الاضطرابات في اليمن.. هل تقوي «القاعدة» أم تهمشها؟

وسط آمال بإمكانية تحقيق الديمقراطية

TT

ذكر مسؤولون أميركيون أن الانتفاضة الشعبية في اليمن، ورد الفعل العنيف من قبل الحكومة وأنصارها على هذه الانتفاضة، عمقا من أجواء عدم الاستقرار في البلاد، وهو الأمر الذي يمكن أن يستغله فرع تنظيم القاعدة هنا في شن المزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة.

لكن الاضطرابات يمكن أن تثير مشكلات أيضا لهذه الجماعة الإرهابية؛ حيث يطالب المتظاهرون في اليمن بالحريات الديمقراطية، وليس الخلافة الإسلامية التي يسعى تنظيم القاعدة لفرضها في هذه الدولة الواقعة بمنطقة الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى.

وسوف تجعل هذه المطالب التي تنادي بالديمقراطية الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لتنظيم القاعدة في ادعاء أن هذا التنظيم المتشدد يمتلك مشاعر شعبية تسانده وتقف في صفه، حيث ستكون لدى الأشخاص الساخطين طريقة سلمية للتعبير عن مظالمهم من دون الخوف من التعرض لاضطهاد.

وقال محسن بن فريد، الأمين العام لحزب «رابطة أبناء اليمن» المعارض «إذا غيرنا النظام، وأصبحت لدينا حكومة حقيقية، فإنني متأكد من أن تنظيم القاعدة أو الإرهاب لن يكون موجودا في اليمن بعدها».

وفي معظم أنحاء العالم العربي، دأب حكام مستبدون تدعمهم الولايات المتحدة لعبوا أدوارا حيوية في مكافحة الإرهاب ويتعرضون الآن لحصار بفعل الثورات الشعبية، على إثارة المخاوف من أن التغييرات في القيادة يمكن أن تقوض الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها للحيلولة دون نمو تنظيم القاعدة.

لكن هناك مؤشرات أيضا على أن تنظيم القاعدة نفسه يشعر بالقلق إزاء الجانب السلبي المحتمل للحريات الديمقراطية والتي أطلق العنان لها بفعل المظاهرات التي اندلعت في المنطقة. وكانت الشعوب التي تعرضت للقمع من قبل أنظمة تدعمها الولايات المتحدة قد وفرت لفترة طويلة خط إمداد للجماعات المتطرفة وتجنيد وتمويل تنظيم القاعدة وجماعات مسلحة أخرى.

وفي يوم الجمعة الماضي، قال أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، خلال رسالة مسجلة للشعب المصري، إن حكم دولتهم كان قد «انحرف عن مبادئ الدين الإسلامي» لفترة طويلة، وحذر من أن الديمقراطية «لا يمكن أن تكون إلا علمانية».

وخلال الأسبوع الماضي، دعت النسخة الأخيرة من مجلة «صدى الملاحم»، وهي مجلة ينشرها «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة على العربية» على شبكة الإنترنت، الشعب التونسي لتطبيق «شرع الله»، وقالت إن «الديمقراطية هي الطريق إلى جهنم».

وقالت مارينا أوتواي، رئيسة برنامج الشرق الأوسط في معهد كارنيغي للسلام الدولي «هناك أمر مهم جدا يتكشف في المنطقة، وتنظيم القاعدة ليس مساهما فيه. إنهم يشعرون بأنهم مهمشون. وحتى (الإخوان المسلمون) والمنظمات الإسلامية الأخرى باتت تطالب الآن بالديمقراطية.. وما يمثل مشكلة لتنظيم القاعدة هو أن الحركات الاحتجاجية تبدو علمانية في الغالب».

وبعد باكستان وأفغانستان، ليس هناك مصدر أكبر إثارة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة إزاء مستقبل تنظيم القاعدة من وجود هذا التنظيم الإرهابي في اليمن. ومن بين كل الزعماء العرب الواقعين حاليا في ورطة، يعتبر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 32 عاما، واحدا من أهم شركاء واشنطن في مكافحة الإرهاب. وخلال العام الماضي، منحت الولايات المتحدة اليمن مساعدات عسكرية وتنموية بقيمة 300 مليون دولار من أجل محاربة «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الجناح الأكثر طموحا في شبكة تنظيم القاعدة.

