شبان يهود أقاموا مع عائلات عربية منذ الخمسينات للتجسس

بهدف معرفة الأجواء بين العرب في إسرائيل

TT

كشفت مجلة عسكرية إسرائيلية، في تقرير لها سينشر في الأيام القريبة، عن قصة مذهلة تعود إلى سنوات الخمسينات من القرن الماضي، ولكن آثارها المأساوية ما زالت ماثلة حتى اليوم، وهي تتحدث عن خطة للمخابرات الإسرائيلية قضت بإرسال 10 شبان إلى العيش مع العرب بغرض التجسس، فتزوجوا من عربيات وولد لهم أبناء، واضطرت الزوجات والأولاد إلى اعتناق اليهودية.

وحسب مجلة «إسرائيل ديفينس»، التي يصدرها المعلق العسكري لصحيفة «معريب»، أمير رففافورت، فإن القصة تعود إلى سنة 1952. ففي حينه كانت المخابرات الإسرائيلية قلقة من كيفية تصرف المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48) في حالة نشوب حرب مع الدول العربية. وعلى الرغم من أنها فرضت حكما عسكريا قاسيا عليهم، وعلى الرغم من أن الدول العربية رأت فيهم مشبوهين، فقد خشيت إسرائيل أن يفاجئوها في الحرب ويناصروا أمتهم العربية. لذلك قررت إقامة وحدة تجسس عليهم، فاختارت عشرة شبان من يهود العراق ودربتهم على التكلم باللهجة الفلسطينية المحلية طيلة سنة، ودرست لهم القرآن الكريم وحفظوا الكثير من آياته، وأرسلتهم للسكنى في القرى والمدن العربية في إسرائيل، تحت غطاء أنهم «لاجئون فلسطينيون هربوا من البلاد في الخارج وتمكنوا من العودة إلى الوطن». وترأس الوحدة ضابط كبير في المخابرات يدعى شموئيل موريا، كان قد اكتسب خبرة في تهجير يهود العراق إلى إسرائيل. وكانت مهمة هؤلاء الأساسية هي الاندماج الكامل بين فلسطينيي 48 وليس التجسس، فقد طلب منهم أن يعملوا فقط في حالة نشوب حرب، فيفحصوا إذا ما كانت هناك قوى تعمل بينهم وتدعو إلى تمردهم على إسرائيل أو تخطط للمشاركة في الحرب ضدها. عمليا، هم خلايا نائمة لا تفيق إلا في أوقات الحرب. وفي حينه شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، مع بريطانيا وفرنسا (سنة 1956)، وتم خلالها ارتكاب مجزرة كفر قاسم الرهيبة، ولم يفعل العرب في إسرائيل أي شيء. لذلك بدأ نقاش داخلي حاد في إسرائيل لوقف نشاط هذه الوحدة وتفكيكها، ولكن القرار بهذا الشأن لم يتخذ بسرعة، وظلت الوحدة قائمة حتى سنة 1964.

والمشكلة الكبرى في الموضوع هي: كيف يستطيع أفراد الوحدة العيش بين العرب كشبان أعزاب؟ فالعادات والتقاليد العربية لا تسمح بذلك. وكان لا بد من أن يتزوجوا، فتقدموا إلى قيادتهم بطلب السماح لهم بالزواج من عربيات. وبما أن اليهودية لا تسمح بالزواج من غير يهوديات فقد كانت هناك حاجة للحصول على فتوى خاصة من المؤسسة الدينية. وقد أعطى الحاخام الرئيسي في الجيش هذه الفتوى، وتزوج جميع أفراد الوحدة العشرة من صبايا عربيات مسيحيات ومسلمات، وجميعهم أنجبوا الأبناء والبنات. واكتملت صورة التمويه الاستخباري، حيث لم يعد مجال لأي عربي أن يشكك في انتماء هؤلاء «اللاجئين» العائدين. واندمجوا بنجاح في صفوف العرب في الجليل والمثلث والساحل.

ولكن عند تفكيك الوحدة دخل أفرادها في مشكلة مأساوية، فقد أرادوا جميعا العودة للعيش في صفوف عائلاتهم اليهودية القديمة، ولكنهم في الوقت نفسه لم يريدوا التخلي عن زوجاتهم العربيات ولا عن أولادهم المسجلين في سجلات الداخلية كمواطنين عرب. وبعد سنتين من التلبك تفتقت أذهان قيادة المخابرات عن الحل التالي: نقلوا جميعا إلى فرنسا مع أفراد العائلة، والتقوا مع مسؤول كبير في المخابرات. وأخبر هذا المسؤول هؤلاء النساء بالحقيقة، وتحول اللقاء إلى نكبة جديدة لهؤلاء النساء. فإذا قررن البقاء عربيات سيخسرن الأزواج وربما الأولاد، وإذا قبلن العرض بأن يصبحن يهوديات فسيخسرن عائلاتهن. وكانت الصدمة كبيرة، والحيرة أكبر، ولكن غالبيتهن اخترن اعتناق اليهودية. وقد أحضر الحاخام الرئيسي للجيش آنذاك، شلومو غورن، ليعلن عن النساء والأولاد يهودا، وعادوا جميعا إلى إسرائيل. ويقول أحد الآباء اليهود إن هذه القضية لم تنتهِ بعد، فمنذ الكشف عنها وجميع الأفراد يعانون من ضائقة نفسية، أولئك الذين اختاروا الاستمرار في العيش معا، وألئك الذين رفضوا وانفضوا. وهم وأولادهم الباقون على قيد الحياة يخضعون للعلاج النفسي حتى يومنا هذا.