محمد أوزين: ما يطالب به الآخرون من حريات وتعددية سياسية تحقق في المغرب منذ سنوات

الوزير في الخارجية المغربية لـ «الشرق الأوسط» : شرعية الدولة لا خلاف حولها بين مختلف شرائح البلاد

محمد أوزين الوزير في الخارجية المغربية
TT

قال محمد أوزين الوزير في وزارة الخارجية المغربية إن العالم بات «يفرق بين ما يمكن تسميته مرحلة ما قبل وما بعد تونس» في إشارة إلى انتفاضة الشعب التونسي، مشيرا إلى أن «ما بعد تونس» يجعلنا في المغرب نقوم بتقييم ما حققناه من منجزات». وقال أوزين في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في الرباط في معرض تعليقه على ما تعرفه المنطقة من أحداث: «ما تطالب به اليوم شعوب أخرى تحقق في المغرب ومنذ سنوات أي إلغاء نظام الحزب الواحد وإقرار التعددية السياسية والنقابية والحريات العامة وحق التظاهر». وأضاف قائلا: قبل مظاهرات احتجاجية مرتقبة يوم غد الأحد في بعض المدن المغربية: «مشكلتنا في المغرب هي مشكلة ضعف الوسائط بمفهومها الشامل سواء تمثلت في الحكومة أو المؤسسة التشريعية أو الأحزاب أو البلديات أو النقابات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام».

وفي معرض حديثة عن العلاقات المغربية الجزائرية، عبر أوزين عن استغرابه من موقف «الحكام الجزائريين الذين يصرون على التنكر للروابط التي تجمع بين الشعبين الشقيقين»، مضيفا أن «إغلاق الحدود بين البلدين لا يؤثر فقط على التكامل الاقتصادي وإنما يتنكر للبعد الإنساني الذي أصبح ضحية لهذا الوضع»، وقال أوزين إن الجزائر لا تعرف على وجه التحديد أي حل تريده لمشكلة الصحراء. وفيما يلي نص الحوار:

* هل تعتقدون أن المغرب بمنأى عن عدوى الاحتجاجات الشعبية، بعد ما جرى في تونس ومصر؟

- نحن اليوم وبفعل التحولات التي يعرفها العالم، أصبحنا أمام إرادات شعبية تتطلع أكثر لمزيد من الحرية والمساواة وتساوي الفرص والحظوظ ومحاربة الفساد، وعدم الامتثال الأعمى لنزوات وديناصورات الحياة السياسية، ونسيان أو تناسي الهموم الحقيقية للشرائح الشعبية. بفعل هذه العوامل أصبحنا نعيش ما يمكن أن نطلق عليه «عولمة الانتفاضة» أو«عولمة مطلب الحرية»، وأصبح العالم كله وليس العالم العربي فقط يفرق بين مرحلة ما قبل وما بعد تونس. رأينا مباشرة أن ما وقع في تونس يعاد بسيناريو مماثل في مصر، ورأينا كيف تحركت أكثر من منطقة أو دولة في العالم بما في ذلك الدول الأوروبية .إذ تحركت المظاهرات في صربيا للمطالبة بتنظيم انتخابات مبكرة، ورأينا كيف توحدت آراء المعارضة في رومانيا للضغط على الحكومة، تابعنا أيضا ما يجرى في إيطاليا، حيث تعبأ المجتمع المدني والمثقفون للمطالبة بحق الحلم بإيطاليا نظيفة. تابعنا ماذا جرى في بنغلاديش وسيريلانكا والغابون والجزائر واليمن والأردن ودول أخرى.

الهدف من المطالب التي رفعها المتظاهرون لا يخرج عن إطار الحق في العيش الكريم والمزيد من الشفافية وضمان الحقوق الأساسية. هذه المطالب اقترنت في عدد من الدول بإرادة إزاحة الأنظمة الحاكمة والإطاحة بها. إذن، ردود الفعل كانت بأسقف مختلفة يحددها مستوى تجاوب الحكام مع الشعوب، وإنجازات الحكام ودور هذه المنجزات في حل المشكلات وتذليلها وامتصاص غضب الشارع.

بالنسبة لحالة المغرب مقارنة بما يعتمل في الساحة الإقليمية والدولية، أعتقد، وبكل صدق، بوجود شرعية للدولة لا خلاف حولها بين مختلف الشرائح المغربية، غير أن هذه الشرعية يجب ألا تنسينا أن مرحلة ما بعد تونس باتت تسائلنا جميعا، أحزاب سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، والمجتمع ككل، لكي نقوم جميعا بتقييم ما حققناه من منجزات خلال العقد الماضي، ويحق لنا بكل صدق أن نعتز بها جميعا. لكن علينا في الوقت نفسه أن نعمل على استشراف العقد المقبل، وبإيقاع أكثر سرعة وأكثر نجاعة.

