بريماكوف لـ «الشرق الأوسط»: روسيا تؤيد التغيير رغم علاقاتها الطيبة مع الرئيس المصري السابق

رئيس الحكومة الروسية الأسبق: المخابرات الأميركية والعالمية أخفقت في استقراء أوضاع المنطقة

TT

قال يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق وأحد أكبر الخبراء في شؤون منطقة الشرق الأوسط إن القيادة الإسرائيلية أبلغت الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل إعلانه عن تنحيه عن السلطة بفكرة الدفع بقواتها المسلحة إلى المناطق الحدودية مع مصر من أجل الحيلولة دون ما وصفته بإمكانية زحف قطاع غزة إلى القاهرة. وأضاف بريماكوف أن مشاعر القيادة الروسية تظل إلى جانب القوى الديمقراطية في مصر رغم ما كان يربطها مع مبارك من علاقات طيبة وأن مواقف القيادة الأميركية تجاه تطورات الأحداث في مصر اتسمت بالارتباك وأنها تظل تبحث عن سبل لتوطيد علاقاتها مع الرموز الجديدة سعيا وراء الحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وأكد بريماكوف أن التغييرات الجدية والعميقة التي شهدتها مصر ستؤثر على الأوضاع في كل المنطقة العربية، مشيرا إلى أن هذه الأحداث كشفت عن إخفاق أجهزة الاستخبارات العالمية والأميركية في استقراء الأوضاع في المنطقة. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن هناك من تصور أن الإسلاميين يقفون وراء ما جرى في تونس ثم في مصر، مستندين في استنتاجاتهم إلى أن الرئيسين مبارك وزين العابدين بن علي كانا في صدارة القوى المناهضة للإرهاب والمؤيدة لدعم الطابع العلماني للدولة. وعزا بريماكوف ما جرى إلى أمرين أولهما عدم تقدير أن عملية تصفية مخلفات حقبة النظام الاستعماري لم تنته بعد في هذه البلدان وأن هناك من تصور انتهاء زخم الثورة وهو ما اعتبره غير صحيح. أما الأمر الثاني فيتمثل في عدم إدراك أهمية ودور التحديث واستخدام أحدث أساليب وأدوات العصر وفي مقدمتها الإنترنت والتلفزيون والهواتف الجوالة.

وأشار بريماكوف إلى دور حركة 6 أبريل في مصر التي استندت في نشاطها إلى الإنترنت، مؤكدا أن عدد أعضائها يتجاوز بكثير الرقم المعلن وهو 70 ألفا ما يعني خطأ التقديرات على حد قوله.

وفي معرض تحليله للأوضاع الراهنة تحدث بريماكوف عن بروز ظاهرة الاحتجاجات والانفجارات الاجتماعية تجاه تفشي الفساد وتنامي السخط إزاء ضبابية الرؤية تجاه مستقبل الشباب وتفشي البطالة. ورصد ظاهرة رفع المتظاهرين في مصر واليمن والأردن لصور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الكثير من البلدان العربية رغم أنهم ليسوا من أنصار العهد الناصري وإن عكست هذه الظاهرة صحوة تعكس ميول الجماهير نحو إحياء فكرة القومية العربية. وأشار إلى أن وحدة الشعارات والهتافات جمعت بين توجهات المعارضين بينما لعبت الثورة المصرية دورا كبيرا في إثارة الانفجار الاجتماعي في الدول العربية.

وتوقف بريماكوف عند مشاركة «الإخوان المسلمين» في مظاهرات تونس ومصر، مشيرا إلى أنهم لم يكونوا في صدارة المشهد السياسي، بل وغابوا عن طليعته في الوقت الذي انضم فيه شبابهم إلى أقرانهم من المتظاهرين ولم يرفع أي منهم أي شعارات إسلامية وهو ما قال إنه يدفع إلى التساؤل حول مشروعية إدراجهم ضمن خانة المتطرفين، مؤكدا عدم صحة مثل هذا التوجه وخطأ عدم التمييز بين توجهات فصائلهم وطبيعة كل تنظيم.

واستعاد بريماكوف نتائج الانتخابات البرلمانية قبل الماضية في مصر التي سبق وفاز فيها الإسلاميون بنسبة 20% من أصوات الناخبين ما جعلهم جزءا من الحركة السياسية ودفعهم إلى الاهتمام أكثر بقضايا وهموم المجتمع ومنها مكافحة الفساد وما جعلهم يتجاوزون هدف إقامة الدولة الإسلامية. وتوقع إقدامهم على إعلان قيام حزبهم الحقيقي الذي يمكن أن يشاركوا من خلاله في الحياة السياسية المصرية في الفترة القريبة المقبلة.

