«كريزما» عبد الله بن عبد العزيز.. إنسانية أجبرت الجميع على محبته وأطروحاته وشفافيته أكسبته احترام العالم

السعوديون يفتحون قلوبهم احتفاء بعودة قائدهم للوطن بعد رحلة علاجية وفترة نقاهة

الأمير سلمان بن عبد العزيز يستأذن خادم الحرمين الشريفين بمغادرة مطار الملك خالد الدولي بعد أن استقبل جموع المهنئين بسلامة الوصول (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

فتح السعوديون والمقيمون على أرض مملكة الإنسانية قلوبهم للاحتفاء بعودة قائدهم بعد رحلة علاجية وفترة نقاهة متنقلا بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية والمغرب تجاوزت الأشهر الثلاثة وتكللت بالنجاح.

واستعاد الشعب السعودي والمقيمون على أرض المملكة إنجازات الملك التي رأوها تتحقق خلال فترة قصيرة منذ تقلد مقاليد السلطة في بلاده قبل ست سنوات وقبلها عندما كان وليا للعهد وعضدا لأخيه الراحل الملك فهد بن عبد العزيز.

ويملك الملك عبد الله بن عبد العزيز (كريزما) خاصة جعلته محبوبا ومؤثرا، حيث تميز بأطروحاته الواضحة وصراحته وشجاعته في مواجهة الأحداث، كما رسم سياسته في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، وعرف بحرصه على إحقاق الحق الذي أصبح هاجسه، وإرساء العدل مطلبه، والتطور والحداثة هاجسين له، ففي قصر الحكم في الرياض وبالتحديد عام 1343 هـ الموافق عام 1924م فتح «عبد الله بن عبد العزيز» عينيه لأول مرة على ملحمة البطولة والوحدة، وقد رآها تتحقق على يد والده القائد المؤسس مما أثر على الأمير ودفعه إلى التعلق بمآثر العرب وبطولاتهم، ليصبح فيما بعد سادس ملوك الدولة السعودية الحديثة وأحد قادة العرب البارزين والمؤثرين والرقم الصعب في العديد من المواقف والأحداث، وحول بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية الراهنة بحقائقها التي لا تنفصم فيها عرى الاقتصاد عن السياسة.

وجاءت إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من خلال منظومة متكاملة من المشاريع والقرارات وغطت جوانب مختلفة والتي أقرها لتستهدف أعلى درجات النمو البشري والحضاري والاقتصادي للإنسان السعودي، بل طالت هذه الجوانب الإنسان في كل مكان دون اعتبار لجنسيته أو ديانته.

ومن الصعوبة تحديد المشروع الذي يعد (درة التاج) في هذه المنظومة، لكن يمكن الجزم بأن تنمية الإنسان وتأهيله لمواجهة تحديات الفقر والبطالة والانغلاق والجهل وضيق الأفق كانت هدفا لملك الإنسانية وهاجسا له منذ أن دخل معترك السياسة إلى أن وصل إلى سدة الحكم كسادس ملوك الدولة السعودية الحديثة، وتوج ذلك بإقراره منظومة من المشاريع والقرارات والإسهامات المختلفة، لعل أهمها ما حملته خطة التنمية التاسعة من رؤى وما اشتملت عليه من مضامين كان الإنسان السعودي فيها هو محور التنمية، وقد خصص لهذه الخطة التي تغطي الأعوام ما بين (2010 وحتى 2014م) مبالغ تصل إلى 1.4 تريليون ريال وتهدف إلى تسريع عملية التنمية وترسيخ استدامتها، وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة، والاستمرار في تحسين مستوى معيشة المواطنين والارتقاء بنوعية حياتهم، والعناية بالفئات المحتاجة من أفراد المجتمع، وتقليص معدلات البطالة والوصول بها إلى أدنى مستوى ممكن.

