طريق سريع يساعد في التوصل إلى حل لمشكلة النزاع على الأراضي في الهند

بعد تعويض الفلاحين ومنحهم نصيبا من المشاريع التي ستبنى على جانبي الطريق

فلاحون يعتصمون في ولاية أوتار براديش ضد مشروع الطريق السريع لضعف التعويضات (نيويورك تايمز)
TT

عندما أعلنت ولاية أوتار براديش عن خططها لمصادرة بعض الأراضي الزراعية لإنشاء طريق برسوم مرور إلى مزار تاج محل تبع الإعلان سيناريو مروع كان متوقعا إلى حد بعيد، حيث قام المزارعون الغاضبون نتيجة لضآلة حجم التعويضات التي حصلوا عليها مقابل أراضيهم بمنع العمل في الطريق. تصاعدت موجة الغضب لتنتهي بمواجهات مع الشرطة، إلى أن وصل السياسيون المعارضون الذين وبخوا حكومة الولاية وقاموا بالتقاط الصور لهم مع الفلاحين.

ما حدث بعد ذلك كان مثارا للدهشة، فبدلا من التحفظ المعتاد قامت الوزيرة الأولى في الولاية بزيادة المدفوعات للفلاحين وعرضت عليهم مساعدات مالية سنوية على مدار العقود الثلاثة المقبلة. كما تعمل السياسة الجديدة على منح الفلاحين نصيبا في المشاريع السكنية التي ستبنى على جانبي الطريق الذي يعرف باسم يامونا إكسبريس واي، ووعدتهم بتوفير وظائف لهم ضمن المشروع.

واليوم، وإن كان بعض الفلاحين لا يزالون غاضبين، عاد المشروع إلى العمل مرة أخرى، وهو ما يعتبر علامة مؤقتة على التقدم الذي أحرزته الهند في النزاع المضني على الأراضي، والذي يعتقد أنه واحد من أبرز التحديات المستعصية على الحل التي تواجه الهند، حيث تبرز المواجهات الغاضبة بين الفلاحين والشركات في كل زاوية في الهند، نتيجة لمأزق حكومة التحالف الوطني في تغيير قوانين الاستحواذ على الأراضي التي كتبت عام 1894 خلال الحكم البريطاني.

وقد عمق هذا الشلل السياسي السخرية الشعبية بشأن قدرة السياسيين الهنود على القيام بتنفيذ أشياء على إنجاز أمور في قضايا أمن قومي بالغة الحساسية. لكن يامونا إكسبريس واي ربما يشير إلى اتجاه أكثر تفاؤلا، فعلى الرغم من توقف الحكومة الوطنية، فإن بعض أفقر الولايات الهندية التي تواجه ضغوطا شعبية متصاعدة لتطوير الإدارة بشأن النمو الاقتصادي تحدث تقدما ملحوظا.

ويقول هيمانشو، عالم الاجتماع في جامعة جواهر لال نهرو، الذي يدرس السياسات الإقليمية: «الكثير من الولايات التي ينظر البعض إليها في الأغلب على أنها غير كفؤة وغير قابلة للحكم هي الولايات التي اتخذت مبادرات جديدة».

وأشار إلى أن سياسة الأراضي الجديدة التي تنتهجها أوتار براديش تدرك أن الفلاحين بحاجة إلى حياة مستقبلية لا مجرد مال لمرة واحدة. فالأرض ليست أصلا يمكنك أن تعيد تنظيمه إنها دخل ثابت بالنسبة لهم.

من ناحية سياسية، فإن أي تطور في الإدارة تقوم به الولايات الهندية الأكثر فقرا، سيكون له أثر واضح في التغلب على عدم المساواة الطاحنة القائمة رغم النهضة الاقتصادية الهندية. فقد تضاعف النمو الاقتصادي في ولاية بيهار الفقيرة بصورة كبيرة بعد تطوير وزيرها الأول ذي التوجهات الإصلاحية للخدمات والإجراءات القوية ضد مخالفة القانون. تعتبر ولاية أوتار براديش التي يقطنها قرابة 200 مليون شخص واحدة من أفقر الولايات في العالم وتحفل بتاريخ طويل من قضايا الفساد في ظل إدارة الوزيرة الأولى مايواتي التي أنفقت ملايين الدولارات على الإنفاق العام لبناء تماثيل لنفسها. لكن في ظل إعادة انتخابها العام المقبل قامت بالتركيز على مشاريع التنمية مثل مشروع الطريق السريع الطموح. ويرى الكثير من المحللين أن الناخبين بدأوا في مقارنة أداء حكومتهم بأداء حكومات الولايات المجاورة وطالبوا بنتائج. ويتباهى المسؤولون في أوتار براديش الذين انتقدوا في بداية الأمر تعامل الحكومة مع مشروع يامونا إكسبريس واي، في الوقت الراهن بأن سياسة الأراضي في ولايتهم لا مثيل لها في الهند.

