المادة الثانية من الدستور تثير الجدل على الرغم من عدم إدراجها في التعديلات

مثقفون يريدون استلهام دستور 1923.. وشيخ الأزهر: من ثوابت الدولة والتعديل مصادرة للديمقراطية

TT

في الوقت الذي بدأت فيه اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتعديل بعض نصوص الدستور برئاسة المستشار طارق البشري، نائب أول رئيس مجلس الدولة الأسبق، أول اجتماعاتها أمس بمقر وزارة العدل، اتفقت اللجنة على دراسة جميع النصوص التي تخص الشكل الرئاسي واختصاصات الرئيس وكيفية إجراء الانتخابات الرئاسية وشروط الترشح للرئاسة.. وفي المقابل، سيطرت حالة من الجدل في الشارع المصري، خاصة النخبة والمؤسسات الدينية حول المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وبدأت حملات متعددة من جماعات سلفية، منهم جمعية أنصار السنة المحمدية والجبهة السلفية بالمنصورة والجمعية الشرعية، بجانب قطاع الشباب عبر الـ«فيس بوك»، الذين أنشأوا صفحة باسم «مصر الإسلامية» وموقع «أنا سلفي»، للحفاظ على المادة الثانية من الدستور، وبدأ رموز السلفية، ومنهم محمد إسماعيل المقدم وعبد المنعم الشحات، عقد مؤتمرات في الإسكندرية ومحافظات الدلتا، محذرين مما وصفوه بالمتربصين ومحاولات تغيير الهوية الإسلامية لمصر، كذلك حذر شيوخ الفضائيات، مثل محمد حسان عبر فضائيته «الروضة» و«الرحمة» من الاقتراب من تغيير هوية مصر الإسلامية.

وفي المقابل، وقع مئات المثقفين على بيان يدعون فيه استلهام دستور 1923، الذي اعتبر المصريين متساوين في الحقوق المدنية والسياسية على عكس الدستور الحالي. ونص بيانهم بعنوان «نحو دولة علمانية» على ضرورة تعديل المادة الثانية، مطالبين بإلغاء النص الخاص بذكر هوية الدولة الإسلامية في الدستور، كما طالبت قيادات كنسية بإدخال المادة الثانية ضمن المواد المعدلة، التي ستناقشها اللجنة.

وذكر رفيق جريش، المتحدث الرسمي للكنيسة الكاثوليكية، أن جميع الأقباط رأيهم ثابت في المادة الثانية، محذرا من أن تكون السلطة في يد الشيوخ الذين يحتكرون تفسير الشريعة، واصفا المادة الثانية بأنها «أرض خصبة لجميع المتعصبين داخل أجهزة الدولة».

وأضاف: «نحن نريد دستورا يؤكد مدنية الدولة وكفالة حرية الانتقال بين الأديان بلا قيود»، مطالبا ألا يحتوي الدستور على أي صبغة دينية، ولو كان هناك إصرار على بقاء المادة الثانية من الدستور فيجب تعديلها لتكون الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع، وليس المصدر الرئيسي.

وتنص المادة ‏الثانية من الدستور على أن‏ «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»‏.‏ وهذا النص الوارد في صدر أحكام الدستور يشكل مرجعية إسلامية لكل المبادئ الواردة بالدستور المتعلقة بالمساواة وبحقوق المواطنين وغير ذلك‏.‏ ودخل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، في دائرة النقاش للمرة الأولى، وأكد خلال مؤتمر صحافي أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتغيير أو التحديث، وأن الاقتراب منها بمثابة محاولة لنشر الفتنة، قائلا: «المادة الثانية من الدستور هي من ثوابت الدولة والأمة، والحديث في تلك المادة هو مصادرة للديمقراطية التي نأمل الوصول إليها ومصادرة على الحريات».

بينما اعتبر المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا الأصوات المنادية بتغيير المادة الثانية من الدستور «غير مسؤولة»، مشيرا إلى أن الدول الغربية تعتمد في دساتيرها على الأناجيل، فليس بدعا من الخلق ولا بدعا من الدساتير أن يكون الدستور المصري ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، بل يجب على كل الدول العربية أن ينص دستورها على ذلك للمحافظة على هوية شعوبها، قائلا إنه «من الأولى عدم العبث بتلك المادة حفاظا على وحدة الوطن». وكان المستشار طارق البشري، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق رئيس اللجنة المكلفة تعديل الدستور، قد ذكر في دراسة له أثناء التعديلات الدستورية السابقة في عام 2007 عن المادة الثانية عندما خرجت أصوات تنادي بتعديلها، أن المادة الثانية من الدستور الحالي لازمة بصيغتها الحاضرة لتحقق الإسناد الشرعي الإسلامي لمبدأ المساواة التامة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين في تولي الوظائف العامة، والمشاركة الكاملة في ممارسة الولايات العامة، وفي تولي المناصب ذات الشأن العام‏ في قيادات الأعمال والقضاء والإدارة وغير ذلك‏.

وأضاف أن مبدأ المواطنة يجد دعامته المستقاة من أحكام الشرع الإسلامي بموجب هذا النص‏، وأن ذلك لا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين، موضحا أن فكرة المساواة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب في بلادنا كانت متحققة في غالب الفقه الإسلامي بالنسبة للحقوق الخاصة والفردية، بموجب أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

ويعود أصل المادة الثانية إلى النص الأصلي في المادة ‏149‏ من دستور مصر ‏1923‏، الذي استمر معمولا به حتى‏ 1953‏. وتم التعديل النصفي عام 1980، حينما أراد الرئيس الراحل أنور السادات أن يعدل مادة بقائه في الحكم والسلطة، وكان له أن يعدل هذه المادة مع تعديل مادة خطيرة في الدستور المصري هي المادة 77 الخاصة بمدد الحكم وفتحها بدلا مما كانت عليه في السابق محدودة بمدتين فقط.