النائب السابق لمحافظ طبرق لـ «الشرق الأوسط»: القذافي باع لنا الأوهام ليبقى في السلطة إلى الأبد

عبد السلام نصر قال إن الفقر الشديد غير مبرر مقارنة بالثروات البترولية الهائلة التي تمتلكها بلاده

عبد السلام نصر، النائب السابق لمحافظ طبرق («الشرق الأوسط»)
TT

كشف عبد السلام نصر، نائب محافظ طبرق السابق، الذي أعلن انضمامه إلى الثوار ومطالبته مع ملايين الليبيين بإنهاء حكم العقيد معمر القذافي، عن جانب من الظلم الذي كان يشعر به الليبيون طيلة حكم العقيد الليبي معمر القذافي، وتحدث نصر في حوار مع «الشرق الأوسط» عما سماه الأوهام التي ظل يروجها نظام القذافي دون أن يكون هناك أي مردود يخدم الشعب على أرض الواقع.

وشغل عبد السلام نصر، من قبل، عدة مواقع منها أمين اللجنة الشعبية لمحلة كمبوت، وأمين المالية، وقال بعد أن أمضى أربع سنوات كنائب لمحافظ طبرق في المشرق الليبي، إن القذافي كان يؤسس منذ بداية حكمه لإمبراطورية يكون فيها هو الحاكم الأوحــــد، مشــــيرا إلى أن الشعب الليبي طفح به الكيل، وقرر أن يسقط نظام القذافي، رافعا شعار الموت أو الانتصار في هذه المعركة، خاصة بعد أن استخدم العقيد القذافي الأسلحة الفتاكة ضد المتظاهرين.

وتحدث نصر عن الفساد بين كبار المسؤولين في اللجنة الشعبية العامة (الحكومة)، وقال إن ما يروجه القذافي عن أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، وأنه ليس مسؤولا، كلام غير حقيقي لأنه هو من يختار أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان ومسؤولي المحافظات الشعبيين والتنفيذيين، مشيرا إلى أن الفقر الشديد الذي تعاني منه العديد من المناطق في ليبيا لا مبرر له مقارنة بالثروات البترولية الهائلة التي تمتلكها بلاده.. وهنا نص الحوار:

* ما الذي حدث؟ لماذا انتفض الشعب الليبي؟

- نحن شعب كان يخاف من القمع والاستبداد. يرى الثروات الخاصة بالدولة تتبدد ولا يتكلم. أصبحنا شعبا فقيرا رغم ما لدينا من إمكانات مالية ضخمة بفضل البترول والغاز. نحن أيضا من الشعوب الطيبة.. والعشرية والقريبة من الفطرة. استغل القذافي طيبة الشعب الليبي وأصبح يؤسس لإمبراطورية إلهية يكون فيها هو الحاكم الأوحد.. يكون هو الإمبراطور.. والثائر الأول والقائد الأول والمجاهد الأول والمهندس الأول والمعلم الأول والقاضي الأول واللاعب الأول والفارس الوحيد.. هو الجيش والشرطة وهو كل شيء. أعطى نفسه هذه الصلاحيات وسلب من الشعب الليبي تاريخه وبطولاته وجهاده ضد الاستعمار على مدى التاريخ، بما في ذلك جهاد الليبيين ضد الاستعمار، حيث استشهد نحو 750 ألف ليبي خلال عشرين سنة من الاحتلال الإيطالي (1911-1931). واختزل فترة الجهاد ضد الإيطاليين في جهاد والده، رغم أن والده هذا لم يكن من المجاهدين. وعلى مدى أكثر من أربعين سنة من حكم القذافي ظل يردد على مسامعهم أن والده من المجاهدين ضد الإيطاليين، رغم أن كل الليبيين يعرفون أن هذا غير صحيح. ومع ذلك تغاضوا عن هذه الكذبة، مثلما استمروا في التغاضي عن كل الأكاذيب التي كان يطلقها القذافي.

