ممدوح حمزة: هنأني مبارك ببراءتي في لندن.. والعادلي طلب مني قبل «موقعة الجمل» احتواء الشباب

الاستشاري الهندسي قال لـ «الشرق الأوسط» إنه لم يوجه ثوار 25 يناير وعمل لديهم خادما

TT

شهادات وحقائق تظهر وتتكشف يوما بعد يوم منذ تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، إلى جانب بلاغات مقدمة ضده وأفراد عائلته، منها البلاغان اللذان تقدم بهما الاستشاري الهندسي ممدوح حمزة للنائب العام المصري؛ يتعلق الأول منهما بثروة مبارك، والثاني يتهم فيه الرئيس بالقتل العمد لكل شهداء ثورة يناير (كانون الثاني)، والبلاغان يعتمد فيهما على مستندات وحقائق.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» يدلي حمزة، الذي يعد من أكبر أساتذة الهندسة في مصر والعالم لإشرافه على تنفيذ عشرات المشروعات الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، ببعض تفاصيل ما تضمه هذه المستندات، كما يكشف بعض الحقائق التي تخصه مع السيدة سوزان مبارك، ورحلته في معترك الحياة السياسية ومواجهاته مع الفساد، وأشهرها القضية التي اتهم فيها بمحاولة اغتيال أربعة من رموز الحياة السياسية في مصر عام 2004. ويكشف حمزة، معلومات تتعلق بالطائرات الخاصة التي كان يملكها أفراد عائلة مبارك، وحقيقة مواجهاته مع وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان الذي كان حجر الزاوية في كره نظام مبارك له، رغم التقدير الكبير الذي يلقاه حمزة في أنحاء العالم كافة بسبب إنجازاته الهندسية، وإلى نص الحوار:

* كنت مع شباب ثورة 25 يناير يوما بيوم وساعة بساعة، فهل كانت لك توجيهات معينة لهم حتى يوم إعلان تنحي الرئيس مبارك عن الحكم؟

- أنا لم أوجه الشباب، بل عملت لديهم خادما، حيث رأيت فيهم شبابي في الستينات، كل ما طلبوه مني منذ بداية ثورتهم نفذته بالحرف، أرادوا منشورات ولافتات وبطاطين وطعاما وأعلاما وإذاعة ومولدات كهرباء وبنزينا وديزلا لعمل المولدات فلم أقل إلا «حاضر».. أنا كنت أعمل عندهم ببساطة، فقد كنت مثلهم في يوم من الأيام أثناء عهد عبد الناصر وأنا طالب في الجامعة، ولقد كنت مؤمنا تماما بهم وبعقلهم المستنير وبقدرتهم على التغيير، حتى أبنائي وقفوا في المظاهرات، سواء ابنتي في مصر وابني في لندن أمام منزل جمال مبارك هناك.

* هل حدث بينك وبين أي أحد من رموز النظام السابق اتصالا وأنت في الميدان مع الشباب لاحتواء الموقف والمساعدة على الحوار؟

- طلبني وزير الداخلية بالحضور إليه لمناقشتي في إمكانية احتواء الموقف من خلال حواري مع الشباب في ميدان التحرير، لكني قلت له لا أستطيع ترك الميدان، وكان ذلك قبل واقعة الجمل بنحو 3 ساعات، ولم نلتق.

* سبق أن تقدمت في أعقاب الثورة ببلاغ للنائب العام يخص ثروة مبارك وعائلته، فهل صحيح أنك ستقدم بلاغا ثانيا ضده؟

- نعم، أقوم بصياغة البلاغ الثاني ضده شخصيا، وأتهمه فيه بالقتل العمد لكل شهداء ثورة يناير وأتهمه بحنث اليمين الدستوري لحفظ البلاد وشعبها عندما تولى مسؤولية رئاسة البلاد، تمهيدا لتقديمه للنائب العام، متضمنا الكشوفات الطبية لآلاف المصابين وفيديوهات مصورة للشهداء لحظة الاستشهاد التي أعطاها لي أهالي الشهداء وبعض الذين حضروا واقعة استشهادهم، وذلك لمحاكمة الرئيس مبارك عن دماء هؤلاء الضحايا وآلاف المصابين.

