ضباط متمردون على القذافي وشهود عيان يروون تفاصيل معركة في طرابلس

قوات القذافي فضت مظاهرة الجمعة في العاصمة بوحشية.. وأكثر من 2000 من متطوعي الجيش انشقوا

TT

قال شهود عيان إن قوات المرتزقة والجيش التابعة للعقيد القذافي، التي أخمدت المحاولة التي قام بها متظاهرون يوم الجمعة لكسر قبضة العقيد القذافي على العاصمة، استخدمت النيران والرصاص على المحتجين العزل. وحسب هؤلاء الشهود فإن تلك القوات فتحت النار على الحشود التي نزلت إلى الشوارع بعد صلاة الجمعة في أول تصعيد رئيسي لهم ضد الإجراءات القمعية الحكومية، بحسب شهود العيان.

وقد أدى إطلاق النار على المتظاهرين إلى تزايد حدة المواجهة بين العقيد القذافي - الذي هدد يوم الجمعة بتحويل ليبيا إلى جحيم محتميا في معقله - وقوات المتمردين الآخذة في التوسع ومجتمع دولي منزعج إلى حد بعيد أدان العنف ووعد بفرض عقوبات على ليبيا خلال الأيام القليلة القادمة.

وقد أكد العقيد طارق سعد حسين، أحد الضباط المتمردين والذي ينسق لشن هجوم على طرابلس، في مقابلة معه، إن نحو 2000 من متطوعي الجيش - بينهم منشقون عن الجيش - وصلوا إلى طرابلس ليلة الجمعة، ولم يتسن التأكد من صحة هذه المزاعم. وكان حسين غاضبا على نحو واضح من التقارير التي تحدثت عن إطلاق قوات الأمن النار على متظاهرين بعد الصلاة، وقال متحدثا من قاعدة عسكرية معزولة شرق مدينة بنغازي التي تخضع بشكل كامل لسيطرة المتمردين «لم تكن بحوزة المتظاهرين أي أسلحة، لقد أطلقوا النار عليهم خارج المسجد».

وتشير الروايات المتواترة عن عمليات قتل يوم الجمعة إلى أن قوات القذافي استخدمت الوحشية ذاتها التي استخدمتها أوائل الأسبوع الماضي للدفاع عن قائدها الذي حكم ليبيا أكثر من 40 عاما. ويروي أحد السكان المذعورين، ويدعى عمر، في مكالمة هاتفية، إحدى الوقائع التي حدثت خلال المظاهرات يوم الجمعة عندما أصيب أحد المتظاهرين «أطلقوا الرصاص على المتظاهرين من سيارات الإسعاف، كنا نعتقد أنهم سيأخذونه إلى المستشفى، لكن رجال الميليشيات قتلوه وانطلقوا بالسيارات».

وتشير التقارير إلى مقتل الكثير من الأفراد، واستحالة التأكد من العدد الإجمالي للقتلى، فيقول عمر إن أصدقاءه الأطباء في مستشفى العاصمة طرابلس شاهدوا جثثا تنقل من مشرحة المستشفى لإخفاء العدد الحقيقي للقتلى. وأشار إلى أن السكان أخبروه أن الجثث تم نقلها إلى الشاطئ حيث حرقت هناك. ولم يتسن التثبت من صحة هذه الروايات، ولم يرغب عمر في ذكر اسمه كاملا خوفا على حياته. وقال «ليست لدينا حرية هنا، نحن نريد الحرية أيضا».

من جانبها، تحاول هبة مورايف، الباحثة في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، التثبت من صحة الأرقام بشأن الوفيات، فتؤكد على أنها سمعت تقارير عن وجود قوات أمن داخل المستشفيات، وأن المسؤولين في كبريات مستشفى طرابلس موالين للعقيد القذافي، وأنهم يحاولون التقليل من الخسائر.

وقد تحول مطار طرابلس إلى معسكر للإيواء يغض بآلاف الأشخاص الذين يحاولون الهرب. وتحولت أرضياته في الداخل إلى سجادة من الأغطية والأجساد من عائلات وأطفال. وفي الخارج كان هناك آلاف اللاجئين ينتظرون الدخول، وهناك حارسان على الأقل يحاولان إعاقتهم عن الدخول، أحدهما بحزام والآخر بسوط. وقال أحد شهود العيان إن طرابلس خضعت لعملية نظافة ليلة الخميس استعدادا لزيارة عدد من الصحافيين الأجانب الذين دعتهم حكومة القذافي. وأعيد تجديد اللوحات الإعلانية الضخمة التي كانت تحمل صورة العقيد والتي شوهت وأحرقت الأسبوع الماضي، كما أعيد ترتيب الساحة خلال الليل. وقال شهود العيان في طرابلس إن الشوارع تم تزويدها بعدد إضافي من ضباط الشرطة استعدادا لإمكانية وقوع مظاهرات في أعقاب صلاة الجمعة، وقام رجال الميليشيات بتسيير دوريات في المنطقة القريبة من باب العزيزية، القاعدة العسكرية للعقيد القذافي.

وأشار أحد سكان المدينة الذي تحدث مع الكثير من أصدقائه في عدد من الأحياء، إن الشرطة فتحت النار على المصلين في أعقاب الصلاة، فقتلت منهم خمسة على الأقل في منطقة السياحية غرب العاصمة طرابلس، كما قتلت آخرين في زاوية الدهماني في وسط المدينة. كما وردت تقارير أيضا عن عمليات إطلاق نار في منطقتي فشلوم وسوق الجمعة، لكن هذه التقارير لم يتسن التأكد من صحتها.

لم يعد من الممكن الوصول إلى الساحة الخضراء - مسرح الكثير من المظاهرات والكثير من المذابح أيضا - حيث تحاط المنطقة بنقاط التفتيش والحواجز التي يحرسها أفراد من القوات المسلحة، بحسب ما رواه عمر وشهود عيان آخرون. وكان التلفزيون الليبي قد أذاع صباح يوم الجمعة كلمة القذافي وهو يتحدث من شرفة تطل على الساحة الخضراء مخاطبا حشدا من مناصريه. ولم تكن هناك أي إشارة إلى المقاومة، ولم يكن هناك سوى مشهد آلاف الموالين له من الشباب، ولم تتسن معرفة ما إذا كان الخطاب قد بث مباشرة أم أنه مسجل مسبقا. كما أذاع التلفزيون الرسمي الليبي أن الحكومة ستعطي لكل عائلة 400 دولار شهريا، وستزيد رواتب موظفي الدولة 150 في المائة، في ما وصف بأنه محاولة لشراء الدعم من المواطنين.

لكن هذه الإشارة جاءت متأخرة للغاية كي توقف وقوع المزيد من حركات الانشقاق المؤلمة في صفوف الجيش والمواطنين، والتي شملت مؤخرا عبد الرحمن شلقم، سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة والصديق المقرب للقذافي منذ فترة طويلة، الذي أعلن رفضه لممارسات القذافي وشبهه ببول بوت وهتلر.

* خدمة «نيويورك تايمز»