* كيف سيتم هذا الاستشراف؟

- بوضع تصور واضح لمجموعة إصلاحات جريئة، تتوخى أساسا الرفع من وتيرة مضامين هذه الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، علما أن الإصلاحات السياسية تبقى بمثابة العمود الفقري لأي توجه إصلاحي استراتيجي. إذا تأملنا المشهد السياسي عندنا، نلاحظ أن هناك ارتباكا، هناك لبس بين التعددية الحزبية والأحزاب المتعددة، أسقطنا في شرعية المبدأ ولبس الممارسة. ثمة فترة انتقالية أصبحت هي القياس، ظواهر حزبية غير صحية، تذكيها انتهازية سياسية وارتباك كبير داخل الأغلبية التي أنساها البحث عن انسجام مفقود إيجاد حلول للمشكلات الحقيقية للمواطنين، والمعارضة باستثناء وحيد، لا هي معارضة ولا هي مساندة ولا حتى محايدة. كما لا يمكن أن نخفي حالة الهجمات المتبادلة والتراشق الكلامي بين أحزاب وطنية لها الشرعية نفسها و، نفس الغيرة، ونفس درجة المواطنة، وهو ما جعلها تهتم بالقشور بدل الجوهر، الذي مفاده أن لها قضايا كبرى تتطلب الاجتهاد والتعبئة والعمل على تأطير المجتمع، كما أن أمامها تحديات خارجية تستوجب منا جميعا أن نوحد صفوفنا وكلمتنا لنواجه الخصوم والأعداء الحقيقيين المتربصين بأمن وسلامة البلاد. هذه هي الإصلاحات السياسية الجوهرية التي تفرض نفسها اليوم، والتي يجب أن تستوقفنا للتفكير مليا في وسائل وآليات تفعيلها على أرض الواقع، إذا كنا فعلا نتقاسم الغيرة على توطيد شرعية الدولة. وأعتقد أن مشكلتنا في المغرب اليوم هي مشكلة ضعف الوسائط، أي الوسائط التي تقع بين الدولة والمجتمع، الوسائط بمفهومها الشامل ممثلة في الحكومة والمؤسسات التشريعية والأحزاب السياسية والبلديات والنقابات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. وعندما لا تقوم هذه الوسائط بدورها كاملا، تفتح الباب لتصادم الدولة والمجتمع، وأيضا عندما تضعف الوسائط فإن الشارع يرسل رسائله المفتوحة على كل الاحتمالات، وهنا تكمن الخطورة. لنتأمل ما يقع في مصر، هناك ثورة لا تؤطرها وسائط، والإشكال الحقيقي هنا هو مع من سيتم التفاوض؟ في المغرب لنا ملكية مبادرة، لها مشروع مجتمعي، وهو ما أعطى للمغرب خصوصية متميزة. أي إن ما تطالب به اليوم شعوب أخرى تحقق في المغرب منذ سنوات مثل منع نظام الحزب الوحيد، والتعددية السياسية والنقابية والحريات العامة والتجمعات (التظاهر)، هكذا يتضح أن لدينا في المغرب حصنا للحريات العامة منذ سنوات، يمكن القول إن هناك خللا في الممارسة لكن الاختيار الاستراتيجي تم حسمه، وهذا ما تكرس في العشرية الأخيرة. ما يميزنا مثلا عن مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي تجربة التناوب السياسي التي تحققت في المغرب منذ عام 1998، أي قبل 14 سنة. ودائما في إطار خصوصية المغرب، وعلى مدى 50 سنة تمكنا من نقل الصراع على المؤسسات، إلى الصراع داخل المؤسسات، بحيث أن الصراع الوحيد والممكن اليوم هو الذي يتم داخل المؤسسات. يمكن أن نتفق كما يمكن أن نختلف، لكن ما لا يمكن أن نختلف حوله هو جرأة المغرب في قراءة صفحات الماضي، بحيث قرأنا تاريخنا بوضوح، واعترفنا بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، وتمت معالجتها بشكل سلس. هناك ثورة في مجال حقوق الإنسان وبقيادة ملكية. ثم بلورنا وثائق مهمة منها «توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة» و«تقرير الخمسينية»، الذي يمكننا أيضا من استشراف 50 سنة مقبلة، تمكن المغرب من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة. ثم موازاة مع المشاريع الكبرى هناك مشاريع صغرى مثل «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» ربما لم نبلغ فيها الكمال لكننا ماضون في مسيرتنا نحو إصلاح الأوضاع. هناك انتقال ثقافي بالنسبة إلى اللغة الأمازيغية، هناك مشروع الجهوية، وهو أيضا خيار استراتيجيي يهدف إلى توزيع الثروة والسلطة على مستوى الجهات، أي ضمان توازن جهوي ومجالي واجتماعي بين الجهات. ثم إن الدستور تم تعديله خمس مرات، ونحن اليوم نعمل فوق سقف الدستور، وليست لنا عقدة من أي تعديل ممكن، لأننا وببساطة نؤمن أن التعديل الدستوري ليس هدفا وإنما آلية لتعزيز الإصلاحات. ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن توجهنا سليم ونسير في الاتجاه الصحيح، ربما هناك إشكال في التنفيذ تتحمل فيه الوسائط المسؤولية، وهذا ما يحيلنا اليوم إلى تعزيز الإصلاحات العميقة والتعجيل بها. خصوصيتنا اليوم تكمن في أن لنا ملكية تبادر لكنها في حاجة إلى وسائط أقوى وأكثر فعالية، ولعل أفضل تعليق على ذلك ما جاء على لسان أحد جيراننا حين قال: «في المغرب ملكية تسعى من أجل الديمقراطية، وفي بلادنا جمهورية تنزع نحو الملكية».