وقد ازدهرت الجماعة في المنطقة الجبلية باليمن، حيث تعمل تحت عباءة القبائل المتعاطفة، وتستفيد من أجواء عدم الاستقرار في الدولة.

وفي منطقة جنوب اليمن، التي تعتبر معقلها الرئيسي، استغلت جماعة «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» مشاعر الغضب والاستياء الراسخة والمتأصلة ضد علي عبد الله صالح وحكومته في كسب مجندين جدد والحصول على الدعم. وعلى الرغم من التمويل الأميركي، تقلصت إمكانيات حكومة صالح في حربها ضد «القاعدة» بسبب تعاملها مع عدة أمور طارئة، من بينها تمرد في شمال اليمن وحركة انفصالية في الجنوب وفقر مدقع.

وقد أصبحت جماعة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مصدر قلق شديد على الأمن القومي للولايات المتحدة، بعد ارتباطها بسلسلة من الهجمات الخطيرة وغير المكتملة ضد الولايات المتحدة، من بينها محاولة تفجير طائرة متجهة إلى مدينة ديترويت في عطلة أعياد الميلاد عام 2009، والطرود المفخخة التي شحنت على طائرات شحن متجهة صوب الولايات المتحدة.

ويشعر مسؤولون أميركيون أيضا بالقلق إزاء أنور العولقي، رجل الدين اليمني الأميركي المتشدد، الذي يرتبط بهذين المخططين، بالإضافة إلى حادثة قاعدة «فورت هود» عام 2009. ويقول هؤلاء المسؤولون إن العولقي زعيم بارز في جماعة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية؛ وكانت الولايات المتحدة قد أمرت باغتياله. ويعتقد أن العولقي يختبئ في جنوب شرقي اليمن، ويتمتع بحماية قبيلته.

وكان مايكل ليتر، كبير مسؤولي إدارة أوباما في مجال مكافحة الإرهاب، قد أخبر الكونغرس منذ أسبوعين بأنه يرى أن جماعة «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» والعولقي «ربما يمثلان أهم خطر على الأمن الداخلي للولايات المتحدة».

وذكر مسؤولون أميركيون أنهم لم يكونوا متأكدين إزاء مدى تهديد المظاهرات لـ«صالح» وحكومته، وما إذا كان أي تغيير في القيادة سوف يعطل بناء أميركي كبير لأصول الاستخبارات والجيش، بما في ذلك طائرات من دون طيار، من أجل استهداف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لكنهم يراقبون الوضع عن كثب من أجل رؤية ما إذا كانت حملة مكافحة الإرهاب اليمنية قد انحرفت بفعل الاضطرابات.

وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه «نحن قلقون تماما إزاء سعي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للبحث عن طرق من أجل استغلال المظاهرات».

وقد أشار مسؤولون يمنيون في مقابلات إلى الجهود المبذولة لتهدئة الانتفاضات الشعبية التي كانت لها الأولوية عن محاربة تنظيم القاعدة. ويقول سلطان البركاني، إحدى الشخصيات القيادية في الحزب الحاكم «تركز الحكومة وقوات الأمن على المشكلات السياسية لأننا لا نريد أن يتكرر ما حدث في تونس ومصر هنا، فهذا قد يسمح لتنظيم القاعدة بأن يصبح أقوى.. إذا ازداد العبء الملقى على عاتق قوات الأمن أو ضعف النظام أو سقط، فهذا سيعد الخطوة الأولى نحو استيلاء تنظيم القاعدة على حكم البلاد».

لكن رفضت المعارضة اليمنية هذه التعليقات، واعتبرتها صادرة من حكومة محاصرة تحاول استخدام شبح تنظيم القاعدة للحصول على المزيد من الدعم من الولايات المتحدة وإثارة الشكوك حول تأييد دعواتهم إلى الديمقراطية. ويقول محمد قحطان، أحد القادة في حزب الإصلاح الذي يعد أكبر حزب معارضة إسلامي «إن الحكومة تبالغ في ما يمثله تنظيم القاعدة من تهديد. وهناك سببان لذلك: الأول هو ضعف النظام.. والثاني هو رغبته في الحصول على المزيد من الأموال والدعم من الولايات المتحدة».