وجاءت الخطة لتواصل مسيرة الخطط السابقة، وذلك من خلال توجهات الدولة وثوابتها والمتمثلة في الإسهام ببناء حضارة إنسانية في إطار القيم الإسلامية السمحة بمثلها الأخلاقية الرفيعة، وترسيخ أسس الدولة وهويتها وإرثها العربي والإسلامي، والمحافظة على الأمن الوطني الشامل، وتعزيز الوحدة الوطنية ودعم مقوماتها، وضمان حقوق الإنسان، والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز رسالة الأسرة في المجتمع، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة.

وتستند هذه الخطة في صياغة توجهاتها على الرؤية المستقبلية بعيدة المدى للمملكة حسبما عبر عنها في الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني حتى عام 2024 من جهة، وعلى ما حققته خطة التنمية الثامنة من تقدم في هذا المجال من جهة أخرى.

وتشير وزارة الاقتصاد السعودية إلى أن الخطة تستند في توجهاتها إلى أهدافها العامة التي اشتملت على تسريع عملية التنمية وترسيخ استدامتها، وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة، والاستمرار في تحسين مستوى معيشة المواطنين والارتقاء بنوعية حياتهم، والعناية بالفئات المحتاجة من أفراد المجتمع، وتقليص معدلات البطالة والوصول بها إلى أدنى مستوى ممكن.

وشملت هذه الأهداف كذلك تنمية القوى البشرية الوطنية ورفع كفاءتها، وتعزيز إسهامات القطاع الخاص في عملية التنمية، ودعم التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، ورفع معدلات نمو الاقتصاد السعودي وكفاءة أدائه، وتحسين قدراته التنافسية في ظل مستجدات الواقع العالمي الذي تسوده اتجاهات العولمة وتشتد فيه المنافسة القائمة على المنجزات في حقول العلوم والتقنية، وتتبنى الخطة 13 هدفا عاما.

وقد أطلق الملك عبد الله مشاريع لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق من خلال مبادرات لافتة تتمثل في الحوار الوطني، والحوار بين الأديان، وحوار الثقافات. وقد برزت أهمية المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان، والتي نظم من أجلها عددا من المؤتمرات العالمية كان أهمها المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار.

وسجل الملك عبد الله إقراره لمشاريع تحديث وتطوير عنصرين مهمين لعلاقتهما بالإنسان وهما القضاء والتعليم بهدف تحقيق العدالة وتنمية وتأهيل الإنسان.

ففيما يتعلق بقطاع التعليم، يمكن تحديد المشروع التعليمي لخادم الحرمين الشريفين، الذي يتشعب لثلاث شعب، أولاها تطوير وتوسيع التعليم العام والعالي في السعودية. والثاني، برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والثالث، بناء وتشييد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول بالقرب من جدة، كأول وأهم جامعة تقوم على أساس البحث العلمي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إنشاء أكبر جامعة في العالم مخصصة للبنات وهي جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في مدينة الرياض.

وقد قفز عدد الجامعات في السعودية، منذ تسلم الملك عبد الله مقاليد الحكم، إلى 33 جامعة، منها 26 جامعة حكومية و7 جامعات أهلية، بالإضافة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؛ مع نحو 20 كلية أهلية، بعد أن كانت 11 جامعة.

وتجسدت إنسانية الملك عبد الله في توجيه بإجراء نحو 30 عملية لفصل التوائم من 14 دولة أوروبية وآسيوية وأفريقية على حسابه الخاص ومعها تربع بلاده على عرش فصل التوائم عالميا، حيث قام فريق جراحي يتكون من نحو 300 متخصص برئاسة وزير الصحة السعودي الدكتور عبد الله الربيعة بإجراء هذه العمليات لفصل أطفال توائم من العراق وعمان ومصر والسودان والسعودية وبولندا والكاميرون، وتابع العالم إجراء هذه العمليات التي تكللت بالنجاح.