* ولماذا البلاغ الآن تحديدا بعد مرور أكثر من شهر على اندلاع شرارة ثورة 25 يناير؟

- لأني رأيت بقلبي كأب وبعيني كرجل يعشق هذا البلد آلاف الحالات المأساوية لمصابي ثورة يناير في مستشفيات مصر، والشاب منهم لم يتعرض لضربة واحدة فقط، بل التقارير الطبية التي تحت يدي لهؤلاء المصابين تشير إلى مدى القسوة والترصد العمدي لهم، فكل مصاب به أكثر من إصابة، فعلى سبيل المثال هناك مصاب واحد عمره 27 سنة به إصابة في المخ والعين والعمود الفقري وتهتك في الوجه في آن واحد، فالشرطة لم ترحم الشباب المصابين، بل كان يتم التنكيل بهم بضراوة بعد إصابتهم بالرصاص الحي.

* ولكن هناك تشكيك في أن يكون الرئيس مبارك هو من أمر بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي والتعدي عليهم وهم عزل، وأن الأمر خضع في المقام الأول لقرار وزير الداخلية السابق حبيب العادلي للسيطرة على الموقف وحماية كرسيه؟

- أريد أن أعرف لماذا تسلح الشرطة بهذه الكمية المهولة من الأسلحة مع أن بعضا منها ممنوع دوليا، لماذا يتعدى تعداد قوات الأمن المركزي وحدها 600 ألف جندي وضابط؟ لماذا تبلغ ميزانية وزارة الداخلية 25 مليار جنية سنويا من دخل مصر ومن فلوس الشعب حتى تقتل الشعب؟ فهذا التسليح الرهيب وهذه الميزانية الضخمة لم يكن الهدف من ورائها سوى حماية الكرسي للرئيس مبارك، ومهما كانت الجهة المسؤولة عن إعطاء القرار بإطلاق الرصاص الحي فمبارك هو المسؤول الوحيد عن هذه المجزرة التي تمت «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وما حدث بحق شباب مصر كان بمثابة تنفيذ حكم إعدام بحق كل واحد منهم.

* هل تتوقع أن يتعرض الرئيس السابق لمحاكمة فعلية عقب هذا البلاغ والتحقيق فيه بالتعاون مع نتائج لجنة تقصي الحقائق عن ثورة 25 يناير وأحداثها؟

- لا، لأني أعتقد أنه تم اتفاق ضمني قبل تخلي الرئيس مبارك عن الحكم بأن يكون في حماية من الملاحقات القضائية ويظل في مصر.

* أين ذهب مشروع إعادة التوزيع الجغرافي للسكان في مصر؟

- هذا المشروع عكفت على العمل عليه لمدة سنة ونصف، ويقدم 7 حلول دفعة واحدة لمشكلات في مصر، وهي حل مشكلة البطالة، وحل مشكلة التكدس السكاني، وحل مشكلة الإسكان، وحل مشكلة أطفال الشوارع، وحل مشكلة العشوائيات، وزيادة حجم الإنتاج الزراعي، وإعمار الصحراء الغربية التي تمثل نحو 68% من مساحة مصر. وقد هاجم المشروع بشدة الوزير السابق عثمان محمد عثمان، وبعد فترة خرج يتكلم عنه وينسبه إلى نفسه، ثم توقف العمل بالمشروع تماما، والآن سأعاود تقديمه من جديد بعد الثورة.

* هناك مشروع كبير آخر عملت عليه وهو الوحدات السكنية منخفضة التكلفة عقب أزمة السيول التي هدمت المنازل في أسوان، ولكن المشروع توقف فجأة وحدث صدام مع محافظ أسوان وقتها.. فمن كان وراء وقف هذا المشروع؟

- محافظ أسوان تلقى تعليمات من السيدة الأولى السابقة سوزان مبارك لوقف المشروع. لأنها كانت تعمل على بناء وحدات سكنية أخرى وسعر الوحدة السكنية 80 ألف جنيه، رغم أن الوحدة داخل مشروعي تكلفتها 35 ألف جنية مصري، أي النصف، وبالتالي كان مشروعي منافسا قويا لها ويفضح حجم الفساد، بل اتهموني بأني لا أستطيع أن أنشئ منزلا من دور واحد.

