حمى الاستقالات تضرب معقل القذافي وتطال جهاز الاستخبارات وحركة اللجان الثورية

تعزيزات أمنية وعسكرية غير مسبوقة حول معقل القذافي في العزيزية * القذافي يتصل بالأسد

ليبيون يرسمون علم العهد الملكي، وكُتب عليه «ليبيا الحرة»، على جانب طريق خارجي قرب بنغازي أمس (أ.ب)
TT

استمرت المواجهات في ليبيا أمس، ولم يضعف تصميم معارضي الزعيم الليبي معمر القذافي على الإطاحة به، في الوقت الذي لا يزال فيه القذافي يتحصن في معقله بمعسكر العزيزية في العاصمة طرابلس التي باتت تتهاوى. وشوهد محتجون مسلحون معارضون للزعيم الليبي وهم يمشون من دون مواجهة أو اعتراض من أحد في طرابلس.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن حمى الاستقالات الجماعية التي ضربت على مدى الأيام القليلة الماضية، النظام الموالى للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، قد وصلت مؤخرا إلى معقل حصونه الأمنية والاستخباراتية للمرة الأولى منذ الانتفاضة الشعبية العارمة التي تجتاح مختلف المدن الليبية للمطالبة بتنحي القذافي وإسقاط نظام حكمه.

وقال مسؤول أمني ليبي لـ«الشرق الأوسط» إن نصف ضباط جهاز المخابرات الليبية، الذي يترأسه أبو زيد عمر دوردة، قد تقاعدوا عن العمل وتركوا الخدمة بالجهاز احتجاجا على القمع الدموي الذي يمارسه نظام القذافي ضد المتظاهرين.

وأوضح المسؤول الذي وصل أمس على نحو مفاجئ إلى القاهرة أن مسؤولين عن محطات مهمة للمخابرات الليبية في الخارج قد استقالوا أيضا وأعلنوا انحيازهم للثورة الشعبية. وأكد أنه تمكن من الهرب من طرابلس وقبضة القذافي بحجة القيام بمحاولة إضافية لجلب مزيد من المرتزقة من عدة دول أفريقية، مشيرا إلى أنه كان من بين أعضاء وفد كان في طريقه إلى عدة عواصم أفريقية للاتفاق مع شركات أمن خاص على توظيف مرتزقة بمرتبات سخية على حد تعبيره.

ولوحظ أن موقع جهاز الأمن الخارجي (المخابرات الليبية) على شبكة الإنترنت دعا أمس في بيان مقتضب المواطنين الليبيين إلى «المساهمة بتقديم معلومات تسهم في تحقيق أمن وسلامة الجماهيرية ومصالحها وكل ما من شأنه أن يحقق الأمن والسلم». وقال الجهاز إنه وفر هذه الخدمة، سواء بالاتصال الهاتفي أو من خلال إرسال رسالة إلكترونية، لكن محاولة «الشرق الأوسط» للاتصال بهذه الأرقام لم تسفر عن الحصول على أي رد، كما تجاهل الموقع الرد على عدة رسائل بالبريد الإلكتروني للغرض نفسه.

كما تلقت «الشرق الأوسط» معلومات عن وصول بعض قياديي حركة اللجان الثورية التي تعتبر العمود الفقري للنظام الجماهيري الذي دشنه القذافي في البلاد عام 1977، إلى القاهرة. وقال دبلوماسي ليبي التقى بأحدهم أمس إن ما يزيد على عشرة أشخاص من القيادات قد هربوا بالفعل من ليبيا، وإن معظمهم في طريقهم إلى مغادرة القاهرة إلى جهات غير معلومة.

وتحدث موقع «جيل ليبيا» الإلكتروني عن أن العضو البارز في حركة اللجان الثورية في بنغازي، عبد الرحمن سالم الككلي، شوهد في القاهرة أمس مع أفراد من ‏أسرته وبعض المرافقين نزيلا بأحد فنادق القاهرة، مشيرا إلى أنه تقصى من إدارة الفندق وعلم أن الككلي ‏نزل بالفندق وهو يحمل جواز سفر تونسيا باسم سعيد سالم.

