دراسة تربوية تنتقد جدوى تدريس «التربية الوطنية» في مدارس السعودية

أثارت الجدل وعابت عدم التدرج في ذكر مفاهيم التوعية الأمنية

توصيات بإعادة النظر في منهج التربية الوطنية في التعليم العام بهدف إعادة التوازن لمجالات الأمن الوطني الشامل («الشرق الأوسط»)
TT

حركت دراسة أكاديمية لمناهج التربية الوطنية في المدارس السعودية، المياه الراكدة فيما يتعلق بفاعلية تطبيق المناهج ومدى استيعابها للبيئة الآمنة للحماية الفكرية والاستراتيجيات الهادفة التي تنبثق من مكنوناتها، ونثرت تساؤلات أومأت بجدل كبير حول المهددات والأخطار الداخلية والخارجية التي تعرض المجتمعات إلى خلل حقيقي لا تمكنها من تأمين احتياجاتها الأساسية، وهو ما اعتبر بحسب الدراسة «الهاجس الأكبر لصانعي القرار في جميع بلدان العالم».

«التربية الوطنية» بحسب مراقبين تربويين، اعتبرت أنها حصن يتسنم عقول النشء، بيد أن بلورتها في المنهاج بطريقة عرضه الحالية في المدارس، لا يتعدى المضمون الكلاسيكي، وهي بعيدةٌ عن الخط الدفاعي والأمني الأول للدول، ناهيك عن الأسس التي يرتكز عليها، وذلك لتحقيق «التنمية الأمنية الوطنية المستدامة».

وسبرت الدراسة التي قدمها مجلس خبراء التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط» على لسان الدكتورة رقية عدنان المعايطة، مستشارة خبراء التربية والتعليم، أغوار التصور لمجموعة من المفاهيم والمجالات المقترحة للتوعية الأمنية في مناهج التعليم العام في السعودية، ضمن نظرة شمولية تضمنت مجالاتها مدخلا إلى الأمن الوطني الشامل، ورموز الوطن وخصائصه، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن السياسي الداخلي، ومكانة السعودية في العالم (الأمن السياسي الخارجي)، والأمن العسكري، وهو ما انبثقت عنه مفاهيم فرعية تؤدي الدور التكاملي لمنظومة الأمن الوطني الشامل وتحقق التوعية الأمنية الفاعلة.

الوطنية كمنهج منفصل يزيد من عبء المناهج والمقررات على الطلبة في الوقت الذي تنادي فيه الدول المتقدمة للتخفيف من تكديس الكتب وأعبائها، هل يكون منهج التربية الوطنية جزءا من جميع المقررات الدراسية تُدرس كقيم يتم تشريبها ضمن المناهج الدراسية جميعها لتكون جزءا لا يتجزأ من حياة الطالب وسلوكياته واتجاهاته، مما يتطلب إعادة النظر بجميع مناهجنا ليكون المحتوى والأنشطة والأساليب والاستراتيجيات وطرق التقييم في جميع المقررات بوتقة واحدة لخدمة القيم الوطنية.

وتساءلت الدكتورة رقية في ذات السياق: هل يكتفى بمنهج التربية الوطنية ليكون تعلما ذاتيا، يسعى فيه الطالب إلى تبني فكرة أو مشروع بشكل فردي أو جماعي يقيم على أساسه، كأن يقوم بعدد معين من الساعات التطوعية في عمليات الإغاثة أو تجميل منطقة سياحية، أو العناية بمسجد في الحي، أو ابتكار أو اختراع يفيد به أمته، أو بحث تربوي تطبيقي عملي يساهم في إيجاد حلول إبداعية للمشكلات المجتمعية مثل مدمني المخدرات، والحوادث المرورية، والإرهاب، وتخريب الملكية العامة؟.

وعابت الدراسة التدرج في ذكر مفاهيم التوعية الأمنية خلال المرحلة الدراسية الواحدة والمراحل المتعددة، وخلت مراحل من مفاهيم أمنية أساسية، ولكن وُجد تدرج مناسب ومقبول في كم المفاهيم كنسبة مئوية تبعا للمرحلة النمائية للطلبة، وعليه تم تقديم بناء مقترح لمصفوفة التوعية الأمنية في مناهج التعليم العام في السعودية مصنفة وفقا للمراحل التعليمية، تضمنت النسب المئوية لكل مجال ولكل مفهوم منبثق منه، لتحقيق تكامل من حيث المجال والمفهوم والمرحلة والصف وعامل الزمن والمرحلة النمائية للطلبة والخصوصية الثقافية للسعودية.

