تونس تسمح بزيارة المحكومين بالإعدام.. وفرار مسجونين وعودة آخرين إلى سجونهم

ساركوزي يوجه «رسالة دعم» كتبها بخط اليد لوزيرة خارجيته

عاطلون عن العمل يحتجون أمام شركة فوسفات قفصة في تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

تواصل الحكومة الانتقالية في تونس تنظيف البيت الداخلي من الشوائب التي رافقت نظام الحكم السابق على امتداد 23 سنة. وبينما قررت وزارة العدل تمكين المحكومين بالإعدام من زيارة أقاربهم لهم، تعمل وزارة الداخلية على تعقب فلول العصابات الإجرامية التي تروع السكان من فترة لأخرى.

ولم ينفذ حكم الإعدام في تونس منذ سنة 1994. ويعتبر الحق في الزيارة مطلبا من مطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، ويعود إلى سنوات خلت. وكانت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية، قد طالبت الحكومة الانتقالية، بالسماح لـ140 معتقلا في تونس من المحكوم عليهم بالإعدام، بتلقي الزيارات العائلية مثل السجناء الآخرين، كخطوة فورية على أثر زيارة قامت بها المنظمة لسجنين تونسيين يوم 2 فبراير (شباط) الحالي. وأضافت «أنه ينبغي أيضا على الحكومة الانتقالية أن تسمح للمسجونين في زنازين مزدحمة للغاية بمزيد من الوقت خارجها كل يوم».

وفي غضون ذلك، فر 35 سجينا من سجن بتونس بعد أن اعتدوا على الحراس وأحدثوا ثقبا في الجدار. وقالت وكالة الأنباء التونسية إن الفرار الجماعي وقع في بلدة قابس المطلة على البحر المتوسط، على بعد نحو 370 كيلومترا جنوب العاصمة التونسية. وأضافت أن 21 من السجناء الفارين اعتقلوا.

وفي سياق ذلك، أعلنت وزارة العدل التونسية، أمس أن نحو ثلاثة آلاف سجين من أصل 11 ألف سجين فروا من السجون التونسية غداة الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع، رجعوا طواعية إلى السجون التي فروا منها، استجابة لنداء بالعودة أطلقته الوزارة التي تشرف على سجون البلاد.

وفي مدينة صفاقس (350 كلم جنوب العاصمة)، يتواصل الإضراب عن الطعام الذي يشنه نزلاء السجن المدني بصفاقس، وكذلك الشأن بالنسبة لسجن برج الرومي ببنزرت (60 كلم شمال العاصمة لتونسية)، حيث أضرب نزلاؤه، احتجاجا على عدم تمكينهم من الإفراج المشروط، كما أضرموا النار، وهددوا بعمليات عنف، ورفضوا زيارة أهاليهم لهم.

إلى ذلك، أسفرت الحملات المكثفة التي تشنها الشرطة والحرس والجيش عن إلقاء القبض خلال الليلتين الماضيتين في مدينة القيروان على مجموعات إجرامية تتكون من أشخاص مبحوث عنهم، وموضع متابعات قضائية، لانتمائهم إلى عصابات تخريبية خطيرة. وشملت هذه الحملات عددا مهما من الأحياء الشعبية والمقاهي والطرقات والساحات العامة بالمدينة وأحوازها.

وأوقفت وحدات من الجيش والحرس عصابة قالت إنها تتكون من ستة أشخاص تعمدت ترويع مستعملي الطريق الوطني رقم 2 الرابط بين تونس وسوسة، وذلك على مستوى مدينة «كندار» في ولاية سوسة (140 كلم عن العاصمة)، وسلبهم سياراتهم الخاصة، ومنقولات عينية باستعمال الأسلحة البيضاء. وتمكنت وحدات الجيش والحرس من استرجاع السيارات المسروقة وإعادتها إلى أصحابها. وتم حجز سبع سيارات مسروقة لدى أفراد العصابة من أصل ثماني سيارات تم سلبها من أصحابها. ويوجد ضمن أفراد العصابة شقيقان فاران من السجن المدني بالمسعدين في سوسة.

من جهة أخرى، التحقت عناصر من جيش الاحتياط التونسي أمس بمراكز التعبئة التابعة للجيش، وذلك بعد أسبوع من دعوتهم من قبل وزارة الدفاع في تونس، التي لا تزال تشهد عدم استقرار بعد شهر من الإطاحة بنظام بن علي، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وانضم ما بين 400 و500 جندي صباح اليوم بمركز التعبئة والتجنيد الرئيسي في بوشوشة غرب العاصمة، وهم من التونسيين الذين قاموا بواجبهم العسكري بين 2007 و2009.

وكانت وزارة الدفاع قد قررت الأسبوع الماضي دعوة جنود الاحتياط، الذين تقاعدوا منذ خمس سنوات، إضافة إلى مجندين، إلى مراكز التجنيد الإقليمية القريبة من محال سكنهم.

على صعيد آخر، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه يلزم يهود تونس البالغ عددهم نحو ألفي شخص، الذين عاشوا منذ عقود في تونس في أمان على الرغم من اعتداء 2002، الحذر بعد الإطاحة بنظام بن علي، وهم يرغبون في مواصلة العيش في وئام مع باقي التونسيين.

ويبلغ عدد يهود تونس ألفي شخص من بين أكثر من عشرة ملايين تونسي، يقيم ثلاثة أرباعهم في جزيرة جربة (550 كلم جنوب شرقي العاصمة). وعبر مسؤولون في هذه الطائفة عن قلقهم للسلطات الانتقالية التونسية بعد حوادث مناهضة لليهود أمام الكنيس اليهودي في العاصمة يوم الجمعة الماضي. ونددت الحكومة التونسية بهذه الممارسات المتطرفة أمام أماكن العبادة.