خلال العام الماضي كثفت كل من وكالة الاستخبارات الأميركية وقوات العمليات الخاصة الأميركية وجودهما في اليمن، في إطار التعاون السري مع صالح وحكومته، منشأين شبكة استخباراتية لتفكيك قيادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لكن منذ فشل مخطط «ليلة الكريسماس»، ازدادت ثقة المجموعة في نفسها وأصبحت أكثر طموحا على حد قول مسؤولين في الحكومة ومعارضين ودبلوماسيين ومحللين.

إضافة إلى مخطط الطرود المفخخة، دشن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مجلة «انسباير» الجهادية باللغة الإنجليزية، والتي تهدف إلى تنشئة جيل جديد من الإرهابيين في الدول الغربية. وبحسب دبلوماسيين غربيين، ازدادت وتيرة الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ضد قوات الأمن اليمنية بشكل كبير منذ شهر أغسطس (آب) الماضي. ففي أبريل (نيسان) استهدف انتحاري السفير البريطاني لكن الأخير نجا من الحادث. كذلك استمر العولقي في نشر مقاطع مصورة ورسائل على شبكة الإنترنت لتكون إلهاما لأتباعه.

ويقول سعيد عبيد، أحد المحللين المتخصصين في الإرهاب والذي ألف كتابا عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية «2010 كانت سنة تنظيم القاعدة بامتياز. فقد ازداد التنظيم قوة». وأشار إلى أن عدد الهجمات التي قام بها التنظيم العام الماضي تجاوز الـ150، واستهدف أكثرها قوات الأمن اليمنية، بينما في 2009 بلغ عدد الهجمات التي شنها التنظيم نحو 20 فقط. وبحسب تقارير إخبارية محلية، نجا أحد كبار المسؤولين في الجيش اليمني يوم السبت الماضي من محاولة اغتيال يشتبه أن يكون وراءها مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة في أبين، جنوب اليمن، والتي تعد معقلا لتنظيم القاعدة.

وقد حذر جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الأميركية، في شهادة له أمام الكونغرس يوم الخميس الماضي، من «ازدياد قوة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ما لم يتم تنفيذ أعمال مستمرة أكثر فاعلية لمقاومته. وقال كلابر « يواجه صالح بعض التحديات الصعبة».

ومن أسباب ازدياد قوة تنظيم القاعدة استياء سكان الجنوب، الذين طالما اتهموا حكومة صالح في الشمال بحرمانهم من الموارد والوظائف الحكومية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء. وقد أحكمت قوات الأمن اليمنية قبضتها بشدة على القرى والمدن الجنوبية خلال العام الماضي لاشتباهها في إيوائها لمسلحين تابعين لتنظيم القاعدة. لكن يقول مشايخ القبائل إن القوات استهدفت الكثيرين ممن لا تربطهم أي علاقة بالتنظيم. ويقول عبد الله حسن الجفري، أحد مشايخ القبائل في أبين «الناس لا يعتقدون في فكر تنظيم القاعدة، لكنهم يدعمونه لأنه ضد الحكومة. إذا تنحى صالح فسوف ينقلب الناس ضد تنظيم القاعدة».

وفي ظل وفرة الأسلحة والصراعات القبلية، هناك خوف من نشوب حرب أهلية في اليمن، وهو ما من شأنه أن يزيد عدم الاستقرار. لقد امتد الاضطراب الحالي بالفعل إلى مدينتي تعز وعدن في الجنوب، حيث تشهدان مصادمات عنيفة يومية بين محتجين وقوات الأمن، حيث قتلت قوات الشرطة محتجين، مما زاد من مشاعر السخط على صالح.

ويدعو بعض المشرعين الأميركيين والمحللين الإقليميين الولايات المتحدة إلى عدم التركيز فقط على محاربة الإرهاب في اليمن. ويوضحون أن زيادة الضغط على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تتطلب الضغط على صالح وحكومته لتلبية مطالب واحتياجات الشعب اليمني خاصة في ما يتعلق بإطلاق المزيد من الحريات.

وقال السيناتور كارل ليفين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ (ولاية ميتشغان) الأسبوع الماضي «إذا أخفقت دول مثل اليمن في القيام بذلك، فقد يؤدي انتقال السلطة إلى نتيجة غير مفيدة بالنسبة إلى شعوب تلك الدول والمنطقة والولايات المتحدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»