السويد تبدأ في التساؤل عن جدوى مبادئ الهجرة المتحررة

يطلقون النار على بعضهم ويتعاطون المخدرات ويحرقون السيارات

مسكن المهاجرين في حي روزينغارد بمالمو (نيويورك تايمز)
TT

قرر نيك نيلسون (46 عاما) أن يصوت للحزب اليميني المتطرف في السويد خلال فصل الخريف الماضي بسبب وجود شعور متنام بأن بلاده قد تمادت في السماح لعدد كبير من المهاجرين بالاستقرار في مدينة مالمو.

ويعيش نيلسون، الذي يعمل كسائق شاحنة، على بعد نصف ميل من حي روزينغارد الواقع في هذه المدينة، حيث تكتظ مبان سكنية كئيبة بلاجئين من جميع الصراعات الحديثة في العالم بالفعل، حيث تحتوي على لاجئين إيرانيين وبوسنيين وفلسطينيين وصوماليين وعراقيين.

وقال نيلسون مؤخرا: «لا يجد أي فرد عملا هناك. إنهم يطلقون النار على بعضهم البعض، ويتعاطون المخدرات ويحرقون السيارات. لقد طفح الكيل بهم!».

ولوقت معين، بدت الصين محصنة ضد ذلك النوع من الشعور بمعاداة المهاجرين، الذي كان يزدهر في أماكن أخرى بقارة أوروبا. وقد سمح برنامج الرفاهة الكريم وسياسات اللجوء السياسي لمئات الآلاف من اللاجئين بالاستقرار هناك، قدم عدد كبير منهم في السنوات الأخيرة من دول إسلامية. وقد أصبح ربع سكان السويد تقريبا الآن أجنبيي المولد أو لديهم آباء مولودون في الخارج.

ولكن السويديين باتوا يتساءلون عن جدوى هذه السياسات بشكل متزايد. وخلال فصل الخريف الماضي، فاز حزب اليمين المتطرف، الذي كان يركز حملته الانتخابية إلى حد كبير على أفكار معادية للمهاجرين، بنسبة 6 في المائة من الأصوات، للمرة الأولى، وهو تأييد يكفي الحزب لكي يمتلك مقاعد في البرلمان السويدي.

وبعدها بستة أشهر، لا يزال عدد كبير من السويديين في صدمة. ولم يعد بمقدور الدولة، التي كانت تتفاخر بسمعتها فيما يتعلق بالتسامح، أن تقول إنها تقف بمنأى عن مشاعر العداء للمهاجرين المتنامية التي غيرت البرلمانات الأوروبية في أماكن أخرى، وأدت إلى حظر ارتداء النقاب في فرنسا وحظر بناء المآذن في سويسرا.

وفي مدينة مالمو، وهي مدينة متجددة بشكل سريع تقع جنوب السويد وبها ميناء شهير، كان التأييد للديمقراطيين السويديين اليمينيين المتطرفين قويا بشكل خاص، حيث حصلوا على نحو 10 في المائة من أصوات الناخبين. إنه المكان الذي يمكن أن تظهر فيه التوترات بشأن الهجرة بشكل كامل.

ووضع إيلمار ريبالو، عمدة المدينة، وهو ديمقراطي اجتماعي، يده على خريطة للمدينة في مكتبه، وأشار إلى أن أحياء الطبقة العاملة مثل حي نيلسون قد صوتت بقوة للديمقراطيين السويديين، كما كان متوقعا حسبما قال. ولكنه كان يمكن أن يشير إلى أحياء أكثر ثراء أيضا قدمت تأييدا لجناح اليمين المتطرف كما لم يحدث من قبل على الإطلاق.

وقال بهدوء: «لا بد أن نفكر بشكل أكثر عمقا لكي نفهم أسباب هذا الأمر».

ويقول بعض الخبراء إنه لا يتعين على المرء أن يفكر إلى هذا الحد. وقد أصبحت سياسات السويد الليبرالية مكلفة. وفي عقد الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، توجهت السويد، التي كانت تمتلك وظائف صناعية أكثر من أعداد المواطنين اللازمين لشغلها، للمهاجرين من أجل العمل بهذه الوظائف. وجاء معظم المهاجرين من دول أوروبية أخرى. وعمل هؤلاء المهاجرون ودفعوا الضرائب في مدينة مالمو. وكانت هذه سنوات جيدة بالنسبة إلى المدينة، التي كانت تضم ساحات لبناء السفن ومصانع لصناعة المنسوجات.

وعندما اختفت هذه الوظائف، أوقفت السويد تيارات العمالة المهاجرة، ولكنها لم توقف تدفق المهاجرين، الذين تجمع عدد كبير منهم في مدينة مالمو ومراكز صناعية سابقة أخرى. وكانت وظائف العمل لا تزال نادرة، ولكن خدمات الإسكان كانت متوافرة، حيث كانت تتوافر الشقق التي بنيت منذ فترة طويلة للعمال.

