تونس: آلاف المتظاهرين يطالبون بإسقاط الحكومة الانتقالية

الأمن يطلق النار في الهواء ويفشل في تفرقتهم

TT

أطلقت قوات أمنية تونسية أمس النيران في الهواء، في محاولة فاشلة لتفرقة عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين تجمعوا في وسط تونس العاصمة للمطالبة بتغيير الحكومة الانتقالية.

وهذا هو ثاني يوم من الاحتجاجات الحاشدة في تونس العاصمة على الرغم من حظر حكومي على التجمعات بعد فترة من الهدوء في أعقاب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي الشهر الماضي.

وبعد أسابيع من الهدوء النسبي تجمع ما يصل إلى 40 ألف محتج وسط العاصمة، وهم يرددون هتافات مثل «ارحل»، وقالوا إنهم لا يريدون حلفاء بن علي، وطالب آخرون بزيادة الأجور.

وقال شاهد عيان لـ«رويترز»: إن قوات الأمن أطلقت النيران في الهواء مرارا، بينما حلقت طائرتان مروحيتان حربيتان على ارتفاع منخفض فوق المحتجين. ولم يبارح المحتجون مكانهم، وليست هناك مؤشرات على حدوث إصابات.

وبعد أكثر من شهر على رحيل بن علي يشكو تونسيون من الحكومة الانتقالية المسؤولة عن تمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية، ويقولون إنها فشلت في توفير الأمن وسط تزايد معدلات الجريمة، كما أنها لا تبذل جهدا يذكر لمساعدة الفقراء.

وقالت وزارة الداخلية التونسية أول من أمس: إن التظاهرات الحاشدة ممنوعة وفقا لقانون الطوارئ، ويمكن أن يلقى القبض على المحتجين. وسد أكثر من 15 ألف محتج وسط تونس العاصمة أمس، وردد معظمهم شعارات مناهضة للإسلاميين بعد مقتل قس في هجوم ألقت الحكومة باللوم فيه على «مجموعة من الإرهابيين الفاشيين ذوي الاتجاهات والمرجعيات المتطرفة».

وينهي يومان من الاحتجاجات هدوءا نسبيا في العاصمة منذ أوائل فبراير (شباط) الحالي. ومن المقرر أن تجرى انتخابات الرئاسة في تونس في يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) المقبلين.

إلى ذلك، أشرفت المنظمة الحقوقية «حرية وإنصاف» على اجتماع في تونس، على تجمع شعبي حول العفو التشريعي العام بعد يوم واحد من توقيع الرئيس المؤقت على القانون، دعت من خلاله إلى «رفع المظالم واسترداد الحقوق والكشف عن مصير المفقودين، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب وتكريس حرية الإعلام واستقلالية القضاء وحياد الإدارة».

وقدم عدد من النشطاء السياسيين وسجناء الرأي والمنفيين شهادات عما كابدوه «من معاناة ومعاملة سيئة في عهد بن علي سواء داخل السجون أو خارج حدود تونس». ودعا المجتمعون إلى تعميم العفو العام التشريعي ليشمل جميع المساجين السياسيين، الذين اعتقلوا تحت طائلة جرائم الحق العام على خلفية سياسية.

وقال محمد النوري، رئيس منظمة «حرية وإنصاف»، لـ«الشرق الأوسط»، إنه مرتاح لتوقيع رئيس الجمهورية المؤقت للمرسوم المتعلق بالعفو العام «الذي ناضلت من أجله الكثير من المنظمات الحقوقية، وهدفها الأساسي إنصاف المساجين السياسيين وسجناء الرأي، ووضع حد للممارسات المشينة والمناهضة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تنال من كرامة الإنسان».

وطالب النوري كذلك بإقرار حق التعويض لعائلات الشهداء ومساجين الرأي والسجناء السياسيين وانتخاب مجلس تأسيسي تعهد إليه مهمة إعداد دستور جديد للبلاد.

وفي مدينة الحامة بولاية (محافظة) قابس (365 كم جنوب العاصمة)، أكد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، في مسقط رأسه، عزم الحركة على الإسهام في تحقيق أهداف الثورة. وقال: إن الظرف الذي تمر به تونس يقتضي تعزيز التضامن بين كل التونسيين والتونسيات وتحقيق العدالة بعيدا عن كل مظاهر التشفي.

وخطب الغنوشي، الذي عاد إلى مدينته بعد 20 سنة من المنفى، وسط جموع غفيرة من مناضلي حركة النهضة منتقدا الثورة، قائلا إنها «لم تحقق أهدافها كلها، ومن بينها حل البرلمان وتكوين حكومة تمثل الشعب واسترجاع الأموال المنهوبة وعقاب الجناة الذين كانوا وراء قتل الأرواح»، داعيا إلى استغلال الأموال التي ستسترجع لتشغيل الشباب العاطل عن العمل.

من جهة أخرى، وجه الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الجمهورية التونسية، رسالة مفتوحة إلى «لجنة الإصلاح السياسي» دعا من خلالها إلى إعادة الاعتبار للدين الإسلامي في الإصلاحات الدستورية والسياسية الموكولة للجنة المذكورة، فيما يبدو أنه رد على المسيرة الاحتجاجية المنادية بالعلمانية التي شهدها وسط العاصمة مساء السبت الماضي.

وقال في رسالته إنه يهيب باللجنة أن تصون هوية الشعب التونسي الثقافية والدينية وعدم المساس بالفصل الأول من الدستور الحالي وتفعيله، الذي ينص على أن الإسلام دين البلاد، والعربية لغتها، وأن هذين المقومين يخضعان للغالبية الساحقة لأفراد الشعب التونسي، مشيرا إلى أن الإسلام يكفل حرية التدين لغير المسلمين. وأكد المفتي أنه يلفت أنظار اللجنة كي تعيد «الاعتبار للإسلام في هذه الديار، وعدم حصره في زاوية ضيقة تبعده عن الحياة العامة والخاصة، بعد أن كان هيكلا خاويا لا روح فيه منذ ما يزيد على نصف قرن».

وطالب المفتي كذلك بأن يضمن الدستور «حرية ممارسة الشعائر الدينية وحمايتها من كل أشكال التسلط والتعدي والعنف الذي تأباه الأنفس الأبية الحـرة في كل مكان من الدنيا»، ودعا إلى أن «يضمن الدستور حرمة المساجد والقائمين عليها من كل أشكال الوصايـة أو التهميش، وحفظها من الفتن والتجاذبات السياسية والمذهبية، وإعادة صياغة جديدة لقانون المساجد يحفظ حرية الكلمة على المنابر، ولا يضيق على الناس أداء شعائرهم».