إلى ذلك، قال منشقون على الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، وشهود عيان في العاصمة طرابلس الغرب، لـ«الشرق الأوسط»، إن القذافي الذي بدأ الخناق يضيق عليه في الأيام القليلة الماضية لم يعد يسيطر سوى على مساحة تقل تقريبا عن نصف مساحة المدينة، حول ثكنة العزيزية التي يتخذها مقرا له إلى مكان محصن تحسبا لما وصفوه بالمعركة الأخيرة ضد المتظاهرين الذين يطالبون بتخليه عن السلطة. وقال شاهد عيان من طرابلس عبر الهاتف المتصل بالأقمار الصناعية «رأيت بأم عيني تشكيلة من الدبابات والمجنزرات وراجمات الصواريخ تتخذ دائرة حول العزيزية»، مشيرا إلى أن كل الطرق المؤدية إلى مقر القذافي تحيط بها الآن المتاريس والعربات المجنزرة من كل جانب. وأضاف «سمعنا منذ مساء أمس أنباء عن وصول تعزيزات أمنية وعسكرية إضافية يعتقد أنها قدمت من الخارج. ثمة حركة غير اعتيادية في المطار الذي ما زال القذافي يهيمن عليه».

من جهة ثانية، قال التلفزيون الليبي إن العقيد القذافي أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد أول من أمس الجمعة وذلك في إطار التنسيق والتشاور المستمر بينهما حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. من جهته، قال سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، أمس، إن الاضطرابات التي تشهدها ليبيا تجعل جميع الخيارات مفتوحة، بما في ذلك نشوب حرب أهلية وتدخل أجنبي. وأضاف في مقابلة مع قناة «العربية» أن ما تشهده ليبيا فتح الباب أمام جميع الخيارات. وظهرت في الوقت الراهن مؤشرات على حرب أهلية وتدخل أجنبي. وتابع قوله إنه يتوجب التوصل لاتفاق لأن الناس لا مستقبل لهم ما لم يتفقوا معا على برنامج جديد.

وتحدت الأحياء الفقيرة بالعاصمة الليبية طرابلس معمر القذافي علانية أمس. وقال سكان تاجوراء للمراسلين الأجانب الذين زاروا المنطقة التي تقطنها الطبقة العاملة، إن قوات الأمن تخلت عن تاجوراء بعد خمسة أيام من المظاهرات المناهضة للحكومة. وأضاف السكان أن القوات فتحت النار على المتظاهرين الذين حاولوا السير من تاجوراء إلى الميدان الأخضر بوسط البلاد خلال الليل، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. ولم يتسن التحقق من هذا العدد من جهة مستقلة. وتحولت صباح أمس جنازة أحد الضحايا إلى استعراض آخر للتحدي ضد القذافي. وعموما فقد شهدت العاصمة طرابلس هدوءا نسبيا أمس بعد الاشتباكات الدامية التي وقعت طيلة أول من أمس عقب صلاة الجمعة بين المتظاهرين وقوات القذافي المدعومة بالمرتزقة الأفارقة، والتي سقط ضحيتها نحو مائة شخص ما بين قتيل وجريح. وقال معارضون للقذافي لـ«الشرق الأوسط» إنهم تلقوا معلومات منسوبة لمسؤولين في الحكومة والجيش تفيد بأن القذافي طلب من مساعديه كشفا حصريا بما يمتلكه الجيش الليبي من أسلحة كيماوية من دون تفسير لهذا الطلب.

