نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين في مصر لـ«الشرق الأوسط»: لن نقف أمام اختيارات الشعب

رشاد بيومي: لن نرشح امرأة أو مسيحيا لانتخابات الرئاسة.. وقرارات الجيش لا تشفي غليل المصريين

د. رشاد بيومي («الشرق الأوسط»)
TT

أكد الدكتور رشاد بيومي، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أن الجماعة لا تسعى للوصول إلى السلطة في البلاد، مشيرا إلى أن موقفها يأتي في محاولة لتفويت الفرصة على من يرغب في استخدام الجماعة كـ«فزّاعة»، مشددا على أن الجماعة قررت عدم ترشيح أي من قادتها لمنصب رئيس الجمهورية، أو السعي إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان.

وحذر بيومي، في حواره مع «الشرق الأوسط»، من وجود بقايا لنظام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، الذي تخلى عن السلطة تحت الضغط الشعبي، وقال: «هناك أياد تلعب في الخفاء من بقايا النظام السابق وما زالت بعض النماذج تتحرك أو تحاول أن تستعيد السيطرة».

وأشار بيومي إلى أن الخطوات التي قام بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى السلطة منذ يوم 11 فبراير (شباط)، هي مجرد بداية، لافتا إلى وجود الكثير من المطالب الشعبية التي لم تتحقق بعد، ومنها بقاء رموز النظام السابق في المشهد السياسي في البلاد، واستمرار العمل بحالة الطوارئ، وعدم الإفراج عن معتقلي الرأي والمحكومين أمام محاكم استثنائية.

وقال بيومي، الذي قضى عشرين عاما متواصلة في السجون المصرية منذ 1954 في حادث المنشية ومحاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، إن جماعة الإخوان المسلمين ما زالت متمسكة بموقفها بشأن رفضها ترشح المرأة أو المسيحي لمنصب رئيس الجمهورية، وإلى نص الحوار..

* هل كانت جماعة الإخوان المسلمين تنتظر أن يتم اختيار أحد قياداتها في الحكومة التي شهدت تعديلات مؤخرا وضمت رموزا من قوى سياسية معارضة؟

- لا الحكومة الحالية ولا غيرها، نحن لم نطلب سلطة ولا نهدف إلى سيطرة ولا أغلبية في البرلمان سواء خلال المرحلة الحالية أو مستقبلا.

* البعض يتساءل، وربما يتشكك.. لماذا يقدم فصيل سياسي مثل هذه التنازلات؟

- لأننا شعرنا أن هناك من يرغب في التلاعب بورقة التحذير من «الإخوان»، والبعض اتهم «الإخوان» بأنهم يريدون السطو على ثورة الشباب، رغم أننا عايشنا الثورة من أول يوم ولنا شهداء، لكننا أردنا أن لا نكون سوى مشاركين مع الشعب، وأعلنا أننا من الشعب ولا نريد أن نحصل لا على سلطة ولا نشكل حكومة ولا أن ندفع بمرشحين للحصول على أغلبية برلمانية، فهدفنا هو الإصلاح.

* لكن المشهد الذي ظهر يوم احتفالية «جمعة النصر» عقب أسبوع من تخلي الرئيس المصري عن سلطاته بدا بالنسبة للبعض محاولة «إخوانية» للإعلان عن دورها في الثورة.. وأثار حضور الدكتور يوسف القرضاوي وهيمنة «الإخوان» على منصة الاحتفال شكوكا كثيرة؟

- أولا القرضاوي أكبر من أن يختصر في فئة أو جماعة، فهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أي أن الرجل يحظى بإجماع علماء الأمة، ووجوده في ميدان التحرير كان تعبيرا عن عباءته العامة لا عباءته الخاصة، وليس من المعقول أن نتصور أن من كان في ميدان التحرير يوم «جمعة النصر» أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ومن وجد منهم كان يحضر بصفته الوطنية، وهذه الاتهامات لا أصل لها، فالأقباط عانقوا القرضاوي وكانت خطبته للمصريين جميعا، والثورة ما زالت شعبية مصرية، ونحن فصيل من المجتمع وشريحة فعالة، ونحرص على المشاركة مع كل أصحاب العقائد، وليست لنا طموحات في زعامة ولا سيطرة.

* إذا كانت الجماعة لا ترغب في الوصول إلى السلطة، فلماذا لا توجه جهودها إلى الدعوة فقط؟

- العمل السياسي جزء أصيل من العمل الإسلامي، فالإسلام دين شامل والسياسة جزء يسير من العمل الإسلامي العام، وأمام ما كان يجري في البلاد كان علينا أن نتقدم ونشارك ونقدم التضحيات، والذي لا يريد أن يفهم هذا ربما لم يكن يرى ما يحدث في مصر، وتجربتنا خير دليل؛ ففي الانتخابات البرلمانية كان شعارنا «مشاركة لا مغالبة».

* الآن تحقق مطلبكم وتخلى الرئيس مبارك عن السلطة..

