متظاهرو بغداد يحولون أغاني ناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز إلى شعارات

سباق بين الكتل السياسية لتبني «يوم الغضب»

TT

لأن للانتصار ألف أب، فإن هذا ما حصل بالفعل لمظاهرات «يوم الغضب» أول من أمس التي جرت في نحو 16 محافظة و22 مدينة عراقية كانت الأكبر فيها مظاهرة بغداد التي جرت تحت «نصب الحرية» الشهير الذي يعد من أشهر أعمال النحات العراقي الراحل جواد سليم. ففي الوقت الذي حاولت معظم القوى السياسية النأي بنفسها عما يمكن أن يحصل من تداعيات ربما تنتهي إلى نتائج قد لا تحمد عقباها فإن الكتل السياسية أعلنت على لسان رئيس الجمهورية جلال طالباني أنها خولت رئيس الوزراء نوري المالكي إصدار بيان يوم الخميس بشأن ما سوف يحصل يوم الجمعة. وبالفعل فقد وجه المالكي كلمة إلى الشعب العراقي دعا فيها الجماهير إلى تأجيل التظاهر يوم الجمعة إلى عدة من أيام أخر بسبب توفر معلومات استخبارية عن سعي قوى وجهات معادية أعدت خططا لتفجير المتظاهرين بالأحزمة الناسفة أو العبوات اللاصقة أو كواتم الصوت. بل وصل الأمر، طبقا للمعلومات التي تحدث عنها المالكي ووزارة الداخلية، إلى ارتداء عناصر «مخربة» الزي العسكري أو زي الشرطة الوطنية وضرب المتظاهرين. واعتبر المالكي أن مظاهرات الجمعة يقف خلفها البعثيون والتكفيريون وهيئة علماء المسلمين.

ومع زحف الناس إلى الأماكن التي تم تحديدها للمظاهرات وانسيابها بشكل بدأ سلميا إلى حد كبير قياسا بالأعداد الكبيرة من المتظاهرين، ولكون هذه المظاهرة هي الأكبر في تاريخ العراق، فإن الأمر اختلف بالنسبة للجميع. فالشعارات التي رفعت كانت في الغالبية العظمى شعارات ذات طابع خدمي فضلا عن عدم حصول ما كانت قد حذرت منه حتى المرجعيات الدينية. لقد بدا أن المظاهرة حققت أهدافها وبالتالي كان لا بد من حصاد النتائج التي بدت باهرة لكثيرين وأولهم الحكومة التي لم تضطر إلى التضحية إلا بمحافظ واحد هو محافظ البصرة التي جاءت استقالته ليس على خلفية ما اعتبر فشلا في مجال الخدمات بقدر الإهانة التي وجهها إلى «الشعب العراقي مثلما اعترض رجال الدين وشيوخ العشائر هناك». وعلى أثر الضغط الشعبي الهائل «نصحه المالكي بالاستقالة» طبقا لما أخبر به قناة «العراقية» الحكومية الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ.

ومع كثرة ما رفعه المتظاهرون من شعارات ولافتات ورغم حصول مواجهات في أكثر من مكان أدى بعضها إلى سقوط قتلى مثلما حصل في الرمادي وسامراء وغيرها فضلا عن تفريق أعداد من متظاهري بغداد من خلال جهاز مكافحة الشغب باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع فإن جموعا من المتظاهرين وبعد إن لم يجدوا رجلا يقف وراء المالكي مثلما حصل في مظاهرات مصر وليبيا فإنهم استدعوا من الأرشيف التراثي أغاني يعرفها كل العراقيين لأشهر مطربي الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي حضيري أبو عزيز وناظم الغزالي وحسين نعمة. فأغنية حضيري أبو عزيز المشهورة «عمي يا بياع الورد» تحولت على ألسنة المتظاهرين إلى «عمي يا بياع النفط». وإذا كان أبو عزيز يتساءل في أغنيته قائلا «عمي يا بياع الورد.. كلي الورد بيش» أي بالعربية الفصحى «بكم» فإن المتظاهرين جعلوها ذات دلالة سياسية واضحة على الشكل التالي «عمي يا بياع النفط.. كلي النفط وين؟». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك من استدعى أغنية شهيرة لناظم الغزالي تقول كلماتها «طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران» جعلها المتظاهرون كالتالي «طالعه من بير بلادي رايحه لبير الجيران» وهي كناية عما اعتبروه سرقة واضحة للنفط العراقي الذي يمثل مصدر الخير الأهم بالنسبة للعراقيين. أغنية أخرى كان غناها المطرب العراقي حسين نعمة لصدام حسين خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية تقول كلماتها «نحبك والله نحبك.. يا صدام نحبك.. أنت تحب الناس الناس وكل الناس تحبك» تم تحويرها على لسان المتظاهرين لتصبح «نكرهك والله نكرهك يا مسؤول نكرهك». أما الصرخات التي أطلقها المتظاهرون لاتهام السلطات لهم بالانتماء لحزب البعث فقط كانت في كثير من مراحل المظاهرة أقوى حتى من المطالب الخدمية التي اعترفت الحكومة بمشروعيتها بعد أن تنفست الصعداء عقب هدوء الأوضاع وعودة المتظاهرين المظفرة إلى منازلهم.