اليمن: 6 قتلى وعشرات الجرحى في مظاهرات «جمعة البداية».. وإلقاء قنبلة يدوية في تعز

المعارضة تنتقد «الاعتداء الجماعي» على المتظاهرين.. وتطالب بمحاكمة المعتدين

متظاهرون يمنيون ضد الحكومة يهتفون بشعارات في مظاهرة بالعاصمة صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

شهد اليوم الثامن على اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات في اليمن تطورات ميدانية وسياسية وأمنية، فقد قتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وجرح العشرات في من المتظاهرين في صنعاء وتعز وعدن وحضرموت، في حين واصل الحزب الحاكم حشد مؤيديه في أكثر من محافظة لتأييد النظام. وقالت مصادر معارضة وشهود، إن 8 من المحتجين المناهضين للحكومة اليمنية في مدينة تعز أصيبوا لدى إلقاء قنبلة يدوية عليهم.

وتظاهر في عدة محافظات عشرات الآلاف للمطالبة برحيل النظام في يوم أطلقوا عليه اسم «جمعة البداية». وشهدت صنعاء ثلاث مظاهرات في وقت واحد، الأولى كانت في شارع الدائري وهي المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح وقد تعرض المشاركون فيها للضرب والاعتداء من قبل أنصار الرئيس صالح الذين استخدموا الهراوات والخناجر والرصاص الحي الذي أطلق في الهواء من أجل تفريق المتظاهرين، كما هاجم أنصار صالح وبصورة شرسة، كما تؤكد مصادر مستقلة، الصحافيين من يمنيين وأجانب وجرى الاعتداء على كثير منهم بالضرب والملاحقة، دون تمييز بين وسيلة إعلامية وأخرى، وفي نفس الوقت تظاهر مؤيدو النظام في ميداني السبعين وأمام الجامعة الجديدة التي عادة ما يتظاهر أمامها طلاب الجامعة والنشطاء المناهضون للنظام، وأدى الموالون صلاة الجمعة في الميدان.

وفي تعز، احتشد عشرات الآلاف في ميدان التحرير إلى جانب آلاف الشباب المعتصمين منذ أكثر من أسبوع، وقد شاركت مجموعات من محافظات صنعاء، إب والضالع وعدن في الاعتصام بوسط تعز إلى جانب الشباب، وأدى الجميع صلاة الجمعة في الميدان الذي أطلق عليه المعتصمون اسم «ساحة الحرية»، وفي نفس الوقت، خرجت في تعز مظاهرة مؤيدة للرئيس صالح تقدمها محافظ تعز، حمود الصوفي، وعقب انتهاء تجمع أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من تظاهرهم في تعز، قام مجهولون يستقلون سيارة «صالون» برمي قنبلة يدوية على المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير، الأمر الذي أسفر عن سقوط عشرات الجرحى الذين توفي أحدهم في وقت لاحق في المستشفى، بينما تشير مصادر طبية إلى أن بعض الجرحى في حال حرجة، واتهم المتظاهرون شخصية بارزة في البرلمان والحزب الحاكم بالتورط في حادثة رمي القنبلة على المتظاهرين الذين ما زالوا يرابطون في ساحتهم حتى تتحقق مطالبهم برحيل الرئيس علي عبد الله صالح وأفراد أسرته وأقربائه من الحكم، حسبما أكد متظاهرون في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط».

وأعلنت وزارة الداخلية اليمنية، في وقت لاحق من مساء أمس، أن أجهزة الأمن في تعز، تمكنت من إلقاء القبض على المتورط في إلقاء القنبلة على المتظاهرين، والتي تقول الوزارة إنها أصابت فقط، 8 متظاهرين، 3 منهم في حال خطرة. وذكر مركز الإعلام الأمني اليمني أنه في أعقاب وقوع الحادثة قامت قوات الأمن بـ«إسعاف المصابين والتحرك السريع لملاحقة المتهم، معممة أوصاف السيارة التي كان يستقلها على جميع النقاط وهي من نوع (صالون) تحمل لوحة (خصوصي) صادرة من محافظة صنعاء برقم 6446/2 في المدينة، وقد تمكن رجال الأمن في أقل من ساعة من القبض عليه مع السيارة التي كان يستقلها، وكذا ضبط أربعة آخرين كانوا معه على نفس السيارة». وأشار إلى أن «التحقيق مع المتهم جار الآن لكشف الدوافع الحقيقية للجريمة».

