الهند وباكستان.. لغة توحد وتجارة تفرق

عقبات بين البلدين تسببت في نقل السلع عبر دبي

TT

يباع كريم تفتيح البشرة للرجال «فير آند هاندسم» مقابل 1.25 دولار للأنبوبة الواحدة داخل الهند، حيث يتم إنتاجه. ولكن عندما يصل إلى أرفف متجر «ساجد خان» داخل السوق القديمة بمدينة لاهور الباكستانية، يكون قد قطع 2000 ميل عبر البر والبحر، وتم تهريبه عبر سلسلة جبال هندوكوش، ليرتفع سعره بمقدار 25 في المائة.

تشترك باكستان والهند في اللغة والثقافة والتاريخ وفي حدود تمتد لمسافة 1800 ميل، كما تعد الدولتان أكبر اقتصادين في منطقة جنوب آسيا. ولكن نادرا ما توجد علاقات تجارية مشتركة بين هاتين الدولتين – على الأقل بصورة رسمية، ويرجع ذلك إلى ما يشبه حصارا يعود إلى وقت التقسيم عام 1947 وعدد كبير من القواعد المربكة.

وقد تسببت هذه العقبات في نشاط التجارة غير الرسمية، ويتم شحن معظم المواد عبر أطراف أخرى، مثل دبي، حيث توضع علامات جديدة على المنتجات لتبدو وكأنها واردات من أماكن أخرى، وتمضي هذه المنتجات في رحلات تتسبب في زيادة ما بين 40 و70 في المائة في الأسعار. وفي وقت قريب بدأت باكستان تنقل بعض صادراتها إلى الهند على متن شاحنات، وكانت عبارة عن حمولة من الصخور الجبسية.

ولكن يضغط اقتصاديون ومجموعات أعمال ومسؤولون أميركيون من أجل تخفيف بعض القيود، ويأملون أن يساعد على تحقيق ذلك قرار الدولتين قبل أسبوعين باستئناف محادثات السلام بينهما. ويقولون إن التجارة الحرة ستعود بالنفع على الهند وباكستان سواء بسواء، وربما يساعد ذلك على تخفيف توترات تعكسها ترسانات نووية متنافسة.

ويقول شوجا نواز، مدير المركز الشرق آسيوي التابع للمجلس الأطلسي داخل واشنطن: «تنص القواعد الاقتصادية الأساسية على أن الشركاء التجاريين المهمين بالنسبة لأي دول هم جيرانها. ومن أجل تغيير العلاقة من علاقة لا يحقق أي مكاسب لكلا الطرفين إلى علاقة تعود بالنفع لكل من الهند وباكستان، يجب البدء بالمكاسب القريبة التي ستأتي مع فتح السياحة والتجارة».

ويقول خبراء، إنه بالنسبة للاقتصاد الباكستاني الضعيف، فإن تدفق بضائع بحرية أكبر من الهند سيتيح منتجات ومواد خام بسعر أرخص، وعلى ضوء عدد سكان الهند، ربما يفتح ذلك الهند على استيراد منتجات باكستانية مثل الإسمنت.

وتظهر بعض الأبحاث أن التجارة البينية التي تبلغ حاليا نحو ملياري دولار في العام، أقل من 1 في المائة من إجمالي التجارة لكل دولة، يمكن أن تزداد بمقدار 20 إلى 50 ضعفا حال وجود سياسات أكثر تحررا. وتتراوح تقديرات التجارة غير المشروعة ما بين ملياري دولار و10 مليارات دولار في العام.

وفي الوقت الحالي يحدث تقدم بطيء في هذا الصدد، وتقبل الهند جميع المنتجات الباكستانية، ولكن تشتكي شركات باكستانية من أن المعايير الصارمة والإجراءات الإدارية تجعل تصدير الكثير من السلع أمرا غير قابل للتطبيق. ومن جانبها تسمح باكستان بقائمة متنامية من المنتجات الهندية تضم حاليا كلى صناعية وكافورا ومظلات و1931 بندا آخر ولكن ليس من بينها كريم «فير آند هاندسم» الذي يتم تصديره بصورة غير قانونية من كولكاتا إلى أفغانستان عبر ميناء كراتشي الباكستاني، وبعد ذلك يتم تهريبه إلى باكستان.

