الديمقراطي في الانتخابات بفارق 292 صوتا: «حياة المدينة مغرية. وربما يتحول الكثير من الأعضاء الجدد عن موقفهم الراهن، أما أنا فلا. لقد أتيت إلى هنا لأجعل من نفسي نموذجا لهذا النمط من التعبير».

يذكر أن 13 نائبا جديدا، من إجمالي 96، اتبعوا واحدة من التكتيكات سالفة الذكر. والملاحظ أن أعضاء المجموعة جميعا من الرجال وتقريبا جميعهم من الجمهوريين، بينما يعد هانسن كلارك، من ولاية متشيغان، النائب الوحيد عن الحزب الديمقراطي الذي ينام في مكتبه. وطلب العديد من أعضاء الكونغرس الجدد إخراجهم من نظام المعاش التابع للكونغرس. وأعلن النائب ريتشارد نوغنت، عن الحزب الجمهوري في فلوريدا، أنه سيدفع تكاليف بعض الخطابات الرسمية المطبوعة التي تحمل توقيعه. وقال: «إذا كتبت خطاب توصية لشخص ما، فهذا يعني أننا نشتري هذه الخطابات المطبوعة». أما النائب سكوت ريغيل، عن الحزب الجمهوري في فرجينيا، فيحرص على إعادة 15% من راتبه إلى الحكومة ويعمل على تقليص مصدر آخر للنفقات، وهو البريد المجاني للمراسلات المكتبية.

وعمد ثمانية أعضاء بالكونغرس على الأقل إلى استعراض رفضهم لنظام التأمين الصحي التابع للكونغرس. يذكر أن التأمين الصحي لأعضاء الكونغرس تتولى الحكومة دعمه، وإذا اختار عضو بالكونغرس أكثر أنظمة التأمين الصحي ارتفاعا في التكاليف، فإن دافعي الضرائب قد يتكبدون بسبب ذلك نحو 10.500 دولار سنويا. وعن ذلك، قال نوغنت: «من السهل للغاية أن أنضم لهذا النظام التأميني وأوفر علي وعلى زوجتي قرابة 9.000 دولار. من لا يرغب في ذلك؟».

يذكر أن نوغنت أبقى على المميزات التي كان يحصل عليها عندما كان عمدة مقاطعة بانضمامه لنظام الرعاية الصحية المعروف اختصارا باسم «كوبرا» - لكنه يكلفه 1.200 دولار شهريا مقابل 400 دولار في النظام التأميني التابع للكونغرس. واستطرد نوغنت بقوله: «لكنني أؤمن بالمبدأ القائم وراء تصرفي».

ومن بين الأعضاء الثمانية، تحول كثيرون للاعتماد على التأمين الصحي الخاص بالزوجة أو المدخرات الشخصية. ومن جهته، يعتمد النائب الجمهوري بول غوسار، من أريزونا، وهو طبيب أسنان، على التدريب الطبي الذي تلقاه في التعامل مع الإصابات البسيطة التي تلحق بأطفاله في محاولة لتقليص النفقات. أما والش فسيتعين عليه الاعتماد على مدخراته الشخصية في تغطية تكاليف علاج طبي ضروري لزوجته.

ومن بين الاستثناءات النائب الجمهوري الجديد بيل جونسون، من أوهايو، والذي أعلن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، رفضه نظام التأمين التابع للكونغرس. وقال في بيان صدر على موقعه الإلكتروني: «لا ينبغي أن يحظى أعضاء الكونغرس بمميزات ممتازة في مجال الرعاية الصحية في وقت يناضل ملايين الأميركيين لتلبية الاحتياجات الضرورية». ورغم ذلك، سيستمر جونسون في الحصول على تأمين صحي من الحكومة، فنظرا لأنه ضابط متقاعد من القوات الجوية، يتمتع بتغطية تأمينية من قبل وزارة شؤون المقاتلين.

يذكر أن مسألة إضفاء المشرعين طابعا سياسيا على قرارات شخصية لهم لها سوابق، فمثلا، أثناء الحرب العالمية الثانية، سارع المشرعون للالتحاق بصفوف القوات المسلحة لإثبات وطنيتهم. ومؤخرا، رفض السناتور الديمقراطي شيرود براون، من أوهايو، التأمين الصحي التابع للكونغرس طيلة 18 عاما للتأكيد على الحاجة لإصلاح نظام الرعاية الصحية على المستوى الوطني. والآن، انضم أخيرا لنظام التأمين الصحي. ويعتقد مؤرخون أن الأمر المختلف هذه المرة هو درجة إقرار الأعضاء الجدد بالكونغرس لهذا الأسلوب.

