ثورة ليبيا بدأت بحملة منذ عامين من نقابات المحامين

المحتجون تمكنوا من الدخول إلى مخازن أسلحة وحصلوا على أخرى مهربة عبر الحدود المصرية

متظاهرات ليبيات يهتفن ضد الزعيم معمر القذافي في مظاهرة بمدينة بنغازي أمس (أ.ب)
TT

تصدى الثوار الذين يسعون إلى الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي الذي دام 41 عاما إلى هجوم مكثف من قبل قواته يوم الخميس الماضي في مدن بالقرب من العاصمة مما يؤكد تطور موجة الاحتجاجات إلى ثورة مسلحة. وقد مثل صمود مجموعة من المتمردين من أولي العزم يوم الخميس، خاصة في مناطق استراتيجية مثل مدينة الزاوية التي تقع بالقرب من موارد نفطية هامة وتبعد 30 ميلا عن العاصمة طرابلس، تهديدا خطيرا للزعيم الليبي. وقد قتل ما يزيد على 100 شخص في مسجد يكتظ بالمحتجين في مدينة الزاوية على حد قول شاهد عيان. لكن ظل أهل المدينة يحتشدون بعدها.

وكشف الإحباط المؤكد للعقيد القذافي عن نفسه بوضوح في خطاب عن طريق الهاتف على شبكة تلفزيون الدولة يتهم فيه أسامة بن لادن بإعطاء مواد مخدرة لشباب المدينة حتى يصابوا بحمى التمرد. وقال في خطاب هجومي مدته 30 دقيقة: «تنظيم القاعدة هو الذي جند أبناءنا. إنه بن لادن». وأضاف: «هؤلاء الذين اختطفوا أبناءنا وأعطوهم المخدرات وقالوا (فليموتوا). إنهم يشنون حملة على الهواتف الجوالة ضد أبنائكم حاثين إياهم على عدم طاعة آبائهم».

لقد أوضح العنف الذي شهده يوم الخميس تناقضا بين هوية الثورة الليبية والانتفاضة التي أسقطت الحكام المستبدين في مصر وتونس. وعلى عكس الثورات الشبابية التي كان موقع الـ«فيس بوك» من عناصرها الأساسية، كان قادة هذا العصيان الذي شهدته ليبيا أشخاصا أكثر نضجا ومعارضين للحكومة منذ وقت ليس بقصير. فقد بدأت بنقابات المحامين التي نظمت حملات سلمية لمدة عامين من أجل صياغة دستور وما يشبه سيادة القانون. وبفضل الغضب الشعبي وانشقاق قادة من القوات المسلحة وبعض القوات التابعة لهم وتهريب أسلحة من مخازن الجيش أو عبر الحدود، تصاعدت الانتفاضة نحو المزيد من العنف في مواجهة وحشية النظام المتزايدة. وعند بداية الثورة في مدينة بنغازي، التي تقع في الشرق، رسم فتحي طربيل، المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان والبالغ من العمر 39 عاما، الذي أشعل اعتقاله الاحتجاجات، خريطة توضح المناطق التي استولى عليها المتمردون والتي تبعد كثيرا عن طرابلس. وقال: «إنها مسألة أيام».

ويعد انشقاق وزير الداخلية، عبد الفتاح يونس العبيد، جنرال الجيش الذي كان مقربا من العقيد القذافي، نقطة تحول في تطور الانتفاضة. فقد شجع انشقاق الرجل عناصر أخرى من الجيش والشرطة وأمن الدولة على تغيير موقفهم والانضمام إلى الثورة. وقال طربيل الذي يطلق عليه البعض لقب «حجر زاوية الثورة»: «نأمل أن نستفيد من خبرته».

وبدأت رموز المعارضة في المدن التي وقعت تحت سيطرة المتمردين مثل بنغازي في الظهور على قنوات التلفزيون الإخبارية وهم يعدون بأن يتوجه معارضو القذافي إلى طرابلس لدعم المقاومة هناك.