وتمثل القيود المفروضة على السفر عقبة أخرى، ويقول رجال أعمال من كلا الدولتين، إنهم ينتظرون لأشهر قبل الحصول على تأشيرات سفر لا تتيح لهم الذهاب لمدن كبرى بالدولة الأخرى، ولا تسمح لهم بالسفر إلى مزارع أو مصانع في الريف، حيث يتعقبهم في الأغلب عملاء لهيئات الاستخبارات.

ثم تأتي بعد ذلك المشكلة اللوجيستية التي تقف أمام التجارة البرية عند إحدى نقاط العبور الحدودية، في منتصف الطريق بين لاهور ومدينة أمريتسار الهندية. فعلى سبيل المثال يدخل قطار يحمل الصادرات الباكستانية لأميال فقط داخل الهند، وفي مرحلة محددة يتم استبدال المحركات الباكستانية والسائقين بمحركات وسائقين هنود قبل الاستمرار في السير داخل الأراضي. وعلى ضوء العدد القليل من القطارات، ينتظر مصدرون لأشهر قبل أن يحصلوا على مساحة لشحن السلع الخاصة بهم.

وأمام الشاحنات ثماني ساعات فقط في اليوم تعبر خلالها، لأنه في ساعات الظهيرة من كل يوم يستولي حرس الحدود الباكستانيين والهنود على الطريق ذي الحارتين ليقوموا بإغلاق البوابات بصورة مسرحية. ويجب على الشاحنات التوقف بعد أن تمر من الحدود بمسافة صغيرة، حيث يقوم أفراد بنقل البضائع إلى شاحنات محلية. ويعد ذلك تطورا، فقبل 2007 كان يتم منع الشاحنات من المرور أساسا، وكانت تحمل السلع عبر الحدود عمال على رؤوسهم.

ويعد المقدار القليل من التجارة القائمة ضحية للرغبات السياسية، ففي ديسمبر (كانون الأول) بقيت قطارات الشحن عاطلة عن العمل لثلاثة أسابيع، بينما كان سائقون هنود ينتظرون الحصول على تأشيرات تسمح لهم بالوصول إلى مكان ليس بعيدا عن الحدود على الجانب الباكستاني.

وفي نفس الشهر، وعقب زيادة كبيرة في أسعار البصل قامت الهند بإلغاء رسوم وقواعد استيراد هذه السلعة الأساسية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في صادرات البصل الباكستانية. ولكن قامت باكستان فجأة بتعليق المبيعات بسبب مخاوف من حدوث عجز محلي.

ويقول رجيب أبال، وهو تاجر ونائب رئيس «مجلس مصدري أمريتسار»: «كانت لدي 400 شاحنة عالقة على الجانب الآخر، وظل هذا البصل عالقا لمدة أسبوع، وفي النهاية كان لا بد من بيعه داخل باكستان بنصف السعر. من الخاسر؟ كلا الدولتين».

وعلى الرغم من ذلك، تظهر مشاهد طيبة على امتداد الحدود. وفي أحد الأيام القريبة جلس سائقو قطارات باكستانيون وهنود يحتسون الشاي، وتبادلوا أطراف الحديث مشتكين من القواعد الحكومية. ابتسم ساتانام سينغ، وهو سائق هندي كان يرتدي صدرية صفراء كتب عليها «سائق هندي»، بينما كان عمال يفرغون الزنجبيل على الجانب الباكستاني. يرى سينغ أن القدوم إلى باكستان أكثر بهجة من الذهاب إلى مومباي، حيث تختلف اللغة ويتخذ الناس هناك مواقف عدائية.

وقال محمد ظافر، وهو باكستاني كانت شاحنته التي تقل تمرا في طريقها إلى عبور الحدود الهندية: «إنه شعور غريب، وكأني أذهب إلى أرض غريبة. أشعر بسعادة شديدة».

وداخل لاهور، على بعد 20 ميلا فقط من الحدود الهندية، كان متجر «خان بارزا» بين عدد من المتاجر بها أدوات تجميل وحرير هندي، تم تهريبها جميعا إلى باكستان بصورة غير قانونية.

وقال خان إنه يرحب بعلاقات تجارية أكثر ودا، حتى لو تسبب ذلك في تقليل قيمة البضاعة التي لديه. ووافق على هذا الرأي مهربه الأفغاني، على أساس أن ذلك لن يجعله في حاجة إلى دفع رشوة للمسؤولين على الحدود.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»