ويعد الملك عبد الله بن عبد العزيز سليل أسرة عربية أصيلة جذورها ضاربة في الأعماق، فهو ابن الجزيرة، وابن الصحراء، وابن عبد العزيز الملك والإنسان الموحد، أما خؤولته فمن رؤساء عشائر شمر فجده لوالدته هو العاصي بن شريم، فارس نجيب من فرسان العرب وأحد شيوخ قبائل شمر، وكذا كان خاله مطني بن العاصي بن شريم.

أما والدته فهي «الفهدة» بنت العاصي بن شريم تزوجها الملك عبد العزيز وسكنت في قصر الحكم بالرياض، وقد ولدت له الأمير (الملك) عبد الله والأميرة صيته والأميرة نوف، وقد توفيت في هذا القصر.

عاش عبد الله بن عبد العزيز في كنف والده مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز فتشرب صفات العروبة من إباء وكرم ونجدة، فهو عنصر عربي أصيل بكل ما تحمله الأصالة من معنى، حيث علقت أحداث تلك المرحلة التاريخية بذهنه، وهي مرحلة مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب التطورات السياسية في الوطن العربي، وفي العالم أجمع إبان الحربين العالميتين.

نشأ الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ طفولته في محيط القيادة الواعية، والعقيدة الإسلامية السمحة، في عمق وصفاء، وشمائل عربية متعددة من الرجولة والصدق، وقوة الإرادة، ونقاء السريرة والشجاعة، فمعلمه الأول هو الملك عبد العزيز الذي أثر فيه تأثيرا واضحا، وأفاد الملك عبد الله من مدرسة والده وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة، وتلقى تعليمه ملازما لكبار العلماء والمفكرين الذين عملوا على تنمية قدراته بالتوجيه والتعليم أيام صغره لذلك كان وما زال حريصا على التقاء العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد سواء داخل بلاده أو خارجها. كما أن الدعامة الثانية في تكوين شخصيته هي ثقافته التي استمدها من قراءاته المختلفة في جوانب العقيدة والفكر والثقافة والسياسية والتاريخ، حيث إن للملك عبد الله اهتمامات خاصة وكبيرة بالأدب والأدباء وله علاقات وثيقة بكثير من الأدباء، حيث يرى أن في الكتاب طريقا لفهم ثقافة العصر ونظرياته وأفكاره وعلومه التي لا تنتهي، وهذا ما جعله يهتم بالكتاب وأهل الثقافة، وكان من نتاج ذلك أن أسس مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض. كما أسس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء في المغرب، وتأكيدا على اهتمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بالثقافة فقد أنشأ قبل ربع قرن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) فهو صاحب فكرة المهرجان الذي أصبح يقام سنويا وتشارك فيه كل الفعاليات الثقافية والتراثية من مختلف أنحاء السعودية ويدعى إليه كثير من المفكرين والعلماء والمثقفين في جميع أنحاء العالم.

تعددت هوايات الملك عبد الله التي لازمته منذ الصغر وحتى اليوم ما بين القراءة والسباحة وممارسة رياضة المشي والفروسية، كما برز الملك باستخدام الأسلحة المختلفة ويعد من الرماة المشهورين، كما يجيد الملك لعبة البوليز.

ويميل الملك عبد الله بطبعه إلى البساطة في العيش، فهو يرى نفسه دائما بين البسطاء من الناس، لا يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه طريقا، طاهر النفس، ومتسام مع مكارم الأخلاق، يتعامل مع الآخرين بكل رحابة صدر، وينصت لمحدثه بكل هدوء فيوحي له بالاطمئنان، إن تحدث أوجز، وإن قال فعل، فهو مع إحقاق الحق ومناجزة الباطل، رافقت طفولته وصباه الصفات العربية، يهوى الصحراء وقد أمضى جزءا من شبابه خارج المدن في الصحراء ولا يزال يخرج إليها كلما وجد متسعا من الوقت، وتعد روضة خريم مقرا موسميا له وخصوصا أيام الربيع والشتاء.

