محمد بن غلبون لـ«الشرق الأوسط»: القذافي سيتوجه إلى سرت إذا فقد السيطرة على طرابلس

رئيس الاتحاد الدستوري الليبي: سيناريو التدخل الخارجي مستبعد.. والحديث عن إمارات إسلامية موجه للغرب

محمد بن غلبون
TT

لم يستبعد محمد بن غلبون، رئيس الاتحاد الدستوري الليبي، المناوئ لنظام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، أن يتجه القذافي إلى مدينة سرت إذا ما فقد سيطرته على العاصمة الليبية طرابلس، معتبرا أن التدخل الخارجي في الأزمة الليبية هو خيار غير مقبول وبعيد الاحتمال.

وقال بن غلبون، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن تهديدات القذافي بتحول ليبيا إلى إمارات إرهابية يسيطر عليها الإسلاميون وتنظيم القاعدة، تستهدف فقط إثارة قلق ومخاوف الغرب، مؤكدا أن هذا السيناريو غير وارد على الإطلاق.

وفيما يلي نص الحديث.

* كيف ترى مستقبل الأزمة في ليبيا؟ وهل ستطول؟

- الثورة الليبية في بدايتها. وقد تحرر الشعب الليبي من قيود الرعب التي كبلته لعدة عقود. فكسر حاجز الخوف وتجرأ على أن يبصق في وجه جلاده، لذا لم يعد لديه خط رجعة. وذلك ما غاب عن القذافي الأب وابنه عندما وعد سيف بدستور وحكومة مدنية خلال 48 ساعة، وطلب من الجميع إخلاء الشوارع والعودة إلى بيوتهم من دون أن يعدهم بالأمان. وهو ما زاد من تأكيد أن القدرة العقلية للوالد والولد محدودة وغير قادرة على استيعاب الموقف وتقييم حقيقة الورطة التي هم فيها، وإلا لأدركوا أن الشعب الذي خرج ليتحداهم وهو أعزل لن يخلي لهم الطريق بعد أن تمكن من مخازن أسلحة المعسكرات التي غزاها، لتعتقل أجهزته الأمنية أبناءه وتشنقهم في الميادين كما حدث في 1976 و1984.

* كيف ترى خطاب القذافي الأخير؟

- الموقف الإرهابي الذي أظهره القذافي خلال خطابه هو ما سيحول هذه الثورة إلى أزمة، ما لم تمارس ضده ضغوطات دولية فعالة وفورية. لأن قوة القذافي التي يستمد منها هذه الثقة تتكون من كتائب أبنائه الأمنية، ومن القوات الضاربة التي فيما يعرف في ليبيا بالمنطقة الوسطى. وقد انتصر الشعب على الكتائب الأمنية إلا أن المنطقة الوسطى ما زالت خارج المواجهة حتى الآن.

* وكيف حدث هذا؟

- دعني أحدثك عن المنطقة الوسطى. إنها كما تسميتها، وسط البلاد حيث موطن قبيلته (القذاذفة) وحلفائها الكثيرين من القبائل المحيطة بتلك المنطقة التي عاصمتها سرت. وأنفق القذافي مبالغ خيالية خلال العقدين الماضيين لربط قبائل المنطقة بتحالفات مع قبيلته، فأجزل لهم العطاء ومكنهم من المناصب، وأنجز لهم كل ما طلبوا من خدمات وتسهيلات ومزايا عن بقية فئات الشعب، كما جعل من سرت عاصمة على أحدث طراز تتوفر فيها جميع ما تحتاجه عاصمة مهمة، وهي البعيدة عن كل شيء في وسط البلاد، التي توجد بها عواصم عريقة مثل طرابلس وبنغازي، وكان ذلك مثار تعجب الناس ولا يجدون له تفسيرا مقنعا، وقد بدا وكأنه يجعل من تلك المنطقة إقليما رابعا يضاف إلى أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان.

ولكنه كان يعد المنطقة لمثل هذه الظروف، فبالإضافة لما ذكرت فإنه أنشأ بها قاعدة جوية كبيرة وميناء بحريا متطورا، وأسس فيها أكبر قوة ضاربة في البلاد جُل جنودها من أفراد قبيلته وحلفائها، وتتمتع هذه القوة بأحسن تدريب وإعداد وعدة وعتاد، وتنعم كذلك بأحسن الأوضاع المالية في البلاد.

فهو اليوم لا بد أن تراوده خيارات، أحدها أنه قد يلجأ إلى قواته في المنطقة الوسطى لفرض سيطرته على المدن والمناطق التي رفضته وثارت عليه، وهذه هي الحرب الأهلية الوحيدة التي يمكن أن تقوم. أي بين غالبية الشعب الثائر بقبائله ومدنه التي تفصلها مساحات شاسعة تمنعها للأسف من التكتل وتوحيد الصفوف والجهود في مواجهة القوات الموالية للقذافي، التي ستكون من قبيلته وحلفائها الذين سيطالبهم الآن بالوفاء بالتحالفات التي قبضوا ثمنها مسبقا.