وسقط، أمس، المزيد من القتلى في صفوف المتظاهرين في مدينة عدن التي شهدت منذ الصباح الباكر مظاهرات في أحياء «كريتر» و«خور مكسر» ومدينة المنصورة، وحسب شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» فقد نشرت المدرعات والأطقم العسكرية في مناطق كثيرة من المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن اليمنية، ورغم أن المظاهرات سارت لساعات، من دون أن يعترضها أحد، فإن سيناريو الأحداث تغير عندما بدأ من يسمون في اليمن بـ«البلطجية» في مضايقة المتظاهرين قبل أن تقوم قوات الأمن بتفريق المظاهرات باستخدام الرصاص الحي، الأمر الذي أسفر عن سقوط 5 قتلى وعدد غير محدود من الجرحى في مدينة «الشيخ عثمان»، «خور مكسر»، «العريش» والمنصورة وغيرها من المناطق.

ووقعت التطورات الدامية في عدن في ظل وجود نائب رئيس الجمهورية، الفريق عبد ربه منصور هادي، في المحافظة على رأس لجنة تحقيق شكلت بأمر من الرئيس صالح للتحقيق في الأحداث التي شهدتها مدينة المنصورة الأيام القليلة الماضية والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرح برصاص الأمن وإحراق مبان حكومية وسيارات عامة وخاصة. وأفاد صحافيون في عدن لـ«الشرق الأوسط» بأن جميع المساجد انتقد خطباؤها استخدام قوات الأمن للرصاص الحي في تفريق المظاهرات، في وقت ترددت أنباء عن إقالة مدير أمن المحافظة.

وأضاف الناشط السياسي باقزقوز أن ضمن من قاموا بتفريق المتظاهرين، أشخاصا بلباس مدني وهي المرة الأولى التي يخرج فيها أمنيون بالملابس المدنية في المكلا، حسب قوله. وأشار إلى أن سيارات تتبع الشرطة هي من أحضرتهم لـ«التصدي للمتظاهرين وما زالت بعض الطرق في المكلا مقطوعة إلى هذه اللحظة بالإطارات المحترقة، خاصة في الشارع الرئيسي بحي (الشهيد خالد) بالمكلا ومعظم محلات المكلا القديمة مغلقة». من جهة أخرى، أثارت الأحداث التي يشهدها اليمن ردود فعل محلية وخارجية، وبينما أدانت أحزاب المعارضة اليمنية المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك ما وصفته بـ«الجرائم البشعة» و«الاعتداء الجماعي» على المتظاهرين في عدن وتعز وصنعاء وغيرها من المحافظات التي شهدت احتجاجات مماثلة مطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، انتقدت الولايات المتحدة قمع المظاهرات.

وندد عدد من قادة المعارضة اليمنية الجنوبية في الخارج بما يجري، وقال الرئيسان السابقان، علي ناصر محمد، وحيدر أبو بكر العطاس، ومعهما الوزيران السابقان، صالح عبيد أحمد، ومحمد علي أحمد، في بيان مشترك، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنهم يتابعون بقلق الأحداث المتسارعة في الساحة اليمنية، ووصفوا رد فعل السلطة بالأساليب «البربرية والهمجية»، وأدانوا ما سموه «بطش السلطة» بالمتظاهرين في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية والشمالية.