فيقول فيجاي شنكار باندي، المتحدث باسم ولاية أوتار براديش: «هذه هي أكثر السياسات تحررا في البلاد، فهي لا تتوقف على منح تعويضات وفقط، بل وإعادة تأهيل أيضا. ففي بعض الحالات يفقد الفلاحون أراضيهم، لذا ينبغي توفير فرص عيش بديلة لهم».

جدير بالذكر أن أهم ما يعوق فرص تحول الهند إلى واحدة من أهم الاقتصادات في العالم هو البنية التحتية التي تعتبر أهم نقاط الضعف البارزة، فالدول لا تزال بحاجة إلى الطرق السريعة والموانئ وخطوط السكك الحديدية الجديدة والتي تعوق هذا التقدم.

وقبل أقل من عامين تعهد وزير الطرق كمال ناث بإنشاء 12 ميلا من الطرق السريعة يوميا. لكن كمال نقل إلى وزارة أخرى الشهر الماضي وسط تساؤلات بشأن دعاوى الفساد وسوء الإدارة، فخلال عام 2010 لم تتمكن حكومة كمال من رصف سوى أربعة أميال يوميا فقط.

وسوف يربط طريق يامونا إكسبريس واي العاصمة نيودلهي بولاية أجرا وتاج محل أشهر المزارات السياحية في الهند بمسافة تصل إلى 126 ميلا. وستستغرق المسافة ما يقرب من التسع ساعات بحسب الزحام المروري. ويتوقع أن يوفر الطريق الجديد على السائقين ساعتين، في الوقت الذي يتوقع أن يقوم فيه مطورو العقارات بإنشاء ست مناطق سكنية ومجمعات تجارية على طول الطريق.

لكن المشكلة اندلعت في أغسطس (آب) الماضي بعد قيام الفلاحين في جيكابور بسد الطريق، شاكين من أن تعويضات الأراضي التي حصلوا عليها كانت منخفضة للغاية عن التي دفعت لنظرائهم في أطراف نيودلهي.

علاوة على ذلك، ازداد غضب الفلاحين عندما علموا أن أسعار الشقق في المناطق السكنية المتقرحة أعلى من التعويضات التي حصلوا عليها مقابل الأراضي. وقد تفجرت ثورة الغضب عندما اشتبك الفلاحون مع الشرطة مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم ضابط بالشرطة.

كشف الجدل عن الانتهاكات المتوقعة فيما أصبح يعرف باسم نموذج مشاريع التنمية، حيث تقوم الدولة باستغلال سلطاتها للاستحواذ على الأراضي لصالح شركات الإسكان الخاصة.

في هذه الحالة وافقت «جايبي إنفراتك»، شركة خاصة، على بناء الطريق الذي سيتكلف 2.1 مليار دولار مقابل 6.000 فدان من الأراضي على جانبي الطريق، والتخفيضات الضريبية وعدد من الميزات الأخرى. ومن الممكن ألا يبيع الفلاحون أراضيهم إلى جايبي في السوق المفتوحة، لكنهم يتوقع أن يقبلوا بمستوى تعويضات السوق التي حددتها حكومة الولاية قبل أن تنتقل الأراضي من الاستخدام الزراعي إلى الاستخدام التجاري.

وتقول أشوتوش فارشني، الأستاذ في جامعة براون الذي يدرس سياسات الأراضي في الهند: «أي قطعة زراعية عندما تتحول من أرض زراعية إلى أرض تجارية تتزايد قيمتها عشرة أضعاف. ومن ثم فإن عرض سعر سوقي يصبح بلا معنى حقيقي».

وبالنسبة لمايواتي أشهر سياسية من طائفة داليت (الأطهار)، فقد خلقت الفضيحة انطباعا بأن الولاية سلطاتها المطلقة في قسر الفلاحين على ترك أراضيهم لمساعدة الشركات في الحصول على عائدات بالغة الضخامة.

وتحت وطأة الانتقادات التي تعرضت لها مياواتي من خصومها أعلنت عن سياسة الأراضي الجديدة التي تعتبر كل الأراضي المجاورة للطريق أراضي تجارية وهو ما رفع قيمتها على الفور.

والآن يعيش الفلاحون ممن تقع أراضيهم على جانبي الطريق مشاعر مختلطة، فمجموعة صغيرة من الفلاحين لا تزال تحتج على التعويضات الأعلى التي حصلت عليها قرية بهاتا باسرول، واصطدموا مع الشرطة هذا الأسبوع، أما الفلاحون في جيكابور فقد باعوا أراضيهم بالفعل لصالح المشروع، على الرغم من البعض لا يزالون يواصلون المقاومة أو يفكرون في تنظيم احتجاجات قريبا.

* خدمة «نيويورك تايمز»