- هذا ليس دقيقا، فلم يكن هذا مطلبنا وحدنا، كان مطلب الشعب المصري كله، وعلى الجميع أن يدركوا أن هناك أيادي تلعب في الخفاء من بقايا النظام السابق وما زالت بعض النماذج تتحرك أو تحاول أن تستعيد السيطرة، تحاول سرقة الثورة والالتفاف عليها، وهناك رموز من النظام السابق ما زالت على الساحة أمثال مفيد شهاب، وزير الدولة السابق للشؤون القانونية، وهو مشارك أصيل مع فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، في تدمير الدستور والقوانين، ووجودهما مع آخرين يثير علامات استفهام كبيرة، هذا بالإضافة إلى وجود مطالب أخرى رفعتها الثورة المصرية ولم يتم تلبيتها حتى الآن مثل حالة الطوارئ التي نعيش فيها منذ أكثر من 30 عاما، واستمرار جهاز أمن الدولة في العمل، ذلك الأخطبوط الذي دمر البلد، والمعتقلين في السجون، والمحكومين أمام محاكم استثنائية، وقبل هذا الحكومة الحالية التي كلفها الرئيس السابق وأقسمت أمامه، كل هذه الأمور تحتاج إلى الانتباه الشديد، وإدراك أن أمامنا المزيد من العمل من أجل الحفاظ على الثورة الشعبية.

* هل الجماعة تكتفي بتخلي مبارك عن السلطة فقط أم أنها تسعى إلى محاكمته في ما يتعلق بملف الثروة وسياسات النظام وقراراته بشكل عام؟

- محاكمة النظام أمر لا مفر منه، محاكمة النظام بكل أفراده وأعمدته وسياساته، يكفي أن هناك 365 شهيدا لم نعرف بعد من هو المسؤول عن قتلهم بالرصاص الحي، المطلب الشعبي الآن أن يتم تقديم المسؤولين الحقيقيين عن ما حدث في البلاد، الفساد وغيره، وبالتأكيد الأولوية لجرائم القتل التي وقعت في حق أبناء هذه الأمة، ومن المستغرب أن نحاكم حبيب العادلي، وزير الداخلية السابق، على جرائم الفساد قبل أن نحاكمه على قتل الناس في الشوارع.

* هل الجماعة راضية عما اتخذه المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قرارات منذ توليه شؤون البلاد؟

- حتى الآن يمكن أن نعتبر ما تم بداية، لكنها لا تشفي غليل المواطنين، وليست هذه هي آمال الشعب، فالقضية ليست تنحي مبارك، ولكن إسقاط النظام كله، برموزه وأركانه وأفراده وسياساته، فالقضية ليست قضية أشخاص، إنما قضية سياسات انتهجها نظام مبارك، وأدت إلى تدمير مصر على مختلف الأصعدة طوال عقود حكمه.

* أعلنت الجماعة عزمها على إنشاء حزب سياسي لكنها لم توضح ماهية العلاقة بين هذا الحزب وجماعة الإخوان المسلمين، كيف ستكون هذه العلاقة؟

- التفكير في حزب سياسي موجود منذ وقت طويل وهناك قرار من مجلس شورى الجماعة بذلك، فالعمل السياسي جزء يسير من عمل الجماعة - كما قلنا - والحزب دوره في مستوى محدد، وسيتم التعاون في إطار الدراسات، لكن الأصل عندنا في العمل السياسي هو تغليفه بالإطار الأخلاقي، وما يربط الجماعة بالحزب هو الجانب الفكري، والهيكل أما الهيكل الحزب فلا بد أن يكون منفصلا عن الجماعة، ونقوم الآن داخل مؤسسات الجماعة بدراسة النماذج الموجودة في الدول المحيطة بنا.

* أعلنت الجماعة برنامجها السياسي عام 2008 وتعرض لانتقادات شديدة وبخاصة في ما يتعلق بحظر الترشيح لمنصب الرئاسة على الأقباط والمرأة وأثار مخاوف داخلية وخارجية.. هل ما زلت الجماعة متمسكة بهذا البرنامج؟

- نحن نعتبر موقفنا من قضية من يتولى الرئاسة جزءا من حرية اختيار رأي فقهي، والمسلم مخير، وقد اخترنا هذا الرأي باعتباره رأي جمهور العلماء ولا نلزم به أحدا، فنحن من جانبنا لن نرشح امرأة أو قبطيا للرئاسة ولكن غيرنا له حق في أن يفعل هذا أو لا يفعل.

