الملك عبد الله.. الخروج من دائرة التبعية إلى رحاب التواصل المفتوح بين المجتمعات الإنسانية

شدد على أن نظام بلاده ليس سلطويا محوره الحاكم بل نظام محوره الإنسان

أطفال يطيرون حماما ابتهاجا بعودة خادم الحرمين الشريفين (أ. ف. ب)
TT

عرف عن الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل أن يصل إلى سدة الحكم في بلاده وبعده تمسكه الشديد بالقيم الإسلامية والشمائل العربية الأصيلة. كما عرف عنه حرصه على الاستفادة من أحدث معطيات التقنية الحديثة في مجالات التنمية ومواكبة مسيرة الحضارة العالمية وعطاءاتها، ولكن بعيون مفتوحة، وعقول يقظة، فهو ضد الانبهارات بالثقافات الوافدة التي تستهدف الاستخفاف بالثقافة الوطنية وعزل الأجيال عن ثقافاتها وتراثها وأصالتها. كما أنه ضد الانهزام أو التأثر بموجات التحديث والانسلاخ عن القيم الموروثة، كما أن الملك يؤمن بضرورة التواصل بين مختلف الثقافات واستيعابها، وإرساء مبدأ الحوار الواعي، والخروج من دائرة التبعية الثقافية وصولا إلى رحاب التواصل المفتوح بين المجتمعات الإنسانية.

ودائما يؤكد الملك على أن التراث هو الخلفية الفكرية والحضارية للأمم، وهو قاعدة التطور والارتقاء فلا حياة لأمة بلا تاريخ ولا وجود لشعب بلا حضارة.

وفي حديث عمره 28 عاما يؤكد الملك عبد الله (عندما كان أميرا) على الأسس والمنطلقات التي تقوم عليها بلاده وترجمها في أقواله وأفعاله حيث يشير إلى أن «هي أولا وقبل كل شيء نهج ينطلق من عقيدة إيمانية راسخة في عالم أحوج ما يكون إلى العقيدة السماوية بعد أن امتد طغيان المادة ليشمل أكثر علاقاته، إنها أسس تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله.. دستورا وفكرا ونهجا، وما يقتضيه ذلك من تضامن الدول الإسلامية، لتحقيق العدل والسلام، وإنقاذ الإنسان في العالم.. وهي ثانيا تعتمد على فهم لواقع الحياة والتشريع الدولي، والتزام بما يفرضه هذا التشريع ومنظماته.. وهي ثالثا مبنية على فهم للواقع العربي ومتطلباته، والتزام بما يحقق الخير له، وهي أخيرا تنطلق من فهم عميق.. وإحساس مرهف، وشعور بالمسؤولية نحو تنمية المواطن وتحقيق متطلباته، وخلق مجتمع الرفاهية والعدل».

وبرؤية الخبير يشير الملك في عبارات واضحة تؤكد أن التطور والحداثة هاجسان له: «نحن مجتمع مفتوح على الجميع، التكنولوجيا الجديدة جعلتنا في قلب العالم، بل وجعلت العالم في قلب السعودية... المتغيرات كثيرة، والموازنة بين ما هو موجود وما يجب أن يكون موازنة دقيقة.. الآن هناك عناية بالصناعة والزراعة وإيجاد بدائل للثروة النفطية أو موازن له». مشددا بالقول: «نحن نريد لأمتنا أن تكون أمة حضارة لا أمة مدنية ففي المدينة تطغى السلبيات على الإيجابيات، أما في الحضارة فتنفي الإيجابيات كل سلبية، لذلك فالأمة الحضارية هي دائما أمة معطاءة للتراث الإنساني لا أمة مبددة لهذا التراث.. ويجب أن نفطن إلى خطر استبدال النخوة بالنفعية، واعتبار الشهامة والنجدة والكرم أمورا تدخل في باب الموازنة بين الأرباح والخسائر.. وقد وجدنا في العقيدة أفضل ما يصون تلك الفضائل، وينفي سلبيات المجتمع ويحافظ للأمة على رسالتها الحضارية، ومن خلال المحافظة على جوهرها الذي وصفه العزيز الحكيم حينما قال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)». وفيما يتعلق بربط الحداثة والأصالة يطرح الملك عبد الله نظرته في هذا الجانب من خلال استشهاده بالمؤسسة العسكرية التي رعاها منذ نحو نصف قرن وأسهم في تطويرها بعد أن شهد الحرس الوطني منعطفا مهما في تاريخه بتعيين الأمير عبد الله بن عبد العزيز عام 1962 رئيسا للحرس، ومعه انتقل هذا الجهاز من مجرد وحدات تقليدية من المجاهدين إلى وحدات عسكرية مسلحة بأحدث منتجات العصر ليتحول خلال العقود الماضية إلى مؤسسة حضارية عملاقة وقوة عسكرية متجددة حيث أشار الملك بقوله: «إن الحرس الوطني تجربة رائدة، وفريدة في مضمار القوة العسكرية، ونحن في سعينا نحو تحقيق كل ما من شأنه خير أمتنا وبلادنا في مسيرة البناء، نحرص على تطوير كل جوانب الحياة فيها.. والحرس الوطني واحد من القطاعات التي نهدف إلى تطويرها لتصل المستوى الأحدث والأفضل، في مجال التدريب والتسليح والشخصية العسكرية التي تكون درعا واقية لهذه الأمة وأهدافها وتطلعاتها، وتحقيق الأمن لشعبها..، إن مسيرة التطور لا تقف عند حدود أبدا، وفي القوات المسلحة بشكل خاص فإن التطور في التسليح والتدريب نتيجة للتجديد المتواصل في المنتجات العسكرية لا يتوقف، وكل ما نأمله هو تحقيق التطور بما يتلاءم مع أحدث الأساليب والوسائل التي أنتجها العلم الحديث ضمن حدود الأهداف التي ذكرت».

ويشدد الملك في خطاب وجهه للأمة العربية والإسلامية قبل 22 عاما بمناسبة عيد الفطر على أن مسيرة التطور لا تقف عند حدود ليلتقي أقدم القديم بأحدث الحديث: إن ما حولنا من عالم بارد، ومثقل بأعباء الشيخوخة وهواجسها، ليبرهن على أن ديننا بنظامه، ينفرد من بين كل الأديان والأنظمة، بتنسيق بين شؤون المادة وشؤون الروح، وتوفيقه بين سلطات الدولة وحقوق المواطن، فنظامنا كما تعلمون ليس نظاما سلطويا محوره الحاكم، بل نظام إنساني محوره الإنسان، إنه نظام الوسطية والوسط، فلا تطرف ولا جمود، ولا جموح، ولا قعود، بل استمساك بتراثنا، وتفاعل بحاضرنا، وانفتاح على عالمنا، والأخذ بالصالح ونبذ الطالح، والتصدي بعزيمة المؤمن لكل ما يخالف جوهر الإسلام.