ويعد الملك عبد الله من الشخصيات النادرة في الوطن العربي التي تتعامل مع الأحداث بكل الصراحة والوضوح والحكمة والاعتدال، والشجاعة في مواجهة المواقف، كلماته تخرج حاسمة من نفس مؤمنة بما تقول وتعتقد. يحترم الملك عبد الله من يتعامل مع بلاده بالندية، فكرامة وطنه ينبغي ألا تمس، فالعالم وجد ليتعاون، والمهم أن يكون التعاون متكافئا، كما يؤمن الملك عبد الله بالوحدة والتضامن ويشعر بالألم حيال الذين يظهرون خلاف ما يبطنون في الساحة العربية، في وقت تحقق فيه المطامع الدولية أهدافها في العالم العربي.

وتمكن الملك عبد الله أن يضع بلاده خلال سنوات قليلة من عمر الدول والشعوب في مصاف الدول ذات الحضور السياسي والاقتصادي اللافت على مستوى العالم، كما أصبح رقما صعبا في كثير من المواقف والأحداث، وتميز بأطروحاته الواضحة وجرأته في الكثير من المواقف والرؤى.

واختصر الملك عبد الله بن عبد العزيز نهج هذه البلاد منذ مرحلة التأسيس وحتى اليوم عندما وضع منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم في البلاد، الأداء السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والفكري في بلاده التي واجهت صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ظروف وأحداث طالت الجميع. ورسم الملك الذي تحل الذكرى الخامسة لتوليه مقاليد الحكم اليوم الأربعاء ملامح سياسته الخارجية في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، حيث استهل الملك عبد الله عهده في خطاب البيعة التاريخي بالتأكيد على أن شغله الشاغل هو إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، كما توجه إلى المواطنين في الخطاب طالبا منهم أن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة وألا يبخلوا عليه بالنصح والدعاء.

وترجم الملك عبد الله سادس ملوك الدولة السعودية الثالثة التوجهات والأسس التي قام عليها الكيان العظيم من خلال خطاب البيعة الذي أكد فيه على اهتمامه بجميع القضايا المعاصرة محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا وحمل فيه هواجسه تجاه رسم طريق مستقبل البلاد والأمة.

وقال الملك: «إن التاريخ علمنا أن الفترات التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة وأن فترات الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء، ومن هذا المنطلق فإن كل جهد سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا يقرب بين أبناء الأمة هو جهد مبارك مشكور وكل جهد يزرع بذور الفتنة والشقاق هو نكسة تعود بنا إلى الوراء».

وأطلق الملك عبد الله بعد أيام من توليه مقاليد السلطة في البلاد مبادرات لصالح الوطن والمواطنين والأمة تمثلت في إنشاء المدينة الاقتصادية برابغ التي حملت اسمه وتعد الأكبر في العالم في قيمتها الاستثمارية والفرص التي ستتيحها للاقتصاد الوطني. كما أطلق مدنا اقتصادية أخرى في مناطق مختلفة من البلاد باستثمارات وصلت إلى أرقام فلكية، بالإضافة إلى تبنيه قرارات تتعلق بتحسين ظروف المواطنين والمقيمين من خلال زيادة رواتب الموظفين وزيادة مخصصات المستفيدين من الضمان الاجتماعي ومخصصات المتقاعدين وخفض أسعار الوقود. كما استهل الملك عبد الله عامه الأول في الحكم بزيارات تفقدية لعدد من مناطق المملكة ليتلمس فيها احتياجات المواطنين والاستماع إلى همومهم وآمالهم، ودشن خلال هذه الزيارات مشاريع اقتصادية وصحية وإسكانية وتعليمية ستعود بالأثر الإيجابي والكبير على واقع ومستقبل البلاد.

وإذ استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحقق توازنا بين الداخل والخارج فيمكن القول إن الملك عبد الله أصبح القائد المدافع عن قضايا الأمة. كما نجح بحكمته في أن يخرج علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي وضعتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم الأخرى التي هي الأخرى اكتوت بناره.