وأعرب هؤلاء عن خشيتهم من احتمال إعطاء القذافي تعليمات إلى عناصره الأمنية والعسكرية باستخدام هذه الأسلحة المجرمة والمحرمة دوليا ضد المتظاهرين إذا شعر بأنهم في طريقهم لإحكام السيطرة على كامل محيط العاصمة والاقتراب من مقره بالعزيزية. وتحدث شهود عيان آخرون عن أنه تم إنزال 50 دبابة في طريق الشط على مقربة من العاصمة. من جهتها، كشفت صحيفة «قورينا» الإلكترونية الصادرة من بنغازي النقاب عن أن العشرات أصيبوا إصابات شديدة أمس في غرب ليبيا، بعدما فتحت قوات الأمن الليبية النار، مشيرة إلى أن كتيبة الخويلدي الحميدي فتحت النار في منطقة على ساحل البحر المتوسط بين مدينتي سبراطة وسرمان.

إلى ذلك، حذرت جماعة الإخوان المسلمين المناوئة للقذافي من أي محاولة لفرض ما وصفته بالوصاية الخارجية على الشعب الليبي أو التدخل في شؤونه الداخلية. وقالت الجماعة في بيان أصدرته أمس وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه تعليقا على التحركات الدولية إزاء ما يحدث في ليبيا، إن بعض الدول تفرض إجراءات دولية لتحل هذه الأزمة على طريقتها، تارة بالتهديد بالتدخل العسكري، وبالخيارات المفتوحة تارة أخرى. وإزاء هذا فإننا نرفض بشدة أي إجراءات من شأنها أن تكون حصارا للشعب الليبي أو انتقاصا لسيادته على أرضه أو تهديدا لحريته في وطنه.

واعتبرت أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات محددة ضد النظام تتمثل في سحب الاعتراف بنظام القذافي ممثلا للشعب الليبي، والعمل على إرسال قوافل إغاثة ومساعدات طبية عاجلة إلي ليبيا، بالإضافة إلى إصدار مذكرة توقيف ضد القذافي وأبنائه وقادة أجهزته الأمنية بسبب ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

كما طالبت الجماعة في بيانها بالتضييق على التحركات الدبلوماسية لعناصر النظام والمحسوبين عليه وتجميد أرصدتهم، خاصة محافظ المصرف المركزي حافظ بن قدارة، ونائبه محمد الشكري. ودعا إخوان ليبيا أيضا إلى حظر نشاط شركة «الخطوط الأفريقية»، وفتح تحقيق مع القائمين عليها بشأن تورط هذه الشركة في نقل قوات مرتزقة استخدمها النظام في ارتكاب جرائم حرب ضد شعبه. ووجه البيان نداء إلى الشعب الليبي جاء فيه «احرصوا على الوحدة الوطنية، واحرصوا على السير قدما نحو دولة القانون والمؤسسات، دولة الحرية والكرامة لكل أبناء الشعب الليبي».

من جهته، قال المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي، إن أسرة القذافي لا تحكم ليبيا، مؤكدا أن تعطل مشاريعه الإصلاحية على مدى السنوات الماضية خير دليل على ذلك. وأوضح نجل القذافي في تصريحات تلقتها «الشرق الأوسط» تمثل إجمالي حصيلة اللقاءات التي أجراها على مدى يومين مع مجموعة من الصحافيين العرب والأجانب في طرابلس، أن الوضع في العاصمة هادئ وليس كما تصوره وسائل الإعلام التي قال إنها مغرضة وتستهدف زعزعة أمن واستقرار بلاده. وقال إن «السلام عائد إلى بلادنا»، واصفا تقارير لوسائل الإعلام بأن قوات الجيش قصفت المدنيين أو تستخدم مرتزقة بأنها أكاذيب. وأضاف «إننا نضحك على هذه التقارير». ورأى أن إبعاد وسائل الإعلام الأجنبية كان خطأ، وحث الصحافيين على أن يجروا الآن مقابلات مع «مئات الآلاف» من الناس أنفسهم، معتبرا أن «أكبر مشكلة هي حملات وسائل الإعلام المعادية ضدنا. إنهم يريدون إثبات أن ليبيا تحترق، وأنه توجد ثورة كبيرة هنا».