والملاحظ أن أشهر العناصر من بين هؤلاء الأعضاء الجدد، أولئك الذين يعيشون داخل مكاتبهم، وعددهم سبعة على الأقل. وينضمون في ذلك إلى الكثير من أعضاء الكونغرس الذين انتخبوا لفترات جديدة ممن يبيتون في مكاتبهم. وبينما يقدم البعض منهم على ذلك لتوفير المال، فإن آخرين يرغبون في نقل الرسالة ذاتها بشأن شرور واشنطن. يذكر أن السكن في واشنطن يبقى في متناول أعضاء الكونغرس بالنظر إلى أن الواحد منهم يتقاضى 174.000 دولار سنويا. لكنهم لا يحبون أن يظهروا أمام ناخبيهم وهم يدفعون تكاليف السكن هنا. وفي هذا الصدد، أكد تيم والبيرغ، النائب الجمهوري من متشيغان، قائلا: «هذا لا يليق بنا».

ويقضي هؤلاء المشرعون في العادة ثلاثة ليال أسبوعيا بمكاتبهم، حيث يسهل عليهم العثور على مكان للاستحمام به، ذلك أن الأمر لا يتطلب منهم سوى السير عبر أنفاق لاستخدام دورات المياه الخاصة بصالة الألعاب الرياضية التابعة لمجلس النواب. وهناك آلات بالطابق الأرضي توفر أطعمة جاهزة، مثل ساندويتشات البرغر.

وربما يجد المرء صعوبة في الاسترخاء داخل غرفة قضى اليوم بأكمله داخلها وهو يصافح الأيدي ويدرس مشروعات قوانين. وللتغلب على ذلك، يعمد والش لاتباع خطوات محددة لتحويل صورة المكتب في ذهنه إلى غرفة نوم، حيث يفرش غطاء وبطانية ويضع وسادة على الأريكة، ويتناول قدحا من الحليب. وعن هذا، قال: «يجب أن أتناول الحليب لأشعر أنني في السرير».

ومع ذلك، يرى البعض أن مثل هذه الإجراءات تنطوي على نفاق وازدواجية، ذلك أنه في الوقت الذي ينادي فيه الأعضاء الجدد بالكونغرس بتقليص النفقات، فإن معيشتهم بالمكاتب ربما تجعلهم يفعلون العكس تماما بتحميل دافعي الضرائب المزيد من التكاليف المتعلقة بالكهرباء والمياه. وأعلنت متحدثة رسمية باسم مراقب شؤون مجلس النواب أنه لم يدرس بعد التكاليف الإضافية المترتبة على ذلك، لكن يعتقد أنها شديدة الضآلة. ويوم الخميس الماضي، طالبت منظمة «مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق»، وهي منظمة رقابية، واشنطن بالتحقيق في أعضاء الكونغرس الذين يبيتون في المكاتب، وتساءلت ما إذا كانوا بذلك ينتهكون قوانين الضرائب «بعدم إبلاغهم عن السكن باعتباره بدلا يمكن فرض ضرائب عليه».

أما أعضاء الكونغرس المخضرمون فيعتقدون أنه بمرور الوقت، سيكتشف الأعضاء الجدد الذين يعيشون على هذا النحو مشكلات أخرى.

فمثلا، قال النائب الجمهوري السابق واين غيلشرست، الذي عاش على هذا النحو طيلة 18 عاما تقريبا: «في هذا الجو، يشعر المرء بالوحدة والعزلة، إنه وضع مثير للشفقة في بعض جوانبه». وأشار إلى أنه عاين تحول بعض زملائه لأسلوب تفكير ضيق الأفق يهيمن عليه جنون الاضطهاد بعد أن انهمكوا في عملهم على مدار الساعة.

ومن بين الأخطار الأخرى التي ذكرها غيلشرست أجهزة الإنذار ضد الحريق. وقال إن قوات الشرطة اقتحمت المبنى ذات مرة وأمرت جميع النائمين بالخروج فورا، صائحين: «ليس هناك وقت لارتداء الملابس، اخرجوا على الفور». لكنه رفض الأوامر وأصر على ارتداء ملابسه قبل الخروج. وأضاف: «اثنان من أعضاء الكونغرس خرجا بملابسهما الداخلية». وقد ظلا عالقين في الخارج حتى طلع النهار وتوجه غيلشرست لتناول فطوره. وعلق على ذلك بقوله: «هذا أمر مثير للشفقة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»