وقال بيان المعارضين الجنوبيين المقيمين في الخارج: «لقد تابعنا باهتمام حالة الذعر والتخبط التي يعيشها نظام الاستبداد والفساد في صنعاء جراء الخروج الشبابي والطلابي المبارك في عدن والمكلا وصنعاء وتعز وغيرها من المدن في الشمال والجنوب على السواء ليقول لهذا النظام الاستبدادي الفاسد ارحل ارحل كما رحل زملاء لك في الفساد والاستبداد»، وأرجع السياسيون البارزون «الخروج الشبابي المؤزر»، حسب وصفهم، إلى «الانسداد السياسي الذي فرضه هذا النظام المتهالك بسياسته اللاوحدوية التي قضت على الوحدة السياسية السلمية ورديفها الديمقراطية، فحولت الجنوب إلى محتل، وكرست نهج الاستبداد والإرهاب و(الاستملاك) للسلطة والثروة فدمر مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والمدنية والعسكرية والأمنية فاختزل فعلها بقرار رأس النظام وأفراد أسرته ودائرته القبلية الضيقة، فشجع الفساد ورعى الإرهاب، فاتسعت رقعة الفقر والمرض والجهل وأخاف وأرهب ورهن مستقبل الشباب ومستقبل البلاد لرغباته اللامشروعة ونزواته الذاتية».

وقال بيان الساسة اليمنيين المعارضين إن إقالة مدير أمن عدن ليست كافية، وطالبوا بمحاسبته جراء إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وفي الوقت نفسه قالوا إنهم يناشدون و«بإصرار، جميع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية الرسمية والحقوقية بالضغط على نظام صنعاء للتوقف عن استخدام القوة ضد المظاهرات والاعتصامات السلمية في الجنوب والشمال».

من جانبها أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء التطورات في الساحة اليمنية، وقالت سفارة واشنطن في صنعاء إنها لاحظت «في الأيام الأخيرة ارتفاعا مقلقا في عدد الاعتداءات وحدتها ضد المواطنين اليمنيين الذين يتجمعون سلميا للتعبير عن آرائهم حول الوضع السياسي الراهن»، وأشارت في بيان، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن التقارير «تفيد بوجود مسؤولين حكوميين أثناء وقوع هذه الاعتداءات»، في إشارة غير مباشرة إلى تبني وتحريض بعض المسؤولين على أعمال العنف ضد المتظاهرين، واعتبرت السفارة الأميركية في صنعاء هذه الاعتداءات أنها «تتعارض مع التعهدات التي التزم بها الرئيس علي عبد الله صالح لحماية حقوق المواطنين اليمنيين في التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم»، التي يعتقد أن صالح تعهد بها للإدارة الأميركية مؤخرا.

وفي الوقت الذي أدانت فيه «لجنة الحوار الوطني» التي يترأسها رجل السياسة والمال، الشيخ حميد الأحمر، ما يجري من أعمال وصفت بـ«البلطجة» بحق المتظاهرين، فقد رد مصدر في حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم، ساخرا مما ورد في بيان اللجنة من «افتراءات مضللة واتهامات باطلة ولغة هابطة افتقرت إلى الكياسة وأدب الحديث والتخاطب مع الآخرين»، وقال المصدر في بيان صادر عنه تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «الجميع يعلم أن مثل هذا الكيان الهلامي المسمى بلجنة الحوار ليس أكثر من دكان سياسي مستأجر لحساب بعض التجار المقامرين الذين يدفعون الأموال المكتنزة لديهم من قوت الشعب من أجل تحقيق أجنداتهم الخاصة ومطامعهم غير المشروعة ومخططاتهم الانقلابية وعلى حساب مصالح الوطن والمواطنين والأمن والاستقرار والدستور والقانون وإرادة الشعب الحرة المعبر عنها في صناديق الاقتراع».

وأضاف المصدر في الحزب الحاكم أن «أعمال العنف والبلطجة معروف من يقوم بها، ومن هم الذين يقومون بدفع الأموال لمرتكبيها ودسهم وسط المسيرات المؤيدة والمعارضة لارتكاب أعمالهم التي يدينها الجميع، ولأي هدف أو غاية يسعى هؤلاء إلى تحقيقها من وراء تلك الأعمال من أجل التضليل على بعض وسائل الإعلام والرأي العام في الداخل والخارج لكسب التعاطف من جهة وإيجاد الغطاء لأعمال الفوضى والعنف والتخريب التي يرتكبونها وكافة الأساليب الرخيصة التي يلجأون إليها من أجل إثارة الأحقاد والمناطقية بين أبناء الوطن الواحد».