إسرائيليون: تل أبيب وواشنطن ستدفعان ثمن الفيتو الأميركي باهظا.. قريبا

رغم احتفال اليمين الحاكم بالنصر.. تمنوا لو لم يكن الأميركيون قد استخدموه

TT

في الوقت الذي احتفل فيه اليمين الإسرائيلي الحاكم باستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) وإجهاض الاقتراح الفلسطيني بإدانة الاستيطان في مجلس الأمن، خرجت أصوات كثيرة من السياسيين والإعلاميين تحذر من تبعات هذا القرار وتقول إن «إسرائيل دفعت الحليف الأميركي المخلص إلى ورطة كبيرة مع العالم العربي، تتسم بموجات عداء غير مسبوقة سنرى نتيجتها في القريب» وأن إسرائيل ستدفع ثمن هذه الورطة بشكل قاس في المستقبل غير البعيد.

وكشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن سياسيين متعاطفين مع إسرائيل في الولايات المتحدة، حذروا من تبعات استخدام الفيتو وقالوا إنه يؤدي إلى خفض مكانة الولايات المتحدة في العالم العربي وإلى هبوط حاد في تأثيرها. وأن هذا في نهاية المطاف لا يصب في مصلحة إسرائيل: «أنتم بحاجة ماسة إلى أن تكون الولايات المتحدة ذات قوة وتأثير عظيمين، وليس من مصلحتكم أن تكون دولة ضعيفة».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، قد أشارت إلى قرار الفلسطينيين في الضفة الغربية الخروج في «يوم غضب» ردا على الفيتو الأميركي. وقالت إن الغضب العربي المتفجر في دول عديدة من تونس إلى مصر وحتى اليمن، قد يتحول في مجرى طبيعي ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وقال المحلل السياسي يهودا ليطاني إن على إسرائيل ألا تستخف بدعوة الرئيس الليبي، معمر القذافي، إلى الفلسطينيين في الأردن ولبنان وشتى أرجاء الأرض، أن يتقدموا بجماهيرهم نحو إسرائيل في مسيرات سلمية بروح مظاهرات واعتصامات ميدان التحرير في القاهرة وغيرها. وقال ليطاني: «قد يكون القذافي طرح هذا الاقتراح، حتى يزيح الأنظار عما يجري في بلاده من احتجاجات ومظاهرات تطالب بإسقاطه. ولكن اقتراحه قد يكون مغريا لفلسطينيين عديدين. وقد ينفذونه هنا في الضفة الغربية وقطاع غزة. فماذا ستفعل إسرائيل عندئذ؟! هل تطلق الرصاص على الألوف؟!». وأضاف: «لقد فعل ذلك البريطانيون سنة 1919 ضد السيخ في الهند وقتلوا يومها نحو 400 مواطن، وكانت تلك بداية النهاية للاحتلال البريطاني هناك، الذي استغرقه الأمر 28 عاما حتى رحل. وعادوا لتكرار ذلك في سنة 1920 عندما دخلت الدبابات البريطانية إلى ملعب كرة قدم في دبلن خلال المباراة وأطلقوا حمم نيرانهم على اللاعبين والجمهور، وبعد سنة اضطروا إلى الخروج». واختتم بالسؤال: «هل نتعلم نحن الدرس ونقدم حلا جذريا للصراع، الآن قبل الغد؟!».

وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيلون، قد رحب بالفيتو الأميركي وقال إنه يدل على ارتفاع مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة وخفض مكانة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وسلطته. كما رحب به رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة أمس. ولكن الدبلوماسي، ألون فنكيس، القنصل الإسرائيلي العام السابق في نيويورك، كتب يقول إن من يتابع الموقف الأميركي قبل وبعد هذا الفيتو، يتمنى لو لم يكن الأميركيون قد استخدموه. وأضاف أنه يعتقد أن هذا الفيتو، الذي هو الفيتو الحادي والخمسون، الذي تتخذه الولايات المتحدة في تاريخها دفاعا عن إسرائيل، سيكون الفيتو الأخير أو على الأقل أحد آخر المرات التي يستخدم فيها: «فالرئيس أوباما وبشكل مخالف لأفكاره ومبادئه، منع القرار مرغما، نتيجة لحسابات مع إسرائيل واليهود الأميركيين والأوضاع الداخلية، ولكنه ليس راضيا عن ذلك. يشعر أنه مغتصب، وهذا ليس في صالحنا».

وكتب مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت» في نيويورك، يتسحاق بن حورين: «ما أصعب أن تكون إسرائيليا». وحذر: «ممنوع لنا أن نتعطر بالفيتو الأميركي، فإسرائيل لم تعد وحيدة في عزلة، إنها تدفع بالولايات المتحدة أيضا إلى زاوية العزلة الضيقة. وهذا يشدد من عزلتنا، بل يشكل ضربة إضافية لنا قاسية، ويجعلنا مرة أخرى دولة معزولة موبخة، يُنظر إليها على أنها مثل البلطجي الذي يعمل وفق ما يراه صحيحا ولا يصغي لما يقوله له الآخرون». ويحذر بن حورين أولئك الذين يحتفلون في إسرائيل بالفيتو الأميركي، قائلا لهم: «اقرأوا جيدا ما قالته المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، سوزان رايس، فإن يدها المرفوعة ضد إدانة الاستيطان، لم تعبر عن حقيقة موقف بلادها من الاستيطان. إنما قالت بوضوح إن المستوطنات الإسرائيلية في المناطق التي احتلت عام 1967 تمس بأمن إسرائيل وتصدئ الآمال بالسلام والاستقرار في المنطقة. واستمرار هذا الاستيطان يمس بالتزامات إسرائيل الدولية ويهدم الثقة بين الأطراف ويهدد احتمالات السلام».

وقال بن حورين إن هذا الفيتو مضر لإسرائيل لدرجة تجعله يشك في أنه كان عبارة عن مؤامرة عربية: «فقد يكون القادة العرب الدكتاتوريون قد دفعوا بعناد نحو بحث إدانة الاستيطان في الأمم المتحدة، وهم يعرفون أن واشنطن ستستخدم حق الفيتو، بهدف تحويل الغضب العربي الملتهب ضدهم إلى غضب على أميركا».

وكتب المراسل العسكري للصحيفة نفسها، ألكس فيشمان، إن استخدام هذا الفيتو يغلق آذان وأدمغة القادة الإسرائيليين: «إنهم مصرون على أن لا يفهموا الرسالة الموجهة لإسرائيل من واشنطن، والتي تقول: اذهبوا يا أهل الشرق الأوسط إلى الجحيم، ما يهمنا اليوم هو المعركة الانتخابية القادمة في الولايات المتحدة. إذن، لا توجد أية بشرى في هذا الفيتو. الفرحون الوحيدون به هم أولئك الإسرائيليون الذين يريدون الحفاظ على الوضع القائم وأولئك العرب الذين يعارضون مسيرة السلام. هؤلاء هم المنتصرون. أما نحن، الشعوب في المنطقة، فسندفع الثمن باهظا وربما بالدم». وكتب ألوف بن، المحرر السياسي لصحيفة «هآرتس»، أمس، أن نتنياهو نجح في ابتزاز الفيتو من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولكن هذا ليس انتصارا. «فقد بدأت تضيق أكثر وأكثر حلقة العزلة على رقبة إسرائيل، القائمة منذ تسلم نتنياهو الحكم».