إصابة 38 شخصا في مظاهرات مناوئة للقذافي في بنغازي قبل مسيرات الغضب الشعبية اليوم

الإفراج عن 110 من أعضاء الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة

أحد الإسلاميين الليبيين من الجماعة الإسلامية المقاتلة لدى استقباله من قبل أقاربه أمس إثر إطلاق سراحه مع 109 من رفاقه عشية «يوم الغضب» الذي دعت إليه المعارضة الليبية اليوم (أ.ف.ب)
TT

ردت السلطات الليبية التي تجاهد لمنع احتجاجات شعبية متوقعة اليوم ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي على مظاهرة مفاجئة اندلعت في مدينة بنغازي الليلة قبل الماضية، بتسيير مظاهرات حاشدة لمؤيدين للعقيد القذافي، في وقت أطلقت فيه سراح الدفعة الثالثة والأخيرة لتنظيم الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة، التي تضم 110 عناصر من بينهم عناصر قيادية.

واعتقلت السلطات الليبية عددا من الكتاب والناشطين والمدونين، من بينهم: إدريس المسماري، ومحمد الأمين، والحبيب الأمين، ومحمد سحيم، بينما استدعت صحافيين مسؤولين عن مواقع إلكترونية إخبارية في الداخل للتحقيق وسط إشاعات غير مؤكدة عن احتمال لجوء السلطات الليبية إلى حجب خدمات شبكة الإنترنت وقطع الاتصالات عبر الهواتف الجوالة لإجهاض المظاهرات.

ودعت المعارضة الليبية في المنفى إلى تسيير مظاهرات في عدة مدن أميركية وغربية لتأييد المسيرات التي من المنتظر أن تشهدها ليبيا اليوم، بينما ردت وزارة الخارجية وجهاز المخابرات الليبيين بالدعوة إلى تسيير مظاهرات مضادة، وفقا لما أكده مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط».

ونددت مختلف المنظمات الحقوقية الليبية بحملة الاعتقالات ودعت إلى إطلاق سراح المعتقلين، وحضت السلطات الليبية على احترام رغبة الليبيين في التعبير عن آرائهم دون اللجوء إلى العنف.

وقطع التلفزيون الليبي إرساله في الساعات الأولى من صباح أمس ليبث بشكل مفاجئ ودون إعلان مسبق لقطات لمسيرات شعبية قال إنها انطلقت في مختلف مدن ليبيا لتأييد العقيد القذافي في مواجهة مسيرة مضادة شهدتها مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية.

ورفع المتظاهرون المطالبون بالتغيير والإصلاح في بنغازي شعارات مناهضة للنظام الليبي، وطالبوا علانية بتنحي العقيد القذافي، الذي يقود حكم البلاد منذ 42 عاما، بينما رد مؤيدو القذافي برفع صوره وترديد شعارات «الله والقذافي وليبيا وبس»، و«قائدنا ما نبي (لا نريد) غيره».

ولم يعترف التلفزيون الرسمي أو السلطات الرسمية في ليبيا بوقوع مظاهرة مناوئة للقذافي قبل يوم واحد من اعتزام ناشطين سياسيين تنظيم مسيرات احتجاج ضخمة في مختلف المدن الليبية، اليوم، في الذكرى الخامسة لمقتل عشرات الشباب في مواجهات دامية مع الشرطة الليبية على خلفية الاحتجاج على تصريحات مسؤول إيطالي مؤيد للرسوم الدنماركية المهينة عام 2006.

وعكست الهتافات تمسك مؤيدي القذافي بالنظام الجماهيري الذي دشنه اعتبارا من عام 1977، حيث ردد المتظاهرون شعارات: «والله والله والله.. عن قائدنا ما نتخلى»، و«يا قائد نحن حراسك.. كل الرؤوس فداء لرأسك»، و«الفاتح جماهيرية، الفاتح سلطة شعبية».

وحرص التلفزيون الليبي على بث الكثير من اللقطات التي تظهر ترديد المتظاهرين المؤيدين للقذافي هتافات معادية لقناة «الجزيرة» القطرية، تعبيرا عن رفض الدولة الليبية لمحاولة «الجزيرة» لعب نفس الدور في إثارة الرأي العام الداخلي، كما فعلت في السابق في أحداث مصر وتونس.

وتوقعت مصادر ليبية رسمية لـ«الشرق الأوسط» تدهورا سريعا في العلاقات الليبية - القطرية، وقالت إن ليبيا قد تتخذ سلسلة إجراءات عقابية ضد الدوحة قد يكون من بينها إغلاق مكتب «الجزيرة»، وسحب السفير الليبي من الدوحة، وإبلاغ السفير القطري في طرابلس أنه غير مرغوب فيه.

