امرأة تصنع المجد في عالم كرة القدم الذكوري بالبرازيل

رئيسة نادي فلامينغو الأكثر شعبية في البلاد تجاهد لإبقائه في الصدارة رغم المنافسة ومشكلات المحاكم

باتريشا أموريم
TT

مع ظهور رونالدينهو، أفضل لاعبي كرة القدم خلال الشهر الحالي، من غرفة تغيير الملابس بزي نادي فلامينغو ذي اللونين الأسود والأحمر، وتسريحة ذيل الحصان التي تميزه، أخذ المشجعون يصفقون. لكن كانت أعين مجموعة من الرجال يجلسون على مقاعد مثبتة على شخص آخر، واتجهوا نحو جزء خاص أعلى المدرجات وأخذوا يرددون «باتريشا.. باتريشا.. نحبك».

علت وجه باتريشا أموريم، رئيسة نادي فلامينغو، الذي يعد أكثر الأندية الرياضية شعبية في البرازيل، حمرة الخجل، ولوحت لهم بيدها. لقد كانت لحظة تتمنى فيها باتريشا، السباحة الأولمبية السابقة، وأول امرأة تدير النادي الذي أنشئ منذ 115 عاما، أن تنسى عاما مضى.

فخلال العام الماضي، اتهمت الشرطة برونو فرناندز داس دوريس دي سوزا، حارس المرمى وكابتن فريق فلامينغو لكرة القدم، بارتكاب جريمة قتل، بعد اختفاء عشيقته السابقة التي زعمت أنها حامل في طفل منه. وكان لاعب آخر شهير هو أدريانو ليت ريبيرو، يعاني من إدمان الكحول، وكان مشكوكا في أنه على علاقة بتجار مخدرات.

رسمت مجموعة الأحداث المتلاحقة التي بدت خارج سيطرة باتريشا صورة سلبية للنادي، حيث بدا أنه يفتقر إلى الانضباط، وكذلك دعمت الفكرة القائلة إن المرأة لا تستطيع إدارة فريق كرة قدم برازيلي خاصة في حجم شعبية فلامينغو، الذي يقدر عدد مشجعيه بنحو 35 مليونا. وقال روي كاسترو الذي ألف كتابا عن نادي فلامينغو «لقد كان حظها تعيسا جدا». وبدأت الإشاعات حول رغبة أعضاء النادي في اتهام باتريشا بسوء الإدارة تنتشر في الإعلام منذ أن بدأ النادي، الذي فاز ببطولة البرازيل عام 2009، في خسارة المباريات، وبدأ يعاني من صعوبة ملء المدرجات بالجماهير. وحاولت باتريشا، المنافسة المتمرسة، عدم لعن سوء حظها. وقالت «أحيانا نعتقد أن الأمر فظيع بحيث لا نستطيع رؤية النور عند نهاية النفق المظلم. لكن ربما أسعدنا الحظ بالمرور بكل هذا لقدرتنا على تغييره بشكل أسرع».

في البرازيل المهووسة بكرة القدم، لا يوجد فريق أكثر شعبية أو أعرق من فريق «فلامينغو» الذي يوجد مقره في ريو دي جانيرو. وقد بدأ كفريق تبعته النخبة التي انضمت إلى نادي الجماهير. وازدادت شعبيته في بدايات الإذاعة القومية في الثلاثينات عندما كانت ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل.

وقد قضت باتريشا حياتها في محاولة لتغيير الثقافة الذكورية المحافظة للنادي الذي بدأ كنادي تجديف ثم توسع ليضم مختلف الألعاب وضمنها الألعاب الأولمبية، مثل السباحة وكرة السلة والكرة الطائرة. ووصلت باتريشا إلى منصب رئاسة النادي في ديسمبر (كانون الأول) 2009 عندما انتخبها الأعضاء في خطوة مفاجئة.

نشأت باتريشا في منزل قريب من مقر نادي فلامينغو في ركن مزدحم في المنطقة الجنوبية في ريو دي جانيرو. كان والدها عازف جاز وغيتار، وكانت والدتها تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية. وأصبحت السباحة شغفها منذ وقت مبكر، فعندما كانت في الثالثة من العمر نصح طبيب والدتها بأن تسجل اسم شقيقتها الكبرى في مدرسة تعليم السباحة حتى تتغلب على مرض الربو واشتركت باتريشا معها. وبعد عامين كانت باتريشا تسبح مع مدرب وقارب إنقاذ في خليج غوانابارا في ريو دي جانيرو الذي يبعد أكثر من ميل. وقالت والدتها تانيا أموريم «لم تكن تشعر بأي خوف». وفوق مكتب باتريشيا في نادي فلامينغو توجد صورة داخل إطار وهي تقف بملابس السباحة بين سباحين آخرين أضخم منها حجما. وتتذكر ديبورا فروغتينغارتين، صديقة باتريشيا وزميلتها في السباحة، قائلة «لم تكن طويلة، ولم تكن في غاية القوة، لكنها كانت أول من يصل إلى حوض السباحة وأول من يغادره».