* وهل بقيت لدى القذافي أي خيارات أخرى محتملة؟

- الخيار الآخر الذي قد يلجأ إليه هو أن ينتقل من طرابلس، متى فقد السيطرة عليها، إلى سرت.. فتحتل قواته مصافي النفط وموانئ تصديره في البريقة والسدرة ورأس لانوف القريبة من المنطقة الوسطى، والبعيدة عن أي تجمع سكاني آخر. ويجلس على عرش إمارة صغيرة في وسط البلاد، تتحكم في بترول البلاد كله. لها قوة ضاربة منظمة ومدربة ومجهزة آخر تجهيز، ويترك بقية البلاد لتحترق بنيران ثورتها بلا ماء ولا كهرباء ولا أي شكل من أشكال النظام ليدير شؤونها.

* على أي شيء يراهن هنا؟

- سيراهن على أن شركات البترول ستخدمه حرصا على مكاسبها، كما ستتعامل معه دول الغرب، كما عودته من قبل، لعدم رغبتها في الاستغناء عن بتروله في هذه الظروف المالية المتأزمة التي تخيم على اقتصادها، وعندها ستطول الأزمة وتتفاقم.

الاحتمال الكبير هو أن يرفض أفراد قبيلته إيواءه وتنفيذ أوامره. وذلك أمر غير مستبعد ولا مستغرب، فقد جهروا له بنفورهم من ممارساته أكثر من مرة في العقدين السابقين، وعاقب الكثير ممن تجرأوا على شجب مخططاته. فقبيلة القذاذفة واحدة من مكونات الشعب الليبي ذات الرصيد العريق في البلاد، التي رفعت السلاح، في تحالف تاريخي مع قبيلة ورفلة، في وجه طغيان الدولة القرمانلية عندما زاد جورها واستبدادها بأبناء الوطن.

كذلك فإنه إذا اقترب الخطر من ذاته، فإنه سيفقد رباط جأشه الزائف لما عُرف عنه من جبن وعشق لنفسه، وعندها سيفر ويخلي الساحة.

* هل تتوقع حدوث تدخل خارجي؟

- التدخل الخارجي أمر غير مقبول، وكذلك فهو بعيد الاحتمال بعد افتضاح أمر الحرب على العراق وفشل تلك التجربة.

* من في تقديرك يدير الثورة في الداخل؟

- الأمر الرائع في هذه الثورة المباركة في ليبيا هي أنها فاجأت حتى المواطنين الذين أشعلوها. فلا أحد كان يتوقع سرعة اشتعالها ومبلغ قوتها. وهي ثورة زخمها منها، لم يخطط لها في الخارج ولا تسير منه.

* ماذا عن مواقف المعارضة الليبية بالخارج؟

- إن المعارضة الليبية في الخارج تسير الآن خلف هذه الثورة وتدعمها وتساندها، ولكنها لم تشعلها ولا نفوذ ولا تأثير لها عليها.

* كيف ترى مواقف سيف الإسلام نجل القذافي؟

- لقد أضاع الولد فرصته الأخيرة في حكم ليبيا بكلمته التي ألقاها الأحد الماضي والموقف الذي اختاره. فكل مجهوداته خلال السنوات الماضية للظهور بمظهر الوجه الناصع للنظام ذهبت أدراج الرياح، ورأى الليبيون بوضوح وتيقنوا من أنه ليس إلا الوجه الآخر لنفس العملة الصدئة. فعندما هدد أبناء الشعب وتحدث لهم بسبابة إصبعه، كما لو أنهم كانوا عبيده، رأى الناس نفس الصلف والغطرسة والجبروت التي خبروها جيدا في أبيه؛ فقد برهن على أنه شخص لا يمكن الثقة به ولا الاعتماد عليه، بالإضافة للأخطاء الفادحة في تقدير الأمور التي بينت أنه أبعد ما يكون عن رجل الدولة الكفء الذي يمكن أن يحكم البلاد.

* هل تتخوف من سيطرة الإسلاميين، كما يقول القذافي وابنه، على مقدرات الأمور لاحقا؟

- أعتقد أن التهديد بتشرذم البلاد وتحولها إلى إمارات إسلامية كان موجها بالدرجة الأولى إلى الغرب لترويعه من وقوع ما يحتاجه من نفط في يد المتطرفين، وحثهم على التمسك به، لأن الليبيين يعرفون جيدا أن هذا السيناريو غير وارد على الإطلاق، ولا مؤشرات ولا بوادر لاحتمال حدوثه.