* لو اختار أحد الأحزاب مرشحا قبطيا أو امرأة ونجح في الانتخابات الرئاسية ماذا يكون موقف «الإخوان» حينها؟

- ما دام الشعب هو الذي اختار وصوّت له فلا مانع، لكننا أمام عالم مفتوح أمامنا فهل يمكن أن يصل إلى الحكم رئيس مسلم في أميركا أو إيطاليا أو فرنسا، طبعا لا يوجد نص يحول دون ذلك لكن هناك أغلبية تختار، في مصر الأغلبية مسلمة، لماذا إذن يتعرض «الإخوان» لكل هذا الهجوم عندما يتحدثون عن هذا، فـ«الإخوان» ينظرون إلى الأمر لوجود مسؤوليات ومهام منها إمامة المسلمين وكفالة المسلمين، فهل يقوم غير المسلم بهذه المسؤوليات أو المرأة، لكن لو نجحت امرأة في الانتخابات لن نقف ضد هذا وسوف نوافق على الاختيار، لكن مواقفنا في حزبنا مع الترشيح واضحة؛ لن نرشح قبطيا ولا امرأة.

* ترددون دائما الحديث النبوي «ما خير الرسول بين أمرين إلا واختار أيسرهما»، فلماذا في هذه المسألة تختارون الموقف المتشدد رغم أن قيادات إسلامية محسوبة على مدرسة «الإخوان»، أمثال الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد سليم العوا، أكدوا أن الشرع لا يمنع ترشيح المرأة وغير المسلم للرئاسة في بلد مسلم؟

- لم نتخذ موقفا متشددا، بل هو رأي الجمهور، وكمسلمين هناك نهي نبوي عن التنقل بين الآراء الفقهية لاختيار الأسهل، وتكلمنا فيها بوضوح ولكن «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ» صدق الله العظيم، هذا هو الأمر الواضح مهما قلنا ومهما فعلنا، والأمر قيد البحث والدراسة، ولعل الجماعة تتخذ موقفا آخر.

* هناك من يخشى أن تتضرر علاقات مصر الخارجية بصعود جماعة الإخوان المسلمين، وبخاصة في ظل اتفاقيات دولية ربما لا ترضى عنها الجماعة.. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

- الاتفاقيات الدولية والقضايا السياسية الكبرى، أيا كانت، نحترمها، لكن من خلال نظرة موضوعية وعلمية فمن حق الطرفين أو أي منهما أن يراجع أو يناقش حسب الظروف والمقتضيات، فاتفاقية كامب ديفيد لم تعرض على الشعب ولم تعرض كذلك على البرلمان بالشكل الملائم، ولكنها تمت بصورة فوقية وكان من أهم بنودها إقامة دولة فلسطينية، عظيم علينا أن نسأل أين هي هذه الدولة؟ وثانيا السلام الشامل أين هو في ظل المذابح اليومية والهجوم الوحشي على الفلسطينيين؟ ومخططات الإبادة والتدافع المنهجي لتهويد القدس وهدم المسجد الأقصى، من خرق الاتفاقية في هذه الحالة؟! هناك أيضا مسألة البنود السرية في الاتفاقية التي كان من بينها بيع الغاز المصري لإسرائيل بسعر واحد على 15 من ثمنه الأصلي، كل هذا لا بد أن يكون مطروحا على الشعب ومن حق الشعب أن يعيد النظر في هذه الاتفاقيات، وبالطبع نحن لا نرضى عن اتفاقية كامب ديفيد على الإطلاق، لكن عندما نريد أن نقيمها ونتعامل معها فلا بد أن يتم ذلك وفق القانون.

* هناك من يرى أن مصر قد تتعرض لعزلة في حال وصول الإخوان المسلمين للسلطة كما حدث مع وصول حركة حماس للسلطة في فلسطين، سواء دوليا أو حتى في محيطها العربي؟

- نحن أحرص الناس على عودة مصر إلى الجسم العربي والإسلامي، فما كان انفصال مصر عن المحيط العربي والإسلامي إلا بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، بل نريد أن نعيد إلى الدول العربية وضعها ومكانتها عالميا، ونحن أشد الناس طلبا للتواصل مع المجتمعات العربية والإسلامية، ونرغب أن تستعيد مصر مكانتها وريادتها في العالم العربي، لأنها دائما كانت رائدة.

* بعد نجاح الثورة المصرية انتهى الحظر على اجتماعات التنظيم العالمي لـ«الإخوان» بمؤسساته وهيئاته من مجلس الشورى العالمي ومكتب الإرشاد، كيف ترى إمكانية تأثير هذا الأمر؟

- نسأل الله ذلك ونتمنى أن نلتقي ونتشاور في العلن، ويعرف الجميع ماذا نقول وماذا نريد لشعوبنا ودولنا، لأننا لا نقول أسرارا بل ما نريده هو أن ترتقي الأمة، ولا نريد أبدا أن يظن البعض أننا نعمل في الخفاء أو ضد مصلحة أحد.

* ألا تتوقع أن يثير ذلك حفيظة الغرب؟

- وما دخلهم؟! لماذا نهتم بما يقوله الخارج؟!

* كانت الجماعة حريصة على التواصل مع أحزاب المعارضة، هل موقفكم ما زال ثابتا بهذا الخصوص بعد نجاح الثورة؟

- بالتأكيد.. سنظل حريصين على التواصل مع الجميع ما دام أن ذلك يأتي من باب الحرص على مصلحة المجتمع.