* لماذا استمر «التغاضي» كما تقول مدة أربعة عقود؟

- كما قلت لك، نحن شعب طيب ولا يحب المشكلات. كنا نقول إن الأهم ليس فيما يقوله القذافي ولكن فيما يمكن أن يفعله للشعب الليبي، وخاصة أن ثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول) التي قام بها مع عدد من الضباط في الجيش عام 1969 قدمت لليبيين أحلاما وآمالا في مستقبل أفضل، لكن هذا المستقبل وتلك الأحلام لم تتحقق منذ أجدادي ومنذ آبائي. نستمع منه وننتظر، لكن الأمور كانت تزداد سوءا. القذافي أخذ يطلق على نفسه الألقاب والبطولات. وهذا لم يكن يضيرنا في شيء في البداية، لكنه أخذ يزيد من الأمر، ويتمادى، بسبب صمت الليبيين. بينما هو كان يعتقد أن ما يقوم به يحوز على رضا الشعب الليبي وشعوب المنطقة والعالم.. إلى أن طفح الكيل وإلى أن وقعت الواقعة وإلى أن ظهرت الشرارة الأولى ليلة السادس عشر من شهر فبراير (شباط) من هذا العام.

* ماذا حدث؟

في هذه الليلة ظهرت مظاهرة في مدينة بنغازي. وتم مواجهتها من قبل قوات القذافي بطريقة بشعة. تم التنكيل بكل من شارك فيها. وفي اليوم الثاني خرج المتظاهرون مرة أخرى، فردت عليهم قوات القذافي بأنواع من الأسلحة غير المخصصة للبشر.. أسلحة مخصصة لقصف الطيران وقصف الدبابات. هذا التصرف جعل الليبيين يشعرون أن الصمت على تصرفات القذافي لم يعد مقبولا ولا حتى لمدة دقيقة إضافية. نعم نحن صبرنا أربعين سنة، لكن ظهر لنا وعلى طول ليبيا وعرضها أن حكم القذافي لا بد أن ينتهي الآن، وأنه غير مسموح له بالبقاء. هذا شعور عام انطلقت على أساسه المظاهرات حيث واجه الليبيون في بنغازي وفي طبرق وفي شحات وفي كل المدن الطلقات والقنابل وقصف المدفعية. كانت هذه من نوع الإهانات غير المقبولة.. إهانة للكرامة تستحق الموت. ثار الشعب ثورة رجل واحد يريد الحرية والكرامة ويريد إبعاد الإله المصطنع الذي لا يخاف حتى من خالق الكون.

* لكن معروف أن ليبيا ليست فيها معارضة منظمة لحشد الناس في المظاهرات! - ما حدث هو أن الناس أخرجوا أفكارهم الحبيسة داخل صدورهم وعقولهم طوال السنوات الماضية، وهتفوا بها علانية.. جهروا في الشوارع وعلى الملأ لأول مرة منذ عام 1969 بأن هذا الحاكم، القذافي، لا يريد أن يقتنع بأنه إنسان مثل أي إنسان على وجه الأرض يمكن أن يخطئ وأن يصيب.. وقالوا جهارا نهارا، وهذا أمر غير مسبوق، إن القذافي استغل ثروات الليبيين في شراء ذمم رؤساء دول واستغل بترول ليبيا فيما هو ضد ليبيا، سياسيا واقتصاديا.. واختزل الأنشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أبنائه الذين سيطروا على المشاريع بكل أنواعها، سواء المحلية أو تلك القادمة من الخارج.. سواء نشاطات داخل ليبيا أو خارجها. في يوم 17 فبراير خرج الليبيون مصممين على إنهاء حكم القذافي مهما كلفهم الأمر. خلاص.. المسرحية انتهت. وكان الشعار الذي يرفعه الجميع هو الشعار الذي استخدمه المجاهد الليبي عمر المختار في مقاومته للاستعمار الإيطالي: «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت».

* لكن يبدو أن المعركة ستطول، رغم عدد الضحايا الكبير الذي يسقط في المظاهرات، ما تعليقك؟

- هذه المعركة مسألة وقت.. معركتنا مع القذافي ستنتهي بانتصار الشعب على الطاغية، مثلما انتصرت كل الشعوب على الطغاة على مر التاريخ. القاتل مصيره مزبلة التاريخ. ونحن ندفع به في هذا الاتجاه بقوة. كنا نحترمه.. كنا نقدر ما يقوم به.. كنا صبورين، لكن هذا انتهى. وأنهاه القذافي بيديه.

