حي الشيخ جراح في القدس: معركة على كل بيت وشجرة

فلسطينية طردت من منزلها لـ«الشرق الأوسط»: أزوره يوميا وأسلم على ليمونتنا

TT

بعيدا عن الأخبار والكاميرات التي تلاحق الأحداث الكبيرة، ثمة حكايات إنسانية في القدس المحتلة تختزل شكل الصراع العربي - اليهودي في المدينة على كل شارع وبيت ومتر أرض وحجر وزاوية، تتكرر كل يوم ولا ينتبه لها كثيرون.

ويمثل حي الشيخ جراح في المدينة نموذجا لهذا الصراع الذي تحول إلى وجودي بالنسبة للفلسطينيين، بعد أن فتح الإسرائيليون هذا الشهر جبهة أخرى في الجزء الغربي من الحي، بينما تتواصل المعركة في جزئه الشرقي. ومنذ نحو عامين، شن المستوطنون هجمات مختلفة للسيطرة على منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، ووضعت بلدية القدس، خططا للسيطرة على الحي وبناء مستوطنات وحدائق.

ويخطط الإسرائيليون الآن لإقامة مبنيين يضمان 13 شقة سكنية في الجزء الغربي من الحي، وهو ما يعني هدم منازل فلسطينية هناك وتشريد أهلها، وبدء زرع مستوطنة جديدة، في حين ينتظر عشرات الفلسطينيين مصيرهم بقرار محكمة إسرائيلية تبحث طردهم من عشرات المنازل في الجزء الشرقي الذي سيطر فيه المستوطنون على بعض المنازل هناك.

غير أن ذلك ليس كل ما ينتظر الحي، فقد صرح رئيس ما يسمى «صندوق أرض إسرائيل» آرييه كينغ، الأسبوع الماضي، بأنه سيتم بناء 200 وحدة استيطانية لليهود في حي الشيخ جراح في غضون خمس إلى عشر سنوات من الآن.

وقال كينغ، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن هناك خططا لاستعادة أراض «تعود لليهود قبل قيام إسرائيل»، مدعيا أن «الفلسطينيين الذين يعيشون هنا بشكل غير قانوني طوال هذه السنوات يجب أن يشكروا اليهود الذين يسمحون ببقائهم مجانا، وقد آن الأوان لليهود لاستعادة حقوقهم في هذا المكان». وفي حين طردت عائلات كاملة بالفعل، من حي الشيخ جراح، ما زالت عائلات أخرى تقاوم محاولات طردها. وقالت نظيرة صيام، ومنزلها مهدد بالمصادرة لـ«الشرق الأوسط»: «لن أغادر ولن أخرج من هنا. إنهم لا يعرفون أن بيتي وأرضي هما شرفي، هنا ولدنا وهنا سنموت».

أما نبيل الكرد الذي يعيش في نصف منزله ويستولي المستوطنون على نصفه الآخر، في انتظار أن تفصل المحكمة له أو لهم، فقال إنه يعيش وعائلته حياة صعبة بين بلطجية المستوطنين. وشرح الكرد لـ«الشرق الأوسط»، كيف يتعمد المستوطنون إهانته وعائلته بشكل يومي، ويبصقون ويشتمون الكبار والصغار ويتعرضون لهم. وقال: «كل يوم يصعد المستوطنون هنا. إنهم يجلبون الزعران، وأخيرا نشروا كلابهم في الحي من أجل زرع الرعب في قلوبنا وقلوب الأطفال.. أنا تعرضت لهجوم من أحد الكلاب، وأصبت، وعندما قدمت شكوى للشرطة الإسرائيلية، قالوا لي أنت كذاب، أما المسؤولون الطبيون فحاولوا الاطمئنان على صحة الكلب وليس علي».

وأكد الكرد أن الوضع يزداد تعقيدا في الحي يوما بعد يوم، في ظل صمت الشرطة الإسرائيلية وتغطيتها على استفزازات المستوطنين واعتقالها مزيدا من الفلسطينيين والتضييق عليهم. غير أن الكرد لا يعرف منزلا آخر يذهب إليه ولا ينوي ذلك، وقال إنه سيعيش في خيمة في حي الشيخ جراح ولن يغادر الحي.

وجرب فلسطينيون فعلا هذا الخيار، لكنهم لم يستطيعوا البقاء طويلا، وقالت ميسون غاوي لـ«الشرق الوسط»، إنها اضطرت مؤخرا لاستئجار منزل في العيسوية في القدس، بعدما عاشت شهورا في خيمة في حي الشيخ جراح بعد طردها وعائلتها من بيتها قبل نحو عام. وأوضحت غاوي: «لم نستطع البقاء أكثر من 7 أشهر في الخيمة، تدهورت صحة أطفالي بسبب الظروف المناخية، وأخذت تسوء أكثر فاضطررنا للمغادرة». لكنها لم تنس أبدا منزلها. وقالت إنها تذهب يوميا إلى هناك وتزور ليمونة في فناء البيت زرعتها والدة زوجها المتوفاة، وتتذكر سنين طويلة قضتها في المنزل.

وقالت: «كل يوم بروح وبسلم على الليمونة وبتذكر أحلامي هنا، وبلقّط ليمون كمان، وسأعود يوما إلى منزلي ومنزل زوجي، لن نسلم بأنه أصبح للمستوطنين». واشتبكت حنون مرة مع شرطي إسرائيلي طلب منها أن لا تلمس الليمونة، بل أبدى استعداده لدفع ثمن ما تحتاجه من الليمون على أن تشتريه من الأسواق، فردت: «هذه ليمونتي، أنا زرعتها، وهي تقول كل يوم إنها عربية، ولن أتركها للمستوطنين».