وفي بعض من هذه المباني السكنية، تصل نسبة البطالة بين صفوف المهاجرين إلى 80 في المائة. ويحتاج أبناؤهم إلى تلقي التعليم في المدارس، كما يحتاج آباؤهم المسنون إلى الرعاية الصحية. ويتعرض البعض منهم للضرر بفعل العنف الذي عايشوه. ويعاني هؤلاء المهاجرون من اضطرابات نفسية وإدمان المخدرات والكحوليات.

وتساءل البروفسور يان إيكبيرغ، وهو خبير اقتصادي في جامعة لينايوس، عن جدوى السياسات التي سمحت لهذا العدد الكبير من اللاجئين بالاستقرار في السويد رغم عدم توافر فرص عمل مناسبة لهم. وقال «إنهم يعتمدون على القطاع العام الآن بشكل لم يكن موجودا من قبل. وكان هذا خطأ في السياسة».

ولم يكن حي روزينغارد يمتلك على الإطلاق أي مظهر من مظاهر الأحياء الفقيرة المضطربة. وتكثر المروج والملاعب في هذا الحي. ولكن المنطقة لا تبدو مثل السويد التقليدية أيضا. وتتعلق أطباق الأقمار الصناعية من كل شرفة. وتبيع محلات المخبوزات الحلويات الشرقية. وتنتشر قناة «الجزيرة» في المقاهي وعلى شاشات العرض التلفزيونية. ويتجمع الشبان في أركان الشارع ويتباهون أحيانا بافتعال المشكلات مع قوات الشرطة.

ومنذ سنوات قليلة، كانت كتائب إطفاء الحريق والإسعاف لا تتمكن من مجرد الدخول إلى حي روزينغراد دون أن تصاحبها قوات الشرطة. وكان الشبان هناك يلقون بالحجارة على قوات الشرطة ويشعلون النار في سيارات الشرطة. ويقول مسؤولو الشرطة إن الأمور أصبحت أفضل كثيرا الآن. وقد انخفضت حوادث الحرائق بنسبة 40 في المائة خلال العام الماضي مقارنة بالحرائق التي اندلعت في الحي خلال عام 2009. ولكن تم إضرام النار في شاحنتين تابعتين لقوات الشرطة كانتا متوقفتين في المحطة خلال الشهر الماضي بمتفجرات صغيرة مصنوعة يدويا.

وكل هذا الأمر لا يروق لنيلسون وزوجته، آن كريستين (51 عاما) التي تقول إن المهاجرين لا يفشلون فقط في دفع تكلفة شيء بأنفسهم، ولكنهم يرفضون أيضا تعلم طرق العيش في الدولة المضيفة لهم.

وقالت زوجة نيلسون: «إنهم لا يحترمون الشعب السويدي. وما داموا تعلموا اللغة السويدية وتصرفوا مثل السويديين، فإنهم على الرحب والسعة. ولكنهم لا يفعلون ذلك. والهجرة كما هي الآن تحتاج إلى التوقف».

ولكن الامتعاض يسير على كلا الجانبين. ويشعر سكان حي روزينغارد بأنهم يعيشون في عزلة ويعاملون بازدراء. وهم يسخرون من فكرة أن السويديين متميزون نوعا ما - وأنهم أقل عنصرية وكرها للأجانب مقارنة بالأوروبيين الآخرين. وهم يعتقدون بأن السويد كانت سخية فيما يتعلق بالدعم المادي، ولكنها كانت أقل سخاء فيما يتعلق بأشياء أخرى. ويقول مهاجرون شبان مثل بيهرانغ ميري (26 عاما) الذي جاءت أسرته من إيران، إن الخوف من الإسلام أصبح يمثل قضية متنامية الخطورة. وإذا ضرب شاب سويدي امرأة، يتم إلقاء اللائمة في القيام بذلك على إدمان الكحول، ولكن إذا ضرب شخص امرأة في الحي الذي أقطن فيه، فإنهم يلقون باللائمة في هذا الأمر على الثقافة. وتدور الكثير من الأحاديث عن حظر ارتداء النقاب بالنسبة إلى المدرسات. ولا ترتدي أي مدرّسة النقاب.. فلماذا يتحدثون عن هذا الأمر؟

ويقول ميري، وهو فنان أسس وكالة غير ربحية لتشجيع تعدد الثقافات، إنه يحب السويد ويشعر تجاهها بالامتنان لأنها آوته. ولكنه يقول إن السويديين لم يقطعوا شوطا كافيا على طريق قبول المهاجرين. وأضاف «حسنا، لقد فتحوا لنا الباب الأول، ولكنني أرغب في فتح الباب الرابع والخامس والسادس.. وأرغب في أن تتاح لي الفرصة لكي أصبح رئيسا».

* خدمة «نيويورك تايمز»