ساركوزي يتخلى عن وزيرة خارجيته

أليو ماري تدفع ثمن أخطائها «التونسية» والصحافة «تنبش» علاقات رفيق دربها بالنظام الليبي

TT

هل تكون الزيارة التي قامت بها إلى الكويت للمشاركة في احتفالات الذكرى العشرين لتحريرها آخر النشاطات الرسمية التي تتولاها وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال أليو ماري قبل رحيلها عن الوزارة التي تولتها قبل شهرين ونصف بمناسبة آخر تعديل وزاري في فرنسا؟

الجواب حسمته المعلومات المسربة عن رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي وبعض زملاء أليو ماري في الحكومة، وفحواه أن ساركوزي سيعمد مساء اليوم أو غدا في أبعد تقدير إلى إجراء تعديل وزاري ضيق تخرج بموجبه أليو ماري من وزارة الخارجية إن لم تستبق القرار الرئاسي بتقديم استقالتها. ويبدو شبه مؤكد أن وزير الدفاع الحالي ألان جوبيه سينتقل إلى الخارجية التي سبق أن شغلها كما شغل لاحقا رئاسة الحكومة في بداية العهد الأول للرئيس جاك شيراك (1995 - 2002).

لكن وزيرة الخارجية تعطي الانطباع بأنها لا تزال تتمسك بحقيبتها الوزارية وغير راغبة في ترك الحكومة. واغتنمت وجودها في الكويت لتعلن أنها «معبأة مائة في المائة» للقيام بمهامها الوزارية وأنها ستتوجه إلى جنيف غدا لإلقاء كلمة بمناسبة اجتماع مجلس حقوق الإنسان حول ليبيا. وتطالب باريس بتجميد عضوية طرابلس في المجلس المذكور فضلا عن مطالبتها بفرض عقوبات متنوعة عليها في إطار مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي.

وتوصف أليو ماري بأنها «سيدة الأرقام القياسية»، حيث إنها كانت أول امرأة تترأس حزبا سياسيا كبيرا (التجمع من أجل الجمهورية الديغولي) وتتولى وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، فضلا عن أنها كانت تشغل مع رفيق دربها باتريك أوليه مقعدين وزاريين في حكومة واحدة: هي في وزارة الدفاع وهو وزير لشؤون البرلمان.

غير أن كل هذه «الميزات» لن تكفي أليو ماري للتغلب على «الخطأ» الذي ارتكبته بأن ذهبت إلى تونس مع باتريك أوليه ووالديها لتمضية عطلة عيد الميلاد بينما كانت «ثورة الياسمين» على أشدها. وأساءت إليها علاقتها برجل أعمال تونسي مقرب من عائلة بن علي - طرابلسي اسمه عزيز ميلاد وضع تحت تصرفها طائرته الخاصة؛ بل وقع مع والديها صفقة باع بموجبها حصصا في شركة استثمارية عقارية.

ولم تنجح شروحات أليو ماري في تبديد النقمة عليها ووقف الدعوات لاستقالتها من منصبها. وما زاد الطين بلة؛ كلمة ألقتها أمام البرلمان في ذروة الأزمة التونسية عرضت فيها على نظام بن علي الاستعانة بـ«الخبرات» الفرنسية لحفظ الأمن، أي لقمع المتظاهرين. ومع صباح كل يوم، كانت «فضيحة» أليو ماري تشهد جديدا. ومما ضاعف من حرج موقفها، عجز الدبلوماسية الفرنسية عن رسم خط واضح للتعاطي مع ربيع ثورات العالم العربي المتنقلة، حيث أعطت باريس الانطباع بأنها دعمت بن علي حتى سقوطه وفعلت الشيء نفسه مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وهي لا تعرف كيف تتعاطى مع ثورات تحدث على بابها وفي بلدان تربطها بفرنسا علاقات خاصة.

ونتيجة ذلك كله، أصبحت أليو ماري خارج اللعبة؛ إذ إنها استبعدت من أول زيارة وزارية إلى تونس، كما استبعدها ساركوزي من زيارته الأخيرة يوم الجمعة إلى تركيا لأنها أصبحت عالة عليه، خصوصا في مرحلة سياسية حرجة بالنسبة له وللحكومة.. فالانتخابات الرئاسية بعد 14 شهرا وفرنسا ترأس مجموعتي العشرين والثماني الاقتصاديتين للعام الحالي. ولذا، من المستحيل على ساركوزي التعايش مع وزيرة خارجية «محترقة».

من هنا، تأتي الحاجة الملحة لوضع حد لتدهور شعبيته لدى الرأي العام والاستفادة من الرئاستين ليحسن مواقعه السياسية وليطل بقوة على المنافسة الرئاسية.

وفي صورة الوضع الراهن، يبدو وزير الدفاع رجل المرحلة لشغل مقعد وزير الخارجية؛ إذ له من التجربة والقوة ما يؤهله لهذا المنصب، فضلا عن كونه يحظى بالاحترام داخل وزارة الخارجية ولدى الدبلوماسيين بسبب تجربته السابقة الناجحة.

يبقى أن على ساركوزي أن يحل معضلة باتريك أوليه الذي نسج علاقات قوية مع نظام العقيد القذافي منذ 8 سنوات وكان رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية - الليبية في البرلمان الفرنسي. وكانت هذه العلاقة ورقة يمكن توظيفها عندما كانت العلاقات بين باريس وطرابلس في أحسن أحوالها. أما اليوم، فقد أصبح هو الآخر عالة على الحكومة وساركوزي. وفي الأيام الأخيرة، دأبت الصحافة الفرنسية على «نبش» تفاصيل علاقاته بالنظام الليبي ودوره في عقد بعض الصفقات؛ منها صفقات تسليح. ولذا، فالتساؤل الذي لم يحسم أمره بعد هو معرفة ما إذا كان ساركوزي سيتخلى عن أليو ماري وأوليه معا أم إنه سيحتفظ بالأخير إرضاء للأولى.

أليو ماري تعرف بسيدة الأرقام القياسية. وآخر رقم حطمته أنها قد تكون وزيرة الخارجية الوحيدة التي أمضت ثلاثة أشهر ونصف فقط في آخر مناصبها الوزارية.