وحمل الملك عبد الله شعار «دبلوماسية التنمية» واستطاع بحنكته وحكمته أن يجعل من هذا الشعار واقعا ملموسا لخدمة اقتصاد البلاد وتحقيق التنمية في الداخل، إذ استكمل في عامه الأول من توليه مقاليد الحكم في البلاد ما بدأه منذ سنوات عندما كان وليا للعهد من خلال استثمار علاقات بلاده بالدول الأخرى في مجال تبادل المصالح الاقتصادية وعقد شراكات وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع الشرق والغرب. ولعل جولاته التي شملت الصين والهند وهونغ كونغ وماليزيا وباكستان قد أثمرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما فتحت هذه الجولات أمام قادتها وفعالياتها السياسية ملفات دولية حساسة، خصوصا تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط وما يجري في أرض العراق وفلسطين. كما تحركت الدبلوماسية السعودية لاحتواء الأزمة التي تفجرت في لبنان.

وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية - العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب، الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو.

وحمل الملك عبد الله توجهات رائدة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، حيث أعلن قبل سنوات عن توجه جاد لعلاج مشكلة الفقر في بلاده، بعد زيارته المشهورة لعدد من الأحياء الفقيرة في العاصمة السعودية الرياض، وتم على أثرها تبني سياسة لمحاربة الفقر في البلاد. كما سعى إلى إطلاق الحوار الوطني الذي جمع أطياف المجتمع السعودي السياسية والمذهبية في اللقاءات المتعددة، التي أقيمت لتحقيق أهداف هذا الحوار، من خلال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. كما أطلق المبادرة العربية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من القدس الشرقية، مقابل السلام مع إسرائيل. كما كان الملك عبد الله جريئا في دعمه للانتفاضة الفلسطينية واستخدامه للغة مختلفة في التعبير عن دعمه لها، إبان انطلاقتها في عام 2000.

وحرصت السياسة السعودية على دعم التضامن الإسلامي والعربي، وتعميق الروابط الأخوية القائمة بين الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين دول العالم الإسلامي وشعوبها في إطار المؤتمرات الإسلامية. ومن أجل هذا زار الملك عبد الله بن عبد العزيز البلاد العربية والإسلامية، وحضر بعض المؤتمرات، ومثل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية، ولأن بلاده لها وزن كبير في المجتمع الدولي ومكانتها في هيئة الأمم المتحدة، ودول عدم الانحياز، ولها دور فعال في مجالات المال بين الشمال والجنوب.

وحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.

وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز، دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. كما تمكن بحنكته ومهارته في القيادة، من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قويا للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. وحافظت المملكة على الثوابت، واستمرت على نهج الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فصاغت نهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وكان من أول اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز، تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب. فكانت زياراته المتواصلة لعدد من مناطق ومدن ومحافظات ومراكز المملكة، حيث استقبل من قبل أبنائه المواطنين، استقبالا يفوق الوصف والتعبير، يبرز مدى ما يكنه أبناء هذا الوطن له من حب ومودة.

وفي كل مرة يزور فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إحدى المدن، يحرص على أن يشارك أبناءه المواطنين مناسباتهم العلمية والشعبية والرياضية، ويقضي بينهم، رغم مشاغله وارتباطاته، أوقاتا طويلة يستمع إلى مطالبهم ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم بصدر رحب، وحكمة وروية بالغتين.

ويأتي استقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلماء والمشايخ وجموع المواطنين كل أسبوع، في مجلسه وكلماته لهم في كل مناسبة، ليضيف رافدا آخر في ينبوع التلاحم والعطاء في هذا البلد المعطاء.

أما استتباب الأمن في البلاد، فهو من الأمور التي أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جل اهتمامه ورعايته منذ وقت طويل، وكان تركيزه الدائم على أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية من أهم المرتكزات التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية.