واستبق العقيد القذافي مظاهرات متوقعة اليوم بعقد لقاء مفاجئ مساء أول من أمس مع وفد من عائلات وأسر ضحايا هذه المواجهات، حيث أعلنت وكالة الأنباء الليبية أن الوفد جدد العهد والبيعة للقذافي، وأبلغه رفضه أي محاولة لاستغلال قضية مقتل أبنائهم سياسيا. وفي حصيلة أولى للمواجهات التي اندلعت في ساعة مبكرة من صباح أمس في ميدان الشجرة في مدينة بنغازي، قال عبد الكريم القبائلي، مدير مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث في المدينة، إن المستشفى استقبل 38 حالة، نافيا تسجيل أي حالة وفاة. وأضاف أن الإصابات جاءت نتيجة تعرضهم للرشق بالحجارة، وأن معظم المصابين هم من رجال الأمن.

وبدأت الأحداث المتلاحقة والنادرة بتجمع غاضب لأهالي ضحايا حادثة سجن أبو سليم أمام مديرية أمن بنغازي احتجاجا على اعتقال المحامي فتحي تربل ممثل أسر الضحايا بعد بيان أعلنت فيه الأسر وقف مفاوضاتها مع الدولة الليبية لإيجاد تسوية قانونية لملف المذبحة التي وقعت في السجن عام 1996، وأسفرت عن مصرع 1200 شخص.

واضطرت السلطات الليبية إلى الإفراج عن تربل، قبل أن تستخدم قوات الشرطة ومكافحة الشغب خراطيم المياه والهراوات لتفريق المتظاهرين الذين هتفوا ضد الثورة وضد العقيد القذافي في مشهد نادر الحدوث في ليبيا. وكانت السلطات الليبية المستنفرة على كافة المستويات الأمنية والسياسية، قد بدأت تنفيذ حملة اعتقالات واسعة النطاق طالت الكثير من الناشطين السياسيين والمدونين والصحافيين من مدن ليبية مختلفة، وذلك في ضربة استباقية على ما يبدو ليوم الغضب الشعبي، الذي دعت إليه المعارضة الليبية في الخارج، ونشطاء في الداخل، اليوم، الخميس، احتجاجا على الوضع الراهن في ليبيا.

وقالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الأمن الداخلي في مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، قد اعتقلت المحامي الدكتور معاذ بن سلامه، أحد الأعضاء المؤسسين لحركة التغيير والإصلاح، بعد يومين فقط من اعتقال المدون المهندس جلال الكوافي من مدينة بنغازي، والكاتب صبرة قاسم رجب من مدينة طبرق.

وعلى الرغم من أن مصادر ليبية في العاصمة، طرابلس، ومدينة بنغازي أكدت لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف أنه لا توجد أي مظاهر لتعزيزات أمنية في المدينتين، فإن نشطاء أكدوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أن حالة من التخوف والترقب تسود مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحسبا لاندلاع مواجهات ضد متظاهرين يعتزمون تنفيذ احتجاجات واسعة النطاق على غرار ما حدث في مصر وتونس.

ويخوض ناشطون ليبيون معركة حامية الوطيس عبر مواقع الـ«فيس بوك» و«تويتر» والـ«يوتيوب»، ضد السلطات الليبية في محاولة لحشد تعاطف الرأي العام الليبي، في وقت أكد فيه مصدر مسؤول في حركة اللجان الثورية، معقل الحرس القديم، أنها لن تسمح لمن وصفت بمجموعة «تتحرك في الليل» بالعبث بأمن ليبيا واستقرارها. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المصدر قوله إن «هذا لن نسمح به أبدا»، داعيا «الجماهير والمواطنين لحل مشكلاتهم وقضاياهم عبر المؤتمرات الشعبية التي لا يوجد عليها أي (فيتو) في التحدث بحرية والمطالبة حتى بإسقاط الحكومة إن أرادت ذلك، وفضح أي خلل أو فساد في المنظومة الرسمية».

من جهته، أعلن عبد المنصف البوري، ممثل مجموعة من النشطاء والمعارضين الليبيين في الولايات المتحدة، أن النظام الحاكم في ليبيا قد لجأ خلال الأسابيع الماضية، إلى جملة من الممارسات والإجراءات التي استهدفت خنق وشل والتضييق على كافة وسائل الاتصال الإلكتروني بين المواطنين الليبيين داخل ليبيا ومع بقية العالم، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات استهدفت التخريب الفعلي لعدد من المواقع الإلكترونية الليبية على شبكة الإنترنت، ومحاولة قرصنة محتوياتها.

إلى ذلك، قالت جمعية حقوق الإنسان التي فكت ارتباطها بـ«مؤسسة القذافي للتنمية»، التي يترأسها المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للقذافي، أن السلطات الليبية أفرجت، أمس، عن 110 أشخاص معتقلين لانتمائهم للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.