يبدو أن الثوار، كما يطلقون على أنفسهم، قد تمكنوا من الدخول إلى مخازن أسلحة في أنحاء أخرى من البلد وتحتوي تلك المخازن على أسلحة خفيفة ومدفعية ثقيلة وآلية وحصلوا على أخرى مهربة عبر الحدود المصرية بالإضافة إلى قذائف صاروخية من قواعد عسكرية مثل كابيلا في بنغازي.

وقال توفيق الشهيبي، أحد المتمردين، إن أحد أقاربه اشترى أسلحة آلية بمبلغ 75 ألف دولار خلال الأيام الأولى للثورة من تجار سلاح عبر الحدود المصرية وقام بتوزيعها على المواطنين في مدن مثل البيضا. وحتى هذه اللحظة يبدو أن الكثير من الأسلحة مكدس في المخازن على الأقل في الشرق للتصدي إلى أي محاولات مستقبلية يقوم بها القذافي لاستعادة تلك المناطق. بدأ رجال مجهدون في مبنى كان تابعا لقوات الأمن في بنغازي على استعداد يوم الخميس الماضي لنقل أسلحة مضادة للطائرات والدبابات إلى مخزن.

مثل أقرانهم في تونس ومصر، أثبت المتمردون في ليبيا مهارة في مجال التكنولوجيا من خلال تقويض محاولات النظام لقطع اتصالاتهم. فقد قام بعض المحتجين المعارضين للنظام بتوزيع ذاكرة متنقلة وأسطوانات ليزر مسجل عليها هجوم موجه ضد أصدقائهم في مدن أخرى على صحافيين من أجل التحايل على قطع النظام لخدمة الإنترنت والهاتف الجوال.

بدأ الشهيبي في قيادة محاولات الأسبوع الحالي لنقل صحافيين أجانب عبر الحدود المصرية إلى مدن في شرق ليبيا. وكانت شبكة اتصالاته على الإنترنت، لكن ليس على موقع الـ«فيس بوك» بل موقع كرة قدم. وقال متحدثا عن المدن التي شهدت بعض المصادمات يوم الخميس: «لدي أصدقاء من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. هناك اثنان من سبها، أحدهما في الزاوية و3 أصدقاء في مصراتة على سبيل المثال».

لكن يقول علي عبد الله، نائب الأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة الذي ما زال في المنفى، إن القمع والتنكيل الذي يمارسه النظام جعل من تنظيم الانتفاضة العفوية تحديا مستمرا خاصة في طرابلس التي تمتلئ بأفراد الأمن. وقال: «إن الأمر أشبه بالكر والفر. لا توجد طريقة يستطيع من خلالها هؤلاء الشباب تنظيم أنفسهم. لا يمكنك التواصل عن طريق الهاتف الجوال وإذا تجمع 5 أشخاص في الشارع يطلق عليهم النار».

ومع ذلك، دعا المحتجون في طرابلس إلى مظاهرة حاشدة بعد صلاة الجمعة على حد قول أهل المدينة والهاربين من البلاد. وقال شهود عيان إن القذافي بدا خلال الأيام الأخيرة أنه يسحب الكثير من جماعاته المسلحة والمرتزقة الذين جلبهم إلى العاصمة استعدادا للدفاع عنها. لكن رغم العصيان، بدا القذافي عازما يوم الخميس على استعراض القوة والوحدة الوطنية وهو ما يمثل تغيرا في توجهه.

فمنذ بداية الانتفاضة، طردت حكومته جميع الصحافيين الأجانب وقطعت كافة وسائل الاتصالات بل وصادرت شرائح لهواتف جوالة وأشياء أخرى من الفارين على الحدود شكا في احتوائها على صور. وقد حذرت ليبيا المراسلين الصحافيين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية من القبض عليهم وتوجيه اتهامات لهم بالتواطؤ مع تنظيم القاعدة.

