مرشح محتمل لمنافسة ساركوزي يفضل الصمت وسط الضجيج

مؤيدو ستراوس كان يريدون ترشحه للرئاسة بسبب خبرته.. ومعارضوه ينتقدون بعده عن «فرنسا العميقة»

TT

يمكن الإطلاق على آخر مسرحية للسيطرة على فرنسا اسم «في انتظار دومينيك ستراوس كان»، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي الغائب الذي يشبه «غودو» في مسرحية صامويل باكيت الشهيرة «في انتظار غودو»، وهو ما يجعل من السهل التجادل بشأنه.

يبدو ستراوس كان للبعض بديلا واقعيا وممكنا للرئيس نيكولا ساركوزي؛ فهو اقتصادي ذكي يتمتع بسمعة دولية. أما بالنسبة لآخرين فهو شخصية عالمية لا صلة بينها وبين فرنسا الحقيقية «فرنسا العميقة»، وأنها تشعر براحة أكبر في صالونات فرنسا وواشنطن الوثيرة ويميل إلى معاداة السامية على حد قولهم. وقد رفض ستراوس كان (61 عاما)، المرشح الاشتراكي البارز لانتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2012، على الأقل بحسب استطلاعات الرأي، عدة مرات، التحدث عن السياسة بأي شكل، ناهيك عن السؤال عما إذا كان سيستقيل من منصبه في صندوق النقد الدولي ويغادر واشنطن من أجل الترشح للرئاسة الفرنسية. ومع اعتزام الحزب الاشتراكي التحضير لانتخابات داخلية لاختيار مرشحه، سيتعين على ستراوس كان اتخاذ قرار قريبا.

لكن من المتوقع أن يتعرض لانتقادات خاصة بعد تصريح زوجته آن سنكلير، الصحافية الفرنسية، في مقابلة مع مجلة «لو بوان» الأسبوعية بأنها تفضل عدم ترشحه لفترة ثانية لمنصب رئيس صندوق النقد الدولي. وقد أثار ذلك غضب منافسيه من الاشتراكيين ومنهم زعيمة الحزب، مارتين أوبري، التي رفضت التعليق. لكن هذا دفع حلفاء الرئيس ساركوزي وحزبه الذي ينتمي إلى يمين - الوسط إلى المعركة؛ حيث توضح استطلاعات الرأي احتمال خسارة ساركوزي أمام ستراوس كان.

وحتى الشخصيات غير السياسية إلى حد بعيد في حكومة ساركوزي مثل وزيرة المالية، كريستين لاغارد، أثنت على ستراوس كان لأدائه في واشنطن، مشيرة إلى مدى أهمية صندوق النقد الدولي بالنسبة إلى إدارة الاقتصاد العالمي المتعثر واليورو المتذبذب وكذلك إلى أهمية بقائه في هذا المنصب.

وقال وزير الداخلية الفرنسي، بريس هورتيفوكس، الذي يعتبر صديقا مقربا لساركوزي: إن السنوات التي قضاها ستراوس كان في واشنطن قد أبعدته كثيرا عن فرنسا وأحوالها. وأوضح: «دومينيك ستراوس كان المنقطعة صلته بفرنسا حاليا ليس أفضل من يعرف مشكلات الفرنسيين بشكل مباشر».

والأمر بالنسبة إلى إريك إمبتاز، رئيس تحرير الصحيفة الأسبوعية الساخرة «لو كانار إنشينيه»، فإن الأمر «سريالي»؛ حيث أوضح: «ليس من الواضح ما إذا كان ستراوس كان يريد العودة وقيادة فرنسا في ظروف اقتصادية صعبة.. إنهم يجرون استطلاعات رأي من دون أدنى معرفة لمرشحي الرئاسة». وما يزيد من سخافة الأمر بالنظر إلى طبيعة وظيفته في صندوق النقد الدولي يقول إمبتاز: «نظريا لا يمكن للمرشح الذي يوجد في قلب الجدل أن يقول أي شيء».

