المحكمة الدولية تقرر الاعتماد على القانون اللبناني في تفسير نظامها الأساسي ومفهوم الإرهاب

خبير قانوني لـ «الشرق الأوسط»: الخطوة المقبلة إصدار القرار الاتهامي

TT

أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قرارا تمهيديا في شأن المسائل القانونية الـ15 التي طرحها قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في الجلسة الأولى للغرفة التي عقدت في 7 فبراير (شباط) الحالي، لتعريف العناصر التأسيسية للقرار الاتهامي في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. فقررت الاعتماد على القانون اللبناني في تفسير نظامها الأساسي ومفهوم الإرهاب، وأقرت الشك لصالح المتهم ومبدأ جمع الجرائم. وتوصلت الغرفة إلى هذا القرار بعد الاستماع إلى الملاحظات الشفوية التي أدلى بها كل من المدعي العام ومكتب الدفاع، وبعد الاطلاع على مذكرتيهما الخطيتين وموجز حججهما. كما تلقت غرفة الاستئناف مذكرتين من نوع مذكرة صديق للمحكمة (وهي آراء قانونية) من أستاذين جامعيين وأخذتهما في الاعتبار.

وأشار رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي أنطونيو كاسيزي إلى أن «وظيفة المحكمة الدولية لا تقتصر على محاكمة من ارتكبوا الجرائم بل ترسيخ مبدأ المساءلة بالمجتمعات الديمقراطية، والتأكيد على أنه لا يجوز أن تحل المشكلات من خلال سفك الدماء ولكن بالنقاش والحوار»، آملا أن «تساعد جهود المحكمة في السير بخطى ثابتة للوصول إلى تحقيق العدالة»، مشددا على «الطابع النزيه الذي تتسم به المحكمة». ولفت كاسيزي إلى أنهم «وجدوا أن القانون اللبناني والقانون الجرمي الدولي ينصان على اجتماع الجرائم المادية والمعنوية وبالتالي لا يوجد تنازع بينهما». وأكد كاسيزي أن «الطابع المختلط للمحكمة أمن مزيجا من الخبرات ما يوفر وسيلة فكرية مهمة للمساعي اللبنانية والدولية للمساءلة».

يشار إلى أن أبرز بنود قرار غرفة الاستئناف هي تفسير النظام الأساسي وتعريف مفهوم الإرهاب والجرائم والمسؤولية الجنائية واجتماع الجرائم والادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد.

ويوضح الخبير في القانون الدولي الدكتور طارق شندب أنه «في وقت قررت فيه المحكمة الاعتماد على القانون اللبناني في تفسير النظام الأساسي وتعريف مفهوم الإرهاب والجرائم إلا أنها وفي بند (أشكال المسؤولية) اعتمدت على القانون الجنائي الدولي الذي يساهم أكثر في حماية المدعى عليهم كونه يفسر أي غموض في النص لمصلحة المتهم كما يضع أي شك في مصلحته أيضا».

ويلفت شندب إلى أن «الاعتماد على القانون اللبناني في تعريف الإرهاب لم يكن مستغربا لأن القانون الدولي لا يحوي أي تعريف محدد لهذا المفهوم»، أما في ما يخص تفسير النظام الأساسي وفقا للقانون اللبناني، فقال شندب: «النظام الأساسي يحدد الإجراءات وقواعد الإجراءات الواجب اتباعها لسير عمل المحكمة، وبما أن أكثرية المتهمين قد يكونون من اللبنانيين فأفضل طريقة لحسن سير العدالة سيكون بالاعتماد على القانون اللبناني، وهذا ما ارتأته المحكمة الدولية». ويوضح شندب أنه «وبعد هذا القرار، تنتهي المراحل الإجرائية للمحكمة حاليا بانتظار صدور القرار الاتهامي». وفي تفاصيل ما صدر عن غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية، وبالنسبة لتفسير النظام الأساسي، أشارت الغرفة إلى أن «المحكمة الخاصة بلبنان، خلافا لسائر المحاكم الدولية، تقتصر على تطبيق قواعد القانون الموضوعي اللبناني بشأن تعريف الجرائم، كما تفسره وتطبقه المحاكم اللبنانية، ما لم يتبين أن هذا التفسير أو التطبيق غير معقول، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى ظلم مبين، أو أنه لا يتوافق مع المبادئ والقواعد الدولية الملزمة للبنان».