* في عصر التكتلات ما يزال اتحاد المغرب العربي متعثرا، والحدود المغربية - الجزائرية مغلقة، ما هو السبيل لتجاوز هذا الوضع؟

- بداية لا بد من التعبير عن استغرابنا لهذا الموقف غير المبرر وغير المفهوم لأشقائنا الجزائريين الذين يصرون على التنكر للروابط التي تجمع بين الشعبين الشقيقين. إغلاق الحدود لا يؤثر فقط على التكامل الاقتصادي الذي يجمع البلدين وإنما يتنكر بالدرجة الأولى للبعد الإنساني الذي أصبح ضحية لهذا الوضع، إذ تعاني الأسر الجزائرية والمغربية على حد سواء من إغلاق الحدود. وما سبق في التاريخ المعاصر أن عاشت بعض الأسر مثل هذا الغبن الإنساني الذي تسبب فيه إغلاق الحدود. ومن حقنا أن نتساءل إذا كان الأمر يتعلق بالخوف من انتقال عدوى الديمقراطية والتنمية والحرية. علما أن المجال الديمقراطي يمتد ويتسع دون مشورة أو استئذان سواء تعلق الأمر بالحريات العامة أو حرية الإعلام أو الاحترام الكامل للخصوصية الثقافية. صحيح أن العالم يعيش فترة تكتلات لمواجهة التحديات الكبرى، ومشروع الاتحاد المغاربي حلم جيل قديم، وتطلع جيل جديد، يأمل في الاندماج نحو التكامل والقطبية التي تحتاجها منطقتنا اليوم. الشعوب المغاربية تتوق للتواصل بحكم الروابط المشتركة. وغير خاف أن هذه الشعوب خسرت الكثير من فرص النمو في غياب وحدة مغاربية متكاملة. وفي الإحصائيات المتخصصة أمثلة صارخة لمقدار الهدر الذي تسببه غياب الرؤية الاستراتيجية لأهمية التكتلات في تحقيق الرفاه للشعوب وبناء عليه يبقى المغرب مؤمنا بحتمية هذا الاندماج، وسيسخر كل الإمكانات لإنجاح هذا المشروع.

* ألا توجد إمكانية لإيجاد تسوية لمشكلة الصحراء يمكن أن ترضي الجزائر وتحفظ ماء الوجه؟