وفى إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم.

وفي إطار تصدي المملكة العربية السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي نظمته المملكة العربية السعودية، ممثلة بوزارة الخارجية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في مدينة الرياض خلال الفترة من 5 - 8 فبراير (شباط) 2005، وقد دعا في المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يكون العاملون فيه من المتخصصين في هذا المجال، والهدف من ذلك تبادل وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث وتجنبها، إن شاء الله قبل وقوعها.

وعلى صعيد السياسة الخارجية حرص على اتخاذ المواقف الإيجابية التي تستهدف دعم السلام العالمي ورخاء العالم أجمع، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما حرص على دعم التعاون بين الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم. وجاءت زياراته العديدة للدول العربية والإسلامية والصديقة، لتشكل رافدا آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة، وحرصها على السلام والأمن الدوليين. وأجرى محادثات مطولة مع القادة والمسؤولين في هذه الدول، استهدفت وحدة الأمة العربية وحل الخلافات، إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الشقيقة. وكانت بفضل الله، زيارات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي، والأمن والسلام الدوليين. كما تصدرت قضايا الاقتصاد والتعاون التنموي، موضوعات زياراته، وفتحت آفاقا جديدة ورحبة من التعاون بين المملكة وتلك الدول.

ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة، تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث استمر على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.

وفي هذا الإطار قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ، عرف باسم مشروع الأمير عبد الله بن عبد العزيز، قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، وقد لاقت هذه المقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها تلك القمة. كما اقترح في المؤتمر العربي، الذي عقد في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم انتفاضة القدس، برأس مال قدرة مليارا دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا في الانتفاضة. وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق الأقصى، يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

وتبنى الملك مبادرات لإصلاح الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد انطلاقا من عروبته وإسلاميته، كما نجح في رأب صدع العلاقات بين الدول أو داخل العناصر المتنازعة في الدولة الواحدة.

وسجلت الأعوام الستة الماضية التي تولى فيها الملك عبد الله مقاليد السلطة لبلاده امتيازات لافتة وحضورا فاعلا له على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما جعله أحد أبرز دعاة السلام والحوار والتضامن وتنقية الأجواء ومنحه ذلك جوائز متعددة من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية. ونجح الملك عبد الله في تحقيق إصلاحات شاملة على كافة المستويات، حيث واصل حمل لواء الإصلاح وسعى إلى تكريسه كمنهج في مسيرة التنمية الشاملة في بلاده وفي مسيرة العمل العربي المشترك إضافة إلى تبنيه برامج الحوار بين الحضارات والديانات مما عزز من مكانة ودور بلاده في الشأن الإقليمي والدولي سياسيا واقتصاديا وفكريا وإنسانيا.

فعلى المستوى المحلي، أكد الملك عبد الله أن بلاده ماضية في تحقيق الإصلاح والسعي لتكريسه كمنهج في مسيرة التنمية.

وعلى المستوى العربي نجح الملك عبد الله في إعادة اللحمة إلى العلاقات العربية عندما شدد أمام القادة العرب في مؤتمر القمة الذي عقد بالكويت في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 وأعلن فيه عن تبرع بلاده بمليار دولار لإعادة إعمار غزة وضرورة تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ ومواجهة المستقبل ونبذ الخلافات، مؤسسا بذلك مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي ضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين عبر انتهاج أسلوب الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة لدرء التهديدات والأخطار وتجنب الصراعات المدمرة وحل المشاكل بالطرق السلمية. كما طرح الملك مبادرات استحق معها أن يسجل اسمه الأفضلية والأسبقية فيها، ولعل أبرزها منحه جائزة البطل العالمي لمكافحة الجوع لعام 2009م في احتفال كبير أقيم في مدينة دافوس السويسرية بمشاركة عدد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية والشركات الكبرى.