لكن أعلن سيف الإسلام نجل القذافي يوم الخميس على شاشة التلفزيون السماح للصحافيين بزيارة طرابلس. وقال شهود عيان إن الاستعدادات الخاصة بذلك كانت قد اتخذت بالفعل. واختفى الجنود والمرتزقة الذين كانوا يجوبون الشوارع مساء ذلك اليوم ولم يبق سوى ضباط تنظيم المرور وتم تنظيف الميدان الأخضر في وسط العاصمة الذي شهد مصادمات عنيفة بداية الأسبوع. وتصدرت الميدان لوحتان مكتوب عليهما باللغة الإنجليزية الأولى: «إلى (الجزيرة) و(بي بي سي)، لا تنشرا الأكاذيب التي توافق أهواء الآخرين» والثانية: «تحدثوا يا أفراد الأسرة لكن لا تتقاتلوا».

لكن بات من الصعب إنكار وتجاهل قوة المتمردين غير المتوقعة يوم الخميس، حيث استطاعوا السيطرة على عدد من المدن القريبة من معقل القذافي في العاصمة طرابلس بعد مواجهة هجمات منظمة من قبل المرتزقة وقوات الأمن. ففي مصراتة، التي تبعد 130 ميلا عن شرق العاصمة، هجمت قوات القذافي على المتمردين الذين يحرسون المطار بقذائف صاروخية وقذائف هاون على حد ما نقلته وكالة «أسوشييتد بريس». لكن المتمردين حصلوا على سلاح مضاد للطائرات كان في أيدي الجماعات المسلحة وقاموا بتوجيهه ضدها. أما في مدينة زوارة، التي تبعد 75 ميلا غرب العاصمة، فانسحبت قوات الأمن والشرطة وسيطرت اللجان الشعبية على المدينة على حد قول الفارين عبر الحدود. وقال باسم شمس، صياد يبلغ من العمر 26 عاما: «الناس يرعون شؤونهم بأنفسهم».

وقال شهود عيان إنه تم تدمير مراكز الشرطة ومكاتب اللجان الثورية التابعة لنظام القذافي في مدينة صبراتة، التي تبعد 50 ميلا عن العاصمة. وقال طبيب في مكالمة هاتفية من صبراتة: «نحن لسنا خائفين بل نراقب الموقف. وأوقن أن التغيير قادم».

وقد وردت أنباء عن وصول وفد مبعوث من القذافي إلى مدينة الزاوية يوم الخميس لتحذير المتمردين، حيث قال أحد السكان في تصريح لوكالة «أسوشييتد بريس» نقلا عن الوفد قوله: «إما أن ترحلوا أو ستحدث مجزرة».

وفي الخامسة صباحا يوم الخميس نفذت قوات القذافي تهديدها، حيث قال أحد الشهود العيان إن قوة من 60 فردا من المرتزقة هاجمت مسجدا رئيسيا لجأ إليه نحو 2000 محتج. وقال شاهد عيان آخر إن المحتجين كانوا يحملون البنادق والعصي والسكاكين، لكن بعد 4 ساعات من القتال تمكنوا من الاحتفاظ بالمسجد. وقتل نحو 100 شخص وجرح 200 على حد قول أحد شهود العيان. وفي مكالمة هاتفية معه، كان هناك صوت واضح في الخلفية يطمئن الجمع في المنطقة التي تسمى ميدان الشهداء. وقال أحد سكان المدينة لوكالة «أسوشييتد بريس»: «لقد جاء الناس للتعبير عن رسالة واضحة وهي أنهم ليسوا خائفين من الموت أو الرصاص. هذا النظام سوف يندم والتاريخ لن يغفر لهم».

* كريم فهيم من بنغازي وديفيد كيركباتريك من الحدود التونسية - الليبية. وشارك في إعداد هذا التقرير شارون أوترمان ومنى النجار ونيل مكفاركور من القاهرة وروبرت وورث من تونس.

* خدمة «نيويورك تايمز»