«علمانيو العراق» يربحون جولتهم مع «إسلاميي السلطة» من بوابة الخدمات

نادي اتحاد الأدباء في بغداد تحول إلى «ميدان تحرير» آخر للتيار الليبرالي

TT

تحول النادي الاجتماعي والثقافي في مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق إلى «ميدان تحرير» آخر بالنسبة للتيار الليبرالي والعلماني في العراق الذي خسر معركته مع إسلاميي السلطة عبر صناديق الاقتراع بسبب هيمنة الإسلاميين على الشارع المؤيد لطروحاتهم الإسلامية. يضاف إلى ذلك أن الإمكانات المادية والإعلامية الضخمة التي يملكها الإسلاميون بمختلف تياراتهم قد تم توظيفها ضد العلمانيين والليبراليين والذين جرى اختزال مطالبهم في مجرد فتح النوادي الليلية والموسيقى والباليه والرقص الشرقي أو الغربي.

العلمانيون والليبراليون الذين فقدوا آخر مقعدين لمن كان يمثلهم بشكل من الأشكال في البرلمان السابق وهما القياديان الشيوعيان البارزان حميد مجيد موسى ومفيد الجزائري لم يستسلموا نهائيا معتبرين أن خسارتهم معركة لا تعني خسارتهم الحرب. وعلى الرغم من التعاطف الذي تبديه بعض القوى السياسية في العراق وخصوصا الأحزاب الكردية التي لا تتقاطع برامجها مع النهج العلماني والليبرالي فإنها وبسبب أن الساحة التي يجري فيها الصراع بين العلمانيين والإسلاميين خارج إقليم كردستان فإن هذا التعاطف ظل في حدود الدعم المعنوي لهم. ومع استمرار الحرب الباردة بين الطرفين فإن القوة التي يمثلها الإسلاميون ذات بعد مجتمعي واضح لا يقدر على مواجهته العلمانيون الذين بات خط دفاعهم الأخير هو النادي الاجتماعي والثقافي. وكل ما فعلوه هو اتهام مجلس محافظة بغداد باستدعاء قوانين من حقبة صدام حسين وحملته الإيمانية في تسعينات القرن الماضي. أما مجلس محافظة بغداد فإنه يرى أن القانون الذي طبقه «برأس» اتحاد الأدباء لا يزال نافذا بصرف النظر عمن شرعه. الحرب الباردة ظلت مستمرة بين الطرفين منذ ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام الماضي. لكن القشة التي قصمت ظهر جمل العلاقة بين الطرفين هي أن النادي غير مجاز بينما الأمر مثلما ترى منظمات المجتمع المدني التي دخلت على الخط أبعد من ذلك بكثير. فمجلس محافظة بغداد تمكن من الحصول على قرار قضائي بإغلاق هذا النادي الذي أشعل فتيل الأزمة التي تلقفت رأس الخيط فيها منظمات المجتمع المدني التي رأت أن القضية أبعد من ذلك وأنها تتعلق بسقف الحريات في العراق الذي بدأ ينخفض تدريجيا من وجهة نظرها.

وإذا كان الإسلاميون قد كسبوا المعركة ضد الليبراليين والعلمانيين من بوابة نادي اتحاد الأدباء فإن العلمانيين وجدوا في المظاهرات الجماهيرية فرصة ثمينة لهم لمحاسبة إسلاميي السلطة لكن من بوابة الخدمات. وبالنظر إلى الخارطة الجغرافية للمظاهرات التي تجري في أكثر من مكان في العراق اليوم فإن أهم ما يلفت الانتباه فيها هي أنها في الوقت الذي تقتصر فيه على الجانب الخدمي في محافظات الوسط والجنوب والمنطقة الغربية والتي لا تتعدى سقوفها هناك إصلاح الكهرباء والخدمات والبطاقة التموينية وفرص العمل وإقالة هذا المحافظ أو مجلس المحافظة أو مسؤولي الأقضية والنواحي فإنها اتخذت بعدا آخر في العاصمة بغداد التي تضم أبرز التجمعات المدنية والليبرالية سواء كانت أحزابا أو قوى أو منظمات مجتمع مدني أو شخصيات خسرت الانتخابات الماضية. فخارطة مظاهرات بغداد تبدأ عادة من شارع المتنبي الذي هو أشهر شارع للمكتبات والتجمعات الثقافية والأدبية في العراق وغالبا ما تكون أيام الجمع حيث يوجد في هذا الشارع العدد الأكبر من المثقفين والأدباء والناشطين في مختلف المجالات. وبينما كانت مظاهراتهم واعتصاماتهم السابقة تنحصر في شارع المتنبي فقط فإنهم الآن ومن بوابة الخدمات التي فشل الإسلاميون الممسكون في السلطة من تأمينها للناس فقد بدأوا ينطلقون إلى ساحة التحرير في قلب بغداد أو المنطقة الخضراء وكل ذلك له هدف واحد هو تصفية حساباتهم مع إسلاميي السلطة من منطلق فشلهم في تأمين أبسط الخدمات للمواطنين.

المعركة لم تنته بعد ولكن الجولة الأولى ربحها العلمانيون الآن بينما بدأ الإسلاميون إعادة النظر في طبيعة أدائهم حتى ولو كان خدماتيا الآن في الأقل.