وقد ترشح ستراوس كان، الخبير الاقتصادي والوزير السابق، المرة السابقة، لكنه خسر ترشيح الحزب الاشتراكي للرئاسة خلال انتخابات 2006 أمام سيغولين رويال التي خسرت أمام ساركوزي. ثم عرض ساركوزي على ستراوس كان منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي لإبعاده عن فرنسا، ونقل عنه دبلوماسيون أميركيون في رسالة نشرها موقع «ويكيليكس» يعود تاريخها إلى مايو (أيار) 2006 إشارته إلى وجود «هلوسة جماعية» حول سيغولين التي وصفها بـ«الهشة». وقد أطلق على ستراوس كان وصف «يسار الكافيار» والبعيد عن حزبه يساري التوجه. ويتساءل البعض عن احتمال خسارته في انتخابات الحزب على الرغم من الأرقام التي جاءت في استطلاعات الرأي، التي يقال إنها قائمة على الوعي السياسي وعدم الرضا عن الخيارات المتاحة حاليا. لكن إشارات اليمين أكثر قبحا؛ حيث تتمحور حول ديانة ستراوس كان اليهودية.. فقد وصفه جاكوب، المسيحي، وهو مشرع من المزارعين، بأنه مفكر «بوهيمي برغوازي». وقال جاكوب: إن ستراوس كان لم يقدم «صورة فرنسا الريفية.. فرنسا الأرض». وتعتبر هذه الفكرة المرتكزة على عدم ارتباط ستراوس كان بالأرض المعادل المجازي للنفوذ الأجنبي واليهودي. وحتى رئيس المنظمة اليهودية الرئيسية وممثل مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا وصف تعليقات جاكوب بـ«الخرقاء». وقال ريتشارد براسكوير، قائد المجموعة: إن جاكوب بصفته مزارعا لديه «شعور قوي وخاص بالأرض»، لكن هذا ليس «معيارا ضروريا لقيادة الدولة». وأضاف أنه يأمل أن يصبح «الجدل السياسي أكثر رقيا». كان بيير موسكوفيتشي، حليف ستراوس كان، أقل حدة؛ حيث قال: «يشبه الهجوم خطاب اليمين المتطرف خلال الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين. هذا غير صحي»، بينما جاكوب «ليس رجلا سيئا، لكنني أطلب منه التراجع عن بيانه وتغيير نغمته». وقد نفى جاكوب يوم الأربعاء الشعور بمعاداة السامية، قائلا: «لا يمكنني أن أدرك نفسي أو أتماهى معه كمزارع.. إنه لا يجسد حياة الريف.. هذا كل ما في الأمر.. لقد تفاعلت مع جوهري كفلاح ومزارع». بطبيعة الحال ينظر إلى ساركوزي باعتباره شخصية من المدينة ومحاميا ليست له أصول ريفية، لكنه كاثوليكي روماني من نسل يهودي من جهة الأم. ويمكن النظر إلى رد فعل اليمين كطلقة تحذير لستراوس كان الذي يعرف عنه ولعه بالنساء، حتى إنه اعترف بوجود علاقة بينه وبين اقتصادية كانت تعمل في صندوق النقد الدولي. وتمت تبرئة ستراوس كان من تهمة تحرش جنسي أو استغلال النفوذ، لكنه واجه انتقادات من مجلس الإدارة عام 2008 على خلفية «خطأ كبير في الحكم».وقال إمبتاز: إن ساركوزي، الذي كان يواجه متاعب مع الشمبانيا والنساء، قد يرغب في منافسة ستراوس كان؛ لأن الأول «يعلم جيدا أنه يعاني النقائص نفسها». وتعتقد صحيفة «لو كانار إنشينيه»، مثل الكثير من الدبلوماسيين، أن ستراوس كان لن يترشح لانتخابات الرئاسة. وبحسب ما جاء في الصحيفة يوم الأربعاء الماضي: «لقد شعرت آن بالملل في واشنطن، بينما كان شعور دومينيك بالملل أقل». وأشارت الصحيفة إلى أنه قد يفضل البقاء في منصبه كمدير لصندوق النقد الدولي لمدة أطول ثم يخلف هيرمان فان رومبوي في رئاسة المجلس الأوروبي. وما يضيف إلى عناصر الدراما زيارة ستراوس كان لفرنسا مؤخرا وظهوره على شاشة التلفزيون مساء الأحد. وبالنظر إلى ما صرح به في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من أنه يريد البقاء في منصبه حتى نهاية المدة التي تنتهي في 2012، قد لا يقول الكثير عن المستقبل. ويقول إمبتاز: «من مصلحته أن يجعل الناس تعتقد حتى آخر لحظة أنه سيعود.. إنه يريد أن ينظر إليه عند وصوله كأنه المسيح المخلص».

* شارك سكوت سايار في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»