الوجه الآخر لـ«يوم الغضب» العراقيون يتبضعون لأيام

مظاهرات اليوم قد تصبح علامة فارقة في توجيه الشعب

TT

اختفت أمس وإلى حد كبير الكثير من المظاهر التي ترافق يوم الخميس الذي يسبق العطلة الأسبوعية في العراق. فالمحال التجارية في كبريات المناطق في بغداد بدأت تقفل أبوابها في وقت مبكر وبدت حركة المرور أكثر انسيابية وهو في العادة مؤشر على وجود شيء ما. فالحركة اليومية في شوارع بغداد ما عدا أيام الجمعة والعطل الرسمية تبدو خانقة جدا بسبب كثرة السيطرات والحواجز ونقاط التفتيش وقطع العديد من الطرق الرئيسية مما يجعل الشوارع تشهد زحاما خانقا لا سيما عصر يوم الخميس الذي يشهد في العادة العديد من حفلات الزفاف ومواكب السيارات التي ترفع أصوات منبهاتها للإعلان عن وجود مناسبة فرح.

العراقيون الذين عرفوا الحزن عبر تاريخهم وهو ما يؤكده موروثهم الديني والغنائي معا فإن أبناء هذا الجيل الذي ولد بعد عصر الانقلابات والحروب كان من أكثر الأجيال التي اكتوت بنيران الحروب والمشكلات. وفي الأقل فإنه طوال العقود الأربعة الماضية فإن العراقيين كانوا قد دخلوا منذ ثمانينات القرن الماضي سلسلة من الحروب والحصار ومن بعده الاحتلال وما ترتب عليه من اقتتال طائفي وصولا إلى تردي الخدمات وتصاعد وتيرة الفساد المالي والإداري. وفي وقت بدت الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد مطمئنة تماما من منطلق أنها جاءت إلى العراقيين بالديمقراطية فإن كل المحاولات التي كان يقوم بها الناس وبشكل خجول للمطالبة بحقوقهم على الأقل من خلال بعض وسائل الأعلام كان يجري امتصاصها في سياق التعبير عن حرية الرأي والتعبير. لكن رغم كل محاولاتها لم تجد الطبقة السياسية العراقية مخرجا معقولا مما وقعت فيه من أزمة بكونها ليست مشمولة مما يجري لكونها صاحبة الديمقراطية الأولى التي ألهمت شعوب المنطقة. لكن اشتداد الغضب حتى تم تصنيف يوم له سمي بـ«يوم الغضب» أربك حسابات الطبقة السياسية الحاكمة ولم يعد أمامها سوى العمل على إجهاض هذا اليوم بأي ثمن فكانت حكاية الخشية من «المندسين» وسط المتظاهرين لإفشال المطالب المشروعة لمن يريد أن يتظاهر. وعند أي سؤال عن هؤلاء المندسين فإنهم يتوزعون بين البعثيين وهيئة علماء المسلمين والجماعات التكفيرية. وبينما اتخذت الجهات الأمنية والعسكرية إجراءات مكثفة لما سمته حماية المتظاهرين مرة والخشية من «المندسين» مرة أخرى فإن من بين الأسئلة التي باتت تتكرر بقوة في الشارع العراقي هي: «هل يعقل أن يكون البعثيون أو هيئة علماء المسلمين بمثل هذه القوة التي تخشاها الحكومة؟ وكم يمكن أن يكون عدد المندسين بحيث ترفع الدولة حالة الطوارئ القصوى وتعقد الكتل السياسية اجتماعا يظهر فيه رئيس الجمهورية يعلن تخويل رئيس الوزراء إصدار بيان للعراقيين يشرح فيه ما تم الاتفاق عليه».

وبصرف النظر عن الاستجابة للبيان أو الإجراءات فإن الخوف التاريخي للعراقيين من أيام سوداء محتملة دائما دفعهم إلى سرعة الاستجابة للنداء الغريزي بالحفاظ على حياتهم وأسرهم والذي تمثل حتى بالتبضع لأيام أخر. يضاف إلى ذلك انتشار الشائعات في الأوساط الجماهيرية بشكل غير مسبوق، بحيث بدا يوم الجمعة وكأنه يوم الحشر وليس يوما للمظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات. وإذا كانت السلطات قد نجحت في تسويق يوم الغضب على أنه يوم للمندسين فإن السؤال الذي يظل مطروحا هو: ما الذي يمكن أن تقوله الحكومة للناس إذا ظهر «المندسون» بعشرات الآلاف في بغداد أو غيرها من المحافظات؟ سؤال حاسم سوف يجيب عنه اليوم الذي قد يصبح علامة فارقة في توجيه الشارع.