- كثيرا ما طرحت السؤال على بعض الأصدقاء الجزائريين حتى أخرج بفكرة ربما غابت عني مؤداها ما هي مصلحة الجزائر في هذه المشكلة المفتعلة. وأجرينا مقارنة حول ماذا ستربح الجزائر أو ماذا سنربح جميعا إذا تم التكامل والتعاون المشترك بيننا، وماذا سنربح إذا بقي الوضع كما هو عليه حاليا؟ بكل صدق، لم أتلق جوابا شافيا، وآمل إذا كان لأحد جواب أن يدلني عليه. وكنت أطرح عليهم الأسئلة التالية، من سيستفيد من قيام دويلة في قلب الصحراء؟ وما حظوظ تنمية ورفاهية شعبها؟ وما الإمكانات التي سيتم تسخيرها لقيام هذه الدويلة؟ مرة أخرى لم أتلق أي جواب شاف. زد على ذلك أن الإخوة في الجزائر ليست لهم رؤية ثابتة حول مشكلة الصحراء، تارة ينادون بتقرير المصير، ومرة ينادون بتقسيم الصحراء، وغدا ربما سيكون لهم رأي آخر. وضحية ذلك هم أبناؤنا وإخواننا في مخيمات تندوف، المحرومون من الدراسة في الجزائر ومن حرية التنقل، والقانون السائد داخل المخيمات ليس جزائريا وليس مغربيا وليس حتى كونيا. وعملية إحصائهم لضمان حاجياتهم تعارضها الجزائر بكل شدة، بحيث تحول المساعدات الإنسانية المخصصة لهم إلى وجهات غير معلومة ليتم الاتجار فيها. والسماح لهم باختيار وجهة الاستقرار غير متاحة، ومنحهم فرصة تحديد مصيرهم غير واردة. إن المأساة التي يعيشها إخواننا في تندوف تستدعي وبكل إلحاح صحوة الضمير الإنساني من أجل فك أسرهم، والحد من هذا الطغيان الذي عاشوه أكثر من ثلاثة عقود انطلاقا من مبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وبعض التقارير الدولية أشارت إلى الحالة المزرية في تندوف، بحيث تحدثت عن «تبضيع البشر»، ووقفت على انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان مثل اعتقال النساء الحوامل خارج مؤسسة الزواج، والتجنيد الإجباري للأطفال. أعتقد أن كل هذه الاعتبارات تجعلنا نفكر في ما يمكن أن يدفع بالجزائر إلى هذا الموقف. هل هي تطلعات الهيمنة على المنطقة، أم البحث عن منفذ على المحيط الأطلسي، أم تبرير شراء صفقات الأسلحة، بذريعة أن المغرب يشكل تهديدا أمنيا. غياب جواب صريح يجعل كل الاحتمالات واردة.

بالنسبة إلى الحل الذي يحفظ ماء وجه الجزائر، أعتقد أن المغرب قدم الحل المناسب والأمثل لجميع الأطراف من خلال منطق «لا غالب ولا مغلوب» الذي جسدته مبادرة الحكم الذاتي. بحيث هناك فرصة لإخواننا الصحراويين لتدبير شؤونهم وضمان عيشهم واستقرارهم والانتفاع بخيرات بلادهم دون المساس بخصوصياتهم، في إطار وحدة الدولة المغربية وثوابتها ومقوماتها.