* ولكن هذا المشروع تحديدا تبرع له المصريون من خلال برنامج «القاهرة اليوم» للإعلامي عمرو أديب وقت حدوث السيول في أسوان لمؤازرة ضحاياها، فأين ذهبت هذه الأموال؟

- تم الحصول على هذه الأموال من الدولة وإسناد عمليات البناء بمعرفتهم لشركة تابعة لهم، ولقد بلغت فلوس المصريين المتبرعين لهذه الحملة 50 مليون جنيه مصري.

* ومن كان السبب وراء منعك من حضور احتفالية مرور 5 سنوات على افتتاح مكتبة الإسكندرية عام 2007 على الرغم من أنك الاستشاري الهندسي لهذا الصرح العملاق؟

- السيدة سوزان مبارك هي من شطبت اسمي من أسماء المدعوين للاحتفالية، وقد قيل لي وقتها إنه ليس الرئيس مبارك. ولي أن أقول لكم كم كان قدر دهشتي وقتها وحزني العميق؛ فمكتبة الإسكندرية لي لم تكن مجرد عمل قمت به، بل عملت على تخطيطها 15 عاما متواصلة وحصلت عن تصميمها على 8 جوائز عالمية.

* ومن قال لك إنها السيدة سوزان مبارك ومتى عرفت ذلك؟

- منذ أسبوعين فقط، ولقد تلقيت اتصالا من أحد الأشخاص الذي كان يعمل في رئاسة الجمهورية وقال لي لا تغضب، لقد كانت أوامر السيدة الأولى وقتها.

* في اعتقادك لماذا ناصبتك السيدة الأولى سابقا سوزان مبارك العداء؟

- سأعلن لكم السبب، في إحدى السنوات وتحديدا في أبريل (نيسان) 2004، كان هناك حفل افتتاح لأول مدرسة لتعليم الفتيات ذات الفصل الواحد وفقا للحملة التي كانت تقودها سوزان مبارك في ذلك الوقت لتعليم الفتيات، وقد تبرعت بتصميم أحد هذه الفصول وقمت بإقامته على نفقتي الخاصة وباستخدام أسلوب (الحوائط المتنقلة)، وجهزته من الداخل أيضا على حسابي الخاص، ومن ضمن التجهيزات التي وضعتها داخل الفصل صور معلقة على الحائط لمجموعة من سيدات مصر اللاتي أثرين الحياة المصرية ليكن رمزا وقدوة لفتيات المستقبل، وعندما دخلت السيدة سوزان مبارك الفصل غضبت جدا من عدم وجود صورتها ضمن صور هؤلاء السيدات واعتبرتها إهانة شخصية لها، وعقب هذا الموقف على الفور تمت إقالتي من عضوية إدارة المتحف المصري وسحبت مني مشروعات مستشفى «57357» لسرطان الأطفال ومشروع مترو الأنفاق ومشروع ميناء دمياط ومشروع شرق التفريعة، وشطب اسمي لاحقا من دعوة مكتبة الإسكندرية وتم تلفيق قضية لندن لي.

ولي أن أقول إن ما حدث في مصر جاء نتيجة أن الرئيس مبارك كان ضحية لزوجته، وأن جمال مبارك أيضا كان ضحية لوالدته.

* قضية اتهامك بمحاولة قتل 4 شخصيات سياسية مصرية هم فتحي سرور، وزكريا عزمي، وكمال الشاذلي، وإبراهيم سليمان، شغلت الرأي العام المصري لفترة طويلة عام 2004، هل يمكن اليوم بعد ثورة 25 يناير أن نفصح عن خبايا هذه القضية التي اكتنفها الغموض على الرغم من أن القضاء البريطاني قام بتبرئتك لاحقا منها؟

- إلى الآن ليس لدي معلومة محددة عن شخص بعينه المسؤول عن تلفيق القضية لي، لكن يمكن أن أقول إن الهدف الرئيسي من وراء هذه القضية هو اتهامي لاحقا بمحاولة قلب نظام الحكم في مصر، وإثارة الرأي العام ضدي.