وبالنسبة لتعريف مفهوم الإرهاب، أكدت غرفة الاستئناف أن «المحكمة ستطبق القانون اللبناني فيما يتعلق بجريمة الإرهاب، القائمة على الأركان التالية، (أ)، فعل مرتكب عن قصد لنشر الذعر، سواء أكان يشكل جريمة بحسب الأحكام الأخرى من قانون العقوبات أم لا، و(ب)، استعمال وسائل من شأنها أن تحدث خطرا عاما، كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو الميكروبية».

وفي هذا الإطار، أفادت غرفة الاستئناف في تحليلها المفصل بأن «المحاكم اللبنانية تعتمد بصورة عامة مقاربة ضيقة النطاق فيما يخص الركن الثاني (ب)، وذلك بحصر جرائم الإرهاب في تلك الجرائم المرتكبة بالوسائل المعددة في قانون العقوبات، والتي لا تشمل الاعتداءات المرتكبة بالرشاشات على سبيل المثال»، وخلصت غرفة الاستئناف إلى أن «قانون العقوبات اللبناني ذاته يدل على أن تعداده لوسائل الجريمة الإرهابية إنما هو على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي يمكن للمحكمة أن تفسر أحكام قانون العقوبات ذات الصلة تفسيرا أوسع نطاقا». وفيما يخص الجرائم والمسؤولية الجنائية، رأت غرفة الاستئناف، أن «القانون اللبناني ينطبق على جريمتي القتل والمؤامرة، ويرد في النظام الأساسي للمحكمة إشارتان إلى أشكال المسؤولية الجنائية، وذلك في المادة 2 التي تركز على قانون العقوبات اللبناني، وفي المادة 3 التي تبين أشكال المسؤولية وفقا للقانون الجنائي الدولي».

إلى ذلك، نظرت غرفة الاستئناف في «احتمال وجود تنازع بين هذين القانونين»، وخلصت في هذا السياق إلى استنتاج مفاده أن «القانون اللبناني يتوافق مع القانون الدولي في معظم الأحوال في هذا الصدد»، مشددة على «وجوب تطبيق القانون اللبناني عندما لا يوجد تنازع بين هذا القانون والقانون الدولي، وبوجوب تطبيق النظام القانوني الذي يتبين أنه يحفظ حقوق المتهمين أكثر من غيره عندما يوجد تنازع بين هذين القانونين».

وبشأن اجتماع الجرائم والادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد، أوضحت الغرفة أنها «تركز في هذه المسألة، من ناحية على ما إذا كان من الممكن أن يؤدي السلوك الواحد (مثل زرع قنبلة) الذي يسلكه فرد ما إلى اتهامه بتهم مختلفة (القتل والإرهاب مثلا)، ومن ناحية ثانية على ما إذا كان من الجائز الادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد (القتل والإرهاب) أو التخيير بينها (القتل أو الإرهاب)».

وفي موضوع الفترة إلى تستغرقها عملية نظر قاضي الإجراءات التمهيدية في قرار الاتهام، أشارت الغرفة إلى أن «التقديرات الأولية الخاصة بعملية النظر في قرار الاتهام تشير إلى أن هذه العملية ستستغرق فترة تتراوح بين 6 و10 أسابيع على الأقل، ولم يطرأ أي تغيير على هذه التقديرات على الرغم من احتمال استغراق هذه العملية أكثر من 10 أسابيع نظرا لدرجة التعقيد التي يتسم بها هذا الموضوع ولحجم المواد المؤيدة لقرار الاتهام».

وعن الوقت الذي يعلن فيه محتوى قرار الاتهام، ذكرت أنه «يبقى قرار الاتهام سريا أثناء عملية النظر فيه من أجل حماية الفرد المذكور (الأفراد المذكورين) فيه، ويتوقع إعلان محتوى قرار الاتهام إذا ما تم تصديق هذا القرار، ويجوز مع ذلك، في ظروف استثنائية، لكل من المدعي العام ورئيس مكتب الدفاع أن يطلبا الإبقاء على سرية قرار الاتهام بعد تصديقه (مختوم) حفاظا على مصلحة العدالة، ويفصل قاضي الإجراءات التمهيدية في أي طلب في هذا الصدد».