وخرجت الدراسة بناء على الدكتورة رقية المعايطة، بمجموعة من التوصيات أهمها إعادة النظر بمنهج التربية الوطنية في التعليم العام وإيجاد المناهج الإثرائية له، بمنهج يهدف إلى إعادة التوازن بين مجالات الأمن الوطني الشامل ومفاهيمه الأساسية، مراعية الخلفية المعرفية للمتعلمين والفروق الفردية بينهم وفق أعمارهم وأنماط تعلمهم المختلفة، منهج يراعي مراعاة محورة التعليم على المتعلم ليقوم بدور أكبر وأكثر فاعلية واستقلالية، لإثارة دافعيتهم وتكوين اتجاهات إيجابية لديهم لتحمل المسؤولية في التعلم، كذلك اختيار أنماط التعلم ومصادره المتنوعة واتخاذ القرارات وحل المشكلات والتفكير الناقد.

وزادت المستشارة بالقول: «تسهب في ذلك إلى تركيزها على توظيف المعارف والمهارات المكتسبة والمتعلمة في الحياة اليومية، ومراعاة اشتراك المهتمين والمعنيين بالمناهج وتطويرها من طلبة ومعلمين ومشرفين ومديري مدارس وأولياء أمور ومختصين من المؤسسات التربوية والأمنية لتحقيق مبدأ الشراكة في التربية الأمنية، بحيث يتم توجيه التعليم في منهج التربية الأمنية نحو تطوير اقتصاد وطني معرفي قادر على استيعاب التغيرات والانفتاح على الثقافات والتأثير والتأثر الإيجابي بها، يربط بين الخبرات المتعلمة داخل غرفة الصف والعالم الخارجي، كي يتمكنوا من استكشاف مواهبهم وقدراتهم».

كما خرجت الدراسة بمجموعة من التوصيات أهمها «إعداد هيئة التوعية الأمنية، تعنى بمتابعة سياسات واستراتيجيات التوعية الأمنية للنشء في مجال التعليم، أعضاؤها من مجموعة من المؤسسات الأمنية خاصة كلية الملك فهد الأمنية، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، تجتمع اجتماعات دورية للوقوف على ما هو واقع وتطلعات وطموح للرقي بمجالات التوعية الأمنية في المملكة». أيضا «عقد برامج موازية من قبل الكليات الأمنية في المملكة مثل كلية الملك فهد الأمنية بهدف تأهيل شرائح متعددة من المؤسسات الحكومية والخاصة خاصة التعليمية منها في المجالات المتعددة للأمن الوطني بشرط أن تكون في موضع المسؤولية القادرة على إيصال تلك الرسالة إلى الآخرين، ذات فترة معينة لا تقل عن أسبوعين، يمنح خريجها رخصة، يصبح بموجبها قادرا على مشاركة الفرق الأمنية الرسمية في تأدية مهامها في مؤسسته نفسها».

وقالت الدكتورة رقية: «التوصية الأخيرة جاءت بإقرار مشروع وطني تحت شعار (نحو تكامل مؤسسي أمني)، يتم فيه إجراء اتفاقيات بين المؤسسات الأمنية في المملكة مثل مديرية الشرطة، الدفاع المدني، الكليات الأمنية الرسمية، وبين مؤسسات المملكة مثل وزارة التربية والتعليم، تعقد بموجبها دورات مكثفة تعنى بقضايا الأمن الوطني، مثل (دورة أصدقاء الشرطة)، و(دورة أصدقاء الدفاع المدني)، و(دورة المواطن الأمني) من قبل رجال الأمن يتلقى فيها المتدربون دورات تخصصية علمية وعملية تطبيقية، يمنح بموجبها شهادة حضور وعضوية ليصبح مشاركا فاعلا في تحقيق منظومة الأمن الوطني بمهنية وعلمية».

إلى ذلك، قال سعد الجودي، معلم تربية وطنية بمكة المكرمة، إن تعليم «الوطنية» في السعودية يفتقر إلى أبسط مقومات المنهج الداعم والشامل وهو كتاب إنشائي، ومطبوعة تجميعية لعدد من المواضيع المتعلقة بتاريخ أو جغرافية المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى توصيف إيجابية العلاقة مع الأسرة والوالدين، دون أن يجسد المنهج الأهداف الرئيسية لمفاهيم التربية الوطنية بالمفهوم العلمي.

وأضاف الجودي بالقول: «لعل ذلك جعل أهداف التربية الوطنية غير واضحة المعالم لدى كثير من المعلمين، لا سيما في مجال الأهداف الخاصة برفع مستوى تنمية الروح الوطنية والأخلاقية والحقوقية والمشاركة الاجتماعية والتعاون، وكذلك غياب مفاهيم وأساليب إكساب الطلاب قيما وطنية رفيعة، وغابت عن منهج التربية الوطنية، قيم احترام الآخر وحقوق الإنسان والتعددية والتنمية والعدالة والمساواة».

وزاد معلم التربية الوطنية في حديثه: «في يقيني نحن بحاجة إلى مراجعة مقرر التربية الوطنية، لمعالجة جوانب القصور السابقة، مع دراسة الأولويات في الأهداف، وآليات معالجة المشكلات القائمة حاليا، مع الأخذ في الاعتبار تبصير الطلاب بحقوقهم وواجباتهم الوطنية، وتنمية مهارات المشاركة والتعاون وتحمل المسؤولية، لتحقيق مفهوم المواطنة الإيجابية».