* هل خلافاتك مع وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان في ذلك الوقت وكشفك عن قضايا فساد، ساهمت بشكل ما في اتهامك لاحقا بقضية لندن الشهيرة؟

- مما لا شك فيه أن كشفي عن حجم الفساد الذي كان في وزارة سليمان كان حجر زاوية في كره النظام لي، وتحديدا عقب كشفي عن أن وزير الإسكان السابق استحوذ على سوق الاستشارات الهندسية في مصر بالتعاون مع شركة «إنفايرو سيفيك» المملوكة لضياء المنيري زوج شقيقته، بل يمكنني القول إن وزارة سليمان أفسدت أيضا الجهات الرقابية في مصر بسطوتها وفسادها الممنهج، كما أنني قدمت لرئاسة الجمهورية والرقابة الإدارية عشرات الملفات عن الفساد في مصر ولم يلتفت إليها أحد، لكنها فتحت العيون عليّ.

* هل تعرضت خلال فترة محاكمتك في لندن لأي تهديدات أو ضغوطات أو مساومات؟

- نعم وكانت كثيرة، ولكن أبرزها تعرضي لمحاولة اغتيال من خلال دفعي فجأة وأنا في أحد شوارع لندن أمام أتوبيس قادم نحوي بشكل عمدي وأصبت وقتها ونقلت للمستشفى، كما أرسل الوزير السابق إبراهيم سليمان طرفا لعقد مصالحة معي لكي يحسن صورته أمام الرأي العام المصري بعد أن فضحت الجرائد المصرية فساده والاتهامات الملفقة لي نظير أن يشهد لصالحي في القضية قبل أن آخذ براءة، وقد رفضت.

* ولكن شهادة رئيس مجلس الشعب المصري السابق لصالحك كانت حجر زاوية في حصولك على البراءة، هل كان بينكما اتصال قبلها أو كنت تعلم بموقفه؟

- لا، لم ألتق سرور أثناء القضية أو قبلها، ولي أن أقول إن سرور ما كان له أن يقدم هذه الشهادة إلا بموافقة الرئيس السابق حسني مبارك.

* هل تلقيت بالفعل مكالمة من الرئيس مبارك بعد حكم البراءة؟ وماذا دار بها؟

- نعم تلقيت مكالمة ثاني يوم للبراءة الساعة 9 صباحا، وقال لي: «حمد الله على السلامة، أخبارك إيه»، وسألني: «انت منين؟» قلت له من دمياط، فقال لي: «أهالي دمياط معروفون بأن رأسهم ناشفة»، فضحكت وقلت له: «الفرنساويون لم يستطيعوا دخولها أيام الاحتلال وقاموا بالتفاف حولها لدخول الدلتا»، فقال لي: «لا الفرنساويون ولا اليهود أيضا».

* هجوم حاد قمت به ضد وزارة الخارجية المصرية ومصر التي سمحت بعقد اتفاقية حوض النيل الأخيرة على أرضها على الرغم من كون هذه الاتفاقية ضد مصالحها العليا، لماذا؟

- وفقا لهذه الاتفاقية، فإن إثيوبيا (منشأ الروافد الرئيسية لنهر النيل) قامت ببناء سد «تكنيزي» بها على ارتفاع 188 مترا، وبذلك يكون أعلى من سد إقليم تيجر الشمالي (185 مترا) والذي كان يمثل أعلى سد في أفريقيا، وهو يمثل خطرا كبيرا على حصة مصر من المياه، وبناء هذا السد جاء لصالح الصين إثر مناقصة عالمية، ويعد أكبر مشروع مشترك تقوم به الصين في أفريقيا بالتعاون مع الحكومة الإيطالية وشركة الطاقة الكهربائية الإثيوبية. ولكن الذي يجب أن يقال إن هذا السد ضد المواثيق الدولية، وحتى الآن غير معروف من موله، وهنا منبع الخطر الأكبر، فلا يوجد أي مستثمر أعلن عن تمويله إنشاء هذا السد، ولي أن أقول على مسؤوليتي الشخصية إن إسرائيل هي التي مولت بناء هذا السد للحصول على حصة مصر من المياه وتجويع مصر مائيا، بل يمكن أن نقول إن نذر حرب مائية قد تلوح في الأفق.

* هل صحيح أنه عرض عليك منصب وزير الإسكان في تشكيله حكومة تسيير الأعمال الحالية؟

- لا، لم يحدث، ولو عرض علي سأرفض، فأنا عمري 65 عاما، وأنا لا أريد رؤية وزير في حكومة مصر الجديدة يزيد على الخمسين عاما.