* ومتى يعود المغرب إلى شغل كرسيه الفارغ في الاتحاد الأفريقي؟

- هناك أصوات كثيرة تدعو اليوم إلى عودة المغرب إلى الحظيرة الأفريقية، آخرها النداء الذي وجهه رئيس دولة جزر القمر في الاجتماع الأخير للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، والذي شدد فيه على ضرورة العمل على إقناع المغرب للعودة إلى الاتحاد الأفريقي. لكن كما تعلمون، غيابنا قائم على اعتبار أن وجود «الجمهورية الوهمية» داخل الاتحاد الأفريقي يتنافى وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية التي تم قبول عضويتها في الاتحاد دون وجود سند جغرافي أو قانوني، ونحن من مؤسسي هذه المنظمة، وتمت عملية القبول في ظروف مشبوهة، وتركت أثرا على سير أعمال المنظمة، وورث الاتحاد الأفريقي المشكلات التي كانت تعاني منها منظمة الوحدة الأفريقية. يضاف إلى ذلك أن هياكل الاتحاد خاصة تلك المتعلقة بالسلم والأمن لم تستطع حل أي مشكلة من مشكلات القارة. حيث لم تبدأ مشكلات المغرب داخل الاتحاد الأفريقي إلا بعد قبول المغرب بالاستفتاء في مؤتمر نيروبي 1981. والسؤال المطروح اليوم، ما هي تداعيات هذه العودة على المستوى الأفريقي خصوصا أمام أطروحات الشمال المتسرعة إلى قيام جيش أفريقي واحد، والجنوب المتأثر بجنوب أفريقيا والذي يهدف إلى خلق منتظم خاص بالقارة السوداء وفصل الشمال عن الجنوب. والحالة هذه سيكون ثمن العودة ربما باهظا على المستوى السياسي. ثم دعني أتساءل، هل يمكن رسم استراتيجية العودة إلى المنتظم الأفريقي في سياق سيناريوهات دخول الجزائر ومنطقة الصحراء مرحلة جديدة في نمو «الجماعات الجهادية» إلى جانب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؟ هل يمكن للمغرب بناء استراتيجيه أمنية داخل أو خارج الاتحاد الأفريقي؟ وهل ستشكل العودة عبئا إقليميا على المغرب، علما أن مساحة الجزائر تساوي تقريبا أربع مرات مساحة أفغانستان، التي لم تستطع القوات الدولية بما لديها من أسلحة فيها القضاء على «القاعدة»، فبالأحرى المنطقة التي بدأت فيها الجماعات الجهادية تستند إلى العنصر الإثني، وشبكات التجارة في المخدرات والأسلحة والتهريب والهجرة السرية والاختطاف، دون أن ننسى أن هذه الجماعات مشتركة اخترقت جبهة البوليساريو كما تأكد ذلك من خلال عدد من المحاكمات في مالي وموريتانيا. وهذا ما يدفعنا إلى الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات في فرضية العودة إلى الاتحاد الأفريقي. وخلاصة القول أن بين العودة إلى الاتحاد الأفريقي أو البقاء خارجه ثمة خيارات استراتيجية يجب أن توضح قبل الحسم في الأمر، لأن المسألة لا تتعلق بقرار سياسي بقدر ما هي مرتبطة بقدرة المغرب على تبني خيارات سيكون لها حتما تأثير داخليا وخارجيا. نحن اليوم لا نتحدث عن الكرسي الفارغ وإنما الصوت الحاضر. وصوت المغرب ظل حاضرا في القارة السمراء من خلال دوره المؤثر في تجمع دول الساحل والصحراء، وهو تجمع يتكون من 28 دولة أي أكثر من نصف دول القارة. كما أن المغرب منخرط بفعالية وحضور قوي في تجمع الدول المطلة على الساحل، والمغرب، وبفضل مبادرات ورؤية الملك وغيرته على الانتماء الأفريقي، أصبح اليوم رائدا على المستوى الدولي في التعاون جنوب - جنوب. كما كان للزيارات التي قام بها الملك محمد السادس لبعض دول جنوب الصحراء أثر عميق في إضفاء حيوية على هذا التعاون من حيث تقاسم الخبرة في مجالات تهم الأفارقة، فضلا عن المشاركة الفعلية في عمليات حفظ الأمن والسلام والعمل على تقديم مساعدات إنسانية كلما اقتضت الظروف ذلك. كما كرس المغرب في السنوات الأخيرة مزيدا من الانفتاح والتفاعل على القضايا الأفريقية الجوهرية، تجسد ذلك في عقد أول مؤتمر أفريقي حول الهجرة والتنمية في 2007 وأيضا من خلال مبادرة المغرب بعقد أول اجتماع بين وزراء الخارجية للدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي بالرباط بمشاركة 23 دولة.

* ليس للمغرب موارد نفطية أو موارد أخرى تتيح له تقديم مساعدات للأفارقة، إذن كيف يمكنه مساعدتهم؟

- صحيح، لكن الثروات الحقيقية التي لا تنضب ليست هي النفط، وإنما ما يبدعه الفكر المغربي المتميز، وما يبديه من حنكة وخبرة في مجالات متعددة مشهود له بها، تهم أساسا تكوين الكوادر البشرية، والتكوين الفني بحكم التجارب الرائدة التي راكمها المغرب في ميادين مختلفة.

في المغرب اليوم نحو 8636 طالبا أفريقيا يتابعون دراستهم الجامعية. وخلال العقد الأخيرة تخرج في الجامعات والمعاهد المغربية زهاء 16 ألف طالب وطالبة أفارقة، وتم تدريب أكثر من 25 ألف كادر أفريقي سواء في إطار التعاون الثنائي أو الثلاثي. ثم هناك إنجازات يعتبرها الأفارقة أنفسهم ثورية في مجالات ذات صلة بالتعاون. أذكر لك على سبيل المثل، عملية «الغيث» في السنغال لسقوط المطر بطرق اصطناعية، ثم تقنية زرع الخضراوات بطرق مبتكرة، وبالأخص الطماطم في جيبوتي والتي اعتبرت معجزة بالنسبة لعديد من البلدان الأفريقية. إذن المغرب حاضر على الساحة الأفريقية.