أما عن موقف روسيا الرسمي من الأحداث في مصر فقال بريماكوف إنه رغم كونه لا يمثل روسيا رسميا، فإنه يؤكد أن موسكو ورغم ارتباطاتها الطيبة بالرئيس السابق مبارك فإنها تقف بمشاعرها إلى جانب المناضلين من أجل الديمقراطية. وأعرب عن سعادته بالتطورات السلمية للثورة المصرية وبالطابع السلمي لأحداثها وهو ما عزاه إلى دور الجيش والقوات المسلحة. وقال إن الخوف راود الكثيرين في موسكو تجاه منظر نزول الدبابات إلى الشارع المصري إلا أنه سرعان ما تبدد حين أكد الجيش عدم تدخله في الأحداث وحافظ على حياده الأمر الذي سرعان ما حدد مسار هذه الأحداث بعيدا عن طابع العنف رغم سقوط بعض الضحايا الذين لم يبلغ عددهم الحد الذي وصلت إليه في ليبيا.

وحول المخاوف التي تراود البعض في روسيا تجاه احتمالات أن تواجه الدولة الروسية أحداثا يمكن أن تجري حسب السيناريو المصري كما يقولون، أكد بريماكوف أن الأوضاع في روسيا مختلفة عنها في غيرها من البلدان والمناطق معيدا إلى الأذهان ما سبق وقيل حول هذا الشأن في أعقاب اندلاع الثورات في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. لكن ذلك لم يمنعه من الاعتراف بوجود الساخطين والمتذمرين في روسيا من جراء تدهور الأوضاع الاجتماعية والمعيشية وانتشار البطالة التي قال إنها تزيد عن 5 ملايين مواطن. لكنه عاد وأكد أن روسيا ليست مصر.. ثم أضاف ضاحكا: فليعلم المصريون أن شرارة الثورة التي أشعلوها يمكن أن تنتقل إلى روسيا.

وتطرق الأكاديمي بريماكوف إلى موقف الولايات المتحدة، مؤكدا سقوط ادعاءاتها بأنها على علم بكل خفايا الأوضاع في المنطقة. وقال إن حرص واشنطن على الإبقاء على صورتها بوصفها الدولة الداعمة والمؤيدة للتوجهات والقوى الديمقراطية في نفس الوقت الذي تظل فيه على مقربة بغية الحفاظ على مصالحها من خلال نظام تريده غير معاد لهذه المصالح. وقال إنها تحاول تلمس كل السبل من أجل الإبقاء على خيوط الصلة مع كل القوى السياسية الموجودة هناك. واستعاد ما قامت به واشنطن من اتصالات وما أعلنته من تصريحات خلال أيام الثورة وكيف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يترك سماعة الهاتف وكان دائم الاتصال بالرئيس السابق مبارك الذي أيد بقاءه في السلطة وحتى سبتمبر (أيلول) المقبل ثم عاد إلى مطالبته بالرحيل قبل ذلك في محاولة لإقناع المتظاهرين بأنه يدعم مواقفهم بوصفه ممثلا عن الحزب الديمقراطي.

ويذكر المراقبون أن واشنطن كانت إلى جانب تولي عمر سليمان لمقاليد السلطة خلفا لمبارك وهو ما أعلنت عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلا أنها عادت وعدلت عن هذا التأييد بعد ظهور المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى وقع صورة اجتماعه الأول خالية من وجود مبارك وسليمان وهو ما كان مؤشرا إلى تحول الأحداث.

وعن مدى تأثير الأحداث الأخيرة في مصر على مسار التسوية السلمية في الشرق الأوسط قال بريماكوف إن جميع الأطراف المعنية تظل عند موقفها من ضرورة بقاء مصر في صدارة القوى الرئيسية الفاعلة في عملية التسوية. وقد أعرب المجتمع الدولي عن ارتياحه لتعهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بالتمسك بكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المبرمة مع مصر واعتبار ذلك من أهم عناصر الاستقرار. لكنه قال بأن الكثير يتوقف على القيادة الإسرائيلية التي تريد المزيد من الوقت لتحليل الموقف في ظل الظروف الجديدة بما يسمح باتخاذ الخطوات اللازمة في اتجاه التسوية بما في ذلك على المسار السوري. وأعاد بريماكوف إلى الأذهان مباحثاته مع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال لقائهما في تسعينات القرن الماضي وهو اللقاء الذي قال إنه أكد فيه لضيفه الإسرائيلي أن سورية لن تقبل بغير السيادة على مرتفعات الجولان. وطرح بريماكوف رؤيته للحل في إطار نزع سلاح الجولان والتوصل إلى شروط مشابهة لما نصت عليه معاهدة كامب ديفيد بخصوص الأوضاع في شبه جزيرة سيناء.

وتوقف بريماكوف قليلا ليباغتنا بتصريحه: هل تعلم أن إسرائيل أبلغت النظام السابق في مصر باحتمالات الدفع بقواتها إلى سيناء من أجل الحيلولة دون زحف قطاع غزة في اتجاه القاهرة؟... هذه حقيقة اعلمها وأؤكدها وأنا مسؤول عنها. قالها بريماكوف وهو يضع راحته على مائدة الاجتماعات الملحقة بمكتبه الكائن على مبعدة أمتار من الكرملين في قلب العاصمة الروسية، في إشارة إلى انتهاء هذا الحديث.