كانت باتريشا في مرحلة المراهقة عندما تأهلت للأولمبياد عام 1988 في سيول بكوريا الجنوبية، حيث حصلت على المركز الحادي عشر في سباق المائة متر. وحصدت 28 لقبا في البرازيل قبل اعتزالها عام 1991. وأثناء العمل والتدريب في نادي فلامينغو، اتجهت إلى السياسة، وتم انتخابها في مجلس مدينة ريو دي جانيرو المحلي عام 2000، وهي الآن في الدورة الثالثة. تزوجت باتريشا من لاعب الكرة الطائرة البرازيلي الذي التقته في بطولة رياضية في إسرائيل وأنجبت منه أربعة أطفال، ويعتمد الزوجان على أسرتيهما في رعاية الأبناء. ورغم عملها السياسي، كان عالم الرياضة ونادي «فلامينغو» عشقها الأول. ففي عام 2009 دعمها هيليو فيراز، رئيس النادي الأسبق، في ترشحها لرئاسة النادي. وقال فيراز الذي يتولى حاليا منصب نائب رئيس النادي «لقد حان وقتها. إنها أيقونة نادي فلامينغو، وتتمتع بالشباب والحيوية، وأحضرت معها جيلا جديدا من المسؤولين التنفيذيين المتخصصين». لكن نظرا لخلفيتها الأولمبية وكونها امرأة، شكك بعض أتباع فلامينغو في معرفتها الكروية. وأضاف فيراز «كما قلت لها المشكلة في البرازيل هي أن الجميع يفهم في الكرة ولديه قدرة على تكوين الآراء بشأنها».

هذا الشك والتحامل تزايد عندما تم القبض على دي سوزا، حارس المرمى السابق، بعد اختفاء عشيقته السابقة، إليزا ساموديو (25 عاما)، وهي قضية هزت البلاد. ففي ديسمبر (كانون الأول) أدان القاضي دي سوزا بتهمة خطف وتعذيب إليزا التي لم يعثر على جثتها بعد. ولا يزال دي سوزا في السجن ويواجه اتهاما منفصلا بالقتل. وقالت باتريشا «لقد أثر ذلك على الفريق ومشجعيه. لا يريد الناس الذهاب إلى المدرجات. لقد كان وقتا عصيبا على نادي فلامينغو».

وزاد التحقيق في جريمة القتل من إحباط المشجعين من جراء سلوك ريبيرو، وهو من سكان ريو دي جانيرو وعاد من إيطاليا ليلعب في نادي فلامينغو، لكنه سلك هذا النهج الخطر مع تقدمه في العمر. وقد وجه ممثلو الادعاء أسئلة له بشأن علاقته بأكبر تاجر للمخدرات في المنطقة. وفي يوليو (تموز) عاد إلى إيطاليا.

وقالت باتريشا إنها حاولت «إعادة ترتيب البيت من الداخل»، ملتفتة إلى كتابات قادة آخرين، مثل كتاب الرئيس الأميركي باراك أوباما «جرأة الأمل» بحثا عن إلهام. وعندما شبكت يديها مع أيدي أفراد فريق النادي قبل مباراة البطولة في يناير (كانون الثاني)، تحدثت عن الفرق بين «الحلم والواقع»، مشيرة إلى أن المسافة بينهما هي «الثقة». في النهاية لم يكن لإشاعات اتهامها بسوء الإدارة أي تأثير. وفاز الفريق بالبطولة، وأسعدت باتريشا الكثير من المشجعين من خلال توقيع عقد مع رونالدينهو (30 عاما)، الذي أراد العودة إلى بلده من إيطاليا. وقد سيطرت باتريشا على المفاوضات من خلال عقدها ثلاثة لقاءات مع رونالدينهو وإبعادها لأخبار المحادثات عن الصحف وتقربها من أخيه الذي يعمل مدير أعماله. ويتساءل البعض عما إذا كانت أيام رونالدينهو قد ولّت، لكن وصوله إلى الفريق حتى قبل نزوله إلى الملعب «أعاد روح الفرح» على حد قول باتريشا، التي قالت أيضا إنها تستطيع المساعدة في الوصول بنادي فلامينغو إلى مستوى «برشلونة»، الفريق الإسباني القوي الذي حقق فيه رونالدينهو المجد في الماضي. ويجب على رونالدينهو دفع 25% من راتبه بموجب الاتفاق الذي وقعه. وتقول باتريشا إن شركة التسويق الرياضي «ترافيك» ستلتزم بدفع الجزء الباقي من المبلغ، وتتوقع ازدهار فرص التسويق. وأوضحت أن نادي فلامينغو يحتاج إلى لاعبين أفضل في الوطن، وكذلك إلى الحفاظ عليهم بحيث لا يسافرون للاحتراف حتى يصبح مثل نادي برشلونة. ويوضح فيراز أن ازدهار اقتصاد البرازيل يساعد النوادي على جسر الفجوة في الأجور بينها وبين النوادي الأجنبية، حيث زادت عائدات نادي فلامينغو بمقدار أربعة أمثال منذ عام 2003. ويقول كاسترو «إذا فاز نادي فلامينغو بلقبين أو ثلاثة ألقاب مهمة خلال العام الحالي، ستعد باتريشا من أعظم رؤساء النادي». ومع نزول رونالدينهو للملاعب الشهر الحالي، لم يعد أي من مشجعي النادي يطالبون باتريشا «بالعودة إلى المطبخ أو رعاية شؤون المنزل والأطفال» كما كانوا يقولون العام الماضي. وتقول باتريشا «الناس يقللون من شأن المرء. أعتقد الآن أنهم لم يعودوا يقللون من شأني».

* خدمة «نيويورك تايمز»