وبحسب صور بثت على الإنترنت فقد رفع أشخاص الجمعة الماضي شعار «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود» أمام كنيس العاصمة.

وقال رينيه طرابلسي المسؤول في الجالية اليهودية في جربة، إن هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى حزب التحرير الإسلامي «الذي بقي صامتا تماما في عهد بن علي ويريد اليوم إثارة الفوضى».

وقال رئيس الطائفة اليهودية التونسية، روجيه بيسموث: «التقيت السبت الماضي رئيس الوزراء محمد الغنوشي، وأبلغته بهذا الحادث». وأضاف «أعتقد أن هذا الحادث يمكن أن يتكرر»، معتبرا أن «الوضع في البلاد يستدعي اليقظة».

ونددت وزارة الداخلية أول من أمس بالشعارات المناهضة للأديان والمحرضة على العنف. وقالت «إن هؤلاء الأشخاص ليس لهم من هدف سوى الإساءة إلى قيم النظام الجمهوري القائم على احترام الحريات والمعتقدات والتسامح والتعايش السلمي بين كل التيارات وضمان ممارسة الحقوق المدنية». وقال بيريز طرابلسي، رئيس الجالية اليهودية في جربة، إنه خلال أعمال العنف التي سبقت سقوط بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) «تم حرق مكان عبادة مكون من ضريح حاخام وغرفتين ومطبخ صغير» في الحامة (20 كلم غرب مدينة قابس - جنوب شرقي)، موضحا «أن الحي بكامله تعرض لأعمال تخريب».

وقال رينيه طرابلسي «يجب ألا نستسلم للفوضى. هناك من يريد إشاعة البلبلة وضرب الأقليات الأضعف مثل اليهود»، مضيفا أنه خلال عملية رفع الشعارات الجمعة أمام الكنيس اليهودي بالعاصمة «طلع تجار تونسيون من محلاتهم ليقولون لهؤلاء الأشخاص أن يتوقفوا عن هذه السخافات».

وأضاف أن الجالية اليهودية «كانت دائما محبوبة جدا ومحمية في تونس سواء في عهد بورقيبة أو بن علي، وحتى أثناء عمليات النهب التي تلت سقوط بن علي، حمى جيران مسلمون منازل يهود»، مؤكدا أن «الجميع في سفينة واحدة في تونس ولا ينبغي التلاعب أو الخضوع للتلاعب».

وفي جربة يراهن اليهود على المستقبل، دون أن يخفوا قلقهم، وقال بيريز طرابلسي رئيس كنيس الغريبة (أقدم كنيس في أفريقيا - 2500 عاما): «نحن جميعا تونسيون، ونريد أن نعيش مثل باقي التونسيين».

وأضاف «لقد خفنا مثل الجميع أثناء الاضطرابات لكنني باق هنا. لقد قل عدد عناصر الشرطة. في عهد بن علي كان هناك دائما ثلاثة أو أربعة من رجال الشرطة أمام منزلي، اليوم يأتون بين الفينة والأخرى».

وتحت أشعة الشمس الدافئة يقول حارس «الغريبة»، التي تخضع لحراسة أمنية مشددة «كما ترون ليس هناك سياح. لا يوجد إلا بعض السكان الذين يأتون للتعبد».

وكانت الغريبة التي يحيط بها حقل من أشجار الزيتون قد تعرضت في أبريل (نيسان) 2002 لاعتداء تبناه تنظيم القاعدة، خلف 21 قتيلا، خصوصا من الألمان والتونسيين.

ويقول الحارس «نأمل أن يعود السياح سريعا». ويؤكد بيريز طرابلسي أن زيارة الغريبة المقررة بين 17 و22 مايو (أيار) المقبل ستتم كالعادة، مضيفا «نتوقع أن يأتي زوار من فرنسا وإسرائيل».

وفي باريس، قال مكتب وزيرة الخارجية الفرنسية أمس إن ميشيل آليو ماري «أجرت اتصالا هاتفيا قصيرا» مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي خلال العطلة التي أمضتها نهاية 2010 في تونس، التي كانت تشهد اضطرابات أدت إلى سقوط رئيسها، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال أحد العاملين في مكتب أليو ماري مؤكدا معلومات نشرها موقع «ميديابار»: «في تلك المرحلة أجرت أليو ماري اتصالا هاتفيا قصيرا مع بن علي، مثلما اتصلت بالكثير من القادة ووزراء الخارجية الآخرين».

وأضاف المصدر القريب من الوزارة «إنها ببساطة مهمة وزير الخارجية أن يجري اتصالات يومية أو مقابلات مع سلطات حكومية أجنبية». وأكد الناطق باسم الحكومة في اجتماع مجلس الوزراء أن أليو ماري «تتمتع بدعم كل الفريق الحكومي».

وقال المصدر إن «أليو ماري قدمت توضيحات وتتمتع بدعم كل الفريق الحكومي».

ووجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس إلى مجلس الوزراء «رسالة دعم» كتبت بخط اليد لوزيرة خارجيته ميشيل أليو ماري التي تتعرض لانتقادات بسبب قضائها عطلة مثيرة للجدل في تونس نهاية 2010، وهو ما اعتبر «بادرة نادرة» من جانب رئيس الدولة، وأنه «لا مجال للخضوع للهيجان، ولا سبيل للتخلي عن أليو ماري».