تونس: الغنوشي يستقيل من رئاسة الحكومة المؤقتة استجابة لضغوط الشارع

أنباء عن تعيين الباجي قائد السبسي رئيسا للوزراء

TT

أعلن رئيس الحكومة الانتقالية في تونس محمد الغنوشي في مؤتمر صحافي عقده في تونس، أمس، استقالته من منصبه، غداة أعمال عنف في العاصمة أوقعت ثلاثة قتلى، مما يفتح الباب أمام أزمة سياسية بعد شهر ونصف الشهر على سقوط نظام زين العابدين بن علي. بينما تواترت أنباء تشير إلى أن الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، كلف الباجي قائد السبسي (85 عاما)، رئيسا لوزراء تونس خلفا للغنوشي.

وقال الغنوشي: «قررت الاستقالة من منصبي كوزير أول»، مضيفا أن هذه الاستقالة «ليست هروبا من المسؤولية، بل هي إفساح للمجال أمام وزير أول آخر». وتابع: «ضميري مرتاح.. ولست مستعدا لأكون الرجل الذي يتخذ إجراءات ينجم عنها ضحايا»، مشيرا إلى أن خطوته هذه «هي في خدمة ثورة تونس». وكانت المواجهات بين المتظاهرين والشرطة تواصلت في تونس، واندلعت أعمال عنف جديدة، بعيد ظهر أمس، في وسط العاصمة، حيث قام شبان بأعمال تخريب غداة مواجهات أسفرت عن ثلاثة قتلى. وكان أكثر من مائة ألف متظاهر طالبوا الجمعة بتنحي حكومة محمد الغنوشي وذلك خلال أضخم تجمع تشهده العاصمة التونسية منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011.

وأعلنت الحكومة الانتقالية التي بدت متجاهلة لهذه الدعوات عن تنظيم انتخابات في أجل أقصاه منتصف يوليو (تموز) من دون تحديد طبيعة هذه الانتخابات. وقال الغنوشي، أمس، عقب مؤتمره الصحافي المطول الذي شرح فيه الخطوات التي أقدمت عليها حكومته منذ تسلمها السلطة، إن «الفترة المقبلة حاسمة لتونس». وتحدث عن «عدة سيناريوهات مطروحة تتعلق بالانتخابات الرئاسية والمجلس التأسيسي»، مضيفا أن «الثورة تملي بأن يكون هناك دستور جديد تنطلق على أساسه البلاد».

ولم يعلم بعد ما إذا كانت استقالة الغنوشي ستصبح نافذة على الفور أم إنه سيقوم بتسيير الأعمال الحكومية بانتظار اختيار خلف له، مع العلم بأن فؤاد المبزع يتولى أيضا رئاسة البلاد بصفة انتقالية. وسرعان ما توقفت المواجهات في الشارع مع إعلان الغنوشي استقالته من دون أن تواجه بمظاهر فرح من قبل المتظاهرين في العاصمة.

وأثارت استقالة محمد الغنوشي ردود فعل على مستوى المشهد السياسي التونسي أجمعت في معظمها على تحقيق أحد مطالب التونسيين خلال الفترة الماضية، إلا أن بعض المتابعين اعتبروا أن هذه الخطوة جاءت متأخرة.

وكشف من ناحية أخرى عن أن رئيس الجمهورية المؤقت سيعلن نهاية الأسبوع عن خريطة طريق بشأن الانتخابات القادمة. ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل فور الإعلان عن استقالة محمد الغنوشي، الرئيس المؤقت، إلى تكليف شخصية وطنية مستقلة بتشكيل حكومة تصريف أعمال. ونادى ببعث مجلس تأسيسي منتخب من الشعب يضمن الديمقراطية وحرية الاختيار.

حول هذه الاستقالة التي فاجأت بعض التونسيين ولم تفاجئ البعض الآخر، قال عبد القادر الزيتوني، الأمين العام لحزب تونس الخضراء (حزب بيئي)، إن استقالة الغنوشي جاءت متأخرة جدا وقد فاقمت الأوضاع السياسية التي كان بالإمكان أن تكون أفضل مما عليه الآن من مواجهات. وأضاف الزيتوني لقد طالبنا منذ البداية بتكوين حكومة إنقاذ وطني تضم كل الفئات السياسية، إلا أن رئيس الحكومة المؤقتة اختصر المعارضة في حزبين معارضين فحسب، وهذا ما جعل بقية الحساسيات السياسية التونسية تصطف في مجلس وطني لحماية الثورة للمحافظة على مكاسب الثورة. وحول الشخصية المرشحة لقيادة الحكومة خلال الفترة المقبلة، قال الزيتوني «لا بد أن نبحث عن شخصية وفاقية داخل مجلس حماية الثورة والشرط الأساسي الذي يطلبه كل التونسيين هو ألا يكون منتميا في السابق إلى التجمع الدستوري الديمقراطي الحزب الحاكم في عهد بن علي. وربما يقع الرجوع إلى الرئيس المؤقت فؤاد المبزع لاختيار الشخصية الوفاقية التي لم تتضح معالمها بعد»، على حد رأي الزيتوني.

وقال محمد الصالح الحدري، مؤسس حزب العدل والتنمية (حزب إسلامي)، إن استقالة الغنوشي جاءت لتنقي الأجواء بعض الشيء وتعيد الكثير من المسائل إلى الواجهة. وتابع الحدري أن رئيس الحكومة المستقيل لم يستمع لمطالب التونسيين طوال المدة الماضية وخاصة منها القطع مع النظام السابق. وقال إن استقالته جاءت بعد تحميله مسؤولية الضحايا الذين سقطوا مساء الجمعة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة ومطالبة عائلات الضحايا بإعدام الغنوشي، ذاكرين أنه المتسبب في هلاكهم بعد إصراره على نفس النهج في تسيير الأمور منذ الإطاحة بنظام بن علي. الحدري قال إنه يرى في مصطفى بن جعفر، الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الشخصية الوفاقية التي بإمكانها أن تقود البلاد إلى شاطئ الأمن خلال الفترة المقبلة. وكانت الحكومة التي أعلنها الغنوشي في 17 يناير الماضي قد لقيت معارضة من الشارع التونسي باعتبار معظم وزرائها من حزب الرئيس بن علي، مما اضطر الغنوشي إلى إعلان تركيبة حكومية ثانية يوم 27 من نفس الشهر. وحافظت كلتا الحكومتين على وجود حزبي حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي في صفوفها وهما من المعارضة. إلا أن الأحزاب السياسية والمنظمات التي لم تشارك في الحكومة دعت إلى تكوين مجلس وطني لحماية الثورة. ودعا إلى إسقاط حكومة الغنوشي وبعث مجلس تأسيسي يحدد المسار الانتقال إلى الديمقراطية. ونادى أعضاء المجلس إلى اعتصام أول في ساحة الحكومة بالقصبة سرعان ما تم تفريقه بالقوة وبطريقة وصفت بأنها «رجوع إلى الديكتاتورية»، إلا أن المحتجين عادوا من جديد إلى الاعتصام في القصبة وبأعداد أكبر وسيروا مظاهرات ضخمة بداية من يوم الجمعة انتهت بسقوط خمسة قتلى إلى حدود يوم السبت والقبض على أكثر من 180 متظاهرا.