* ما الذي جعلك أنت كنائب لمحافظ طبرق، تنقلب على القذافي؟ ما هي المشكلة التي كنت تشعر بها، ولا ترى طريقة لإنهائها إلا الخلاص من حكم القذافي؟

- ظللت أعمل كنائب لمحافظ طبرق نحو أربع سنوات. في كل يوم نتقدم بمطالب لخدمة الناس، وفي كل يوم يرد علينا نظام القذافي بالتأجيل لأنه لا توجد موارد مالية. كنت أفكر وأنا أرى النقص الكبير في الخدمات.. كنت أقارن ما نعانيه من شح مالي بقدرات ليبيا البترولية الهائلة. أقارن أنفسنا بدول الخليج، وأتحسر على حال البلاد.

* وما تفسيرك لقلة الموارد رغم إمكانات الدولة البترولية؟

- يوجد من يختلس.. كنا نحدد الأموال اللازمة لإقامة مشاريع معينة كبناء مدارس أو وحدات صحية.. «أوكي».. سنقيم المشروع، وتمر السنوات دون أن يتحقق أي شيء.. في رأيي كانت الأموال المخصصة لهذه المشاريع تذهب إلى جيوب من يختلسها من المختلسين الذين هم عبارة عن مسؤولين فاسدين قابعين على رأس الدولة.

* كيف كانت تتم عملية الاختلاس حسب موقعك التنفيذي الذي كنت تشغله؟

- على سبيل المثال حين تحصل على موافقة من الحكومة على إقامة مشروع ما، فإن تنفيذ هذا المشروع يتطلب تخصيص مبلغ مالي. لو افترضنا أنه يلزمك خمسون مليون دينار ليبي لبناء مجمع سكني للمواطنين الذين ينامون في أكشاك من الصفيح في طبرق، فإن هذا المبلغ لا يرى النور ولا يصل إلى المشروع إلا إذا وافقت الجهة المنفذة على منح نصف المبلغ المخصص للمشروع للمسؤول الذي سيوقع على الصرف.. أي 25 مليون دينار. هذا المبلغ يتم استقطاعه كرشوة صريحة لمسؤولين في اللجنة الشعبية العامة (الحكومة)، وإلا يظل المشروع حبرا على ورق!

* هل تعتقد كما يقول البعض من الليبيين، أن تأخير بناء مشاريع كان المقصود به مناطق بعينها، دون مناطق أخرى؟

- رأيت هذا أيضا، وهذا أمر خطير. نعم.. رأيت أن هذه المعاملة السيئة تجاه مناطق دون غيرها. المسائل تتعقد في مناطق بسبب الرشوة وبسبب درجة الولاء للنظام الحاكم. نعم.. أمر خطير كان يحدث، وكنا نراه يسير بليبيا نحو المجهول.

* وما الهدف؟

- المقصود من هذه السياسة هو خلق حساسيات وحزازات بين أهل المناطق الليبية. كانت هذه السياسة تستخدم لإذلال الناس، ولإجبارهم على الانصياع والموالاة لنظام القذافي.

* خلفية أحداث الثورة، أن الشعب الليبي يحكم نفسه بنفسه، وأنه، أي القذافي، لا علاقة له بما يدور على أرض الواقع لأنه ليس رئيسا، ولا مسؤولا.. وأن الشعب هو الذي يقرر ويحاسب من خلال اللجان الشعبية.. كيف ترى ذلك؟

- اللجان الشعبية، كنظرية، يمكن قراءتها والاستمتاع بما فيها من تنظير. لكن حين تفكر فيها تجد أن القذافي خلط أفكارا رأسمالية مع أفكار ماركسية، ووضع بها نظريات الهدف منها شيء واحد لا غير، هو خدمة حكمه والبقاء في السلطة إلى النهاية.. فاللجنة الشعبية العامة (الحكومة) بالكامل يختارها القذافي بنفسه. يمسك بورقة وقلم ويعلم على هذا الاسم بالموافقة، ويعلم على ذاك بالرفض. من يقول هذا يعين في هذا الموقع الحكومي وذاك لا يعين فيه، هو القذافي وحده.. وكذلك بالنسبة إلى مؤتمر الشعب العام (البرلمان) يتم اختيار أعضائه من جانب القذافي.. وقرارات مؤتمر الشعب العام يتم إعدادها سلفا، ويستبعد منها كل القرارات التي لا تناسب هوى القذافي. وينطبق هذا الأمر على المؤتمرات الشعبية للشعبيات (أي المجالس المحلية للمحافظات)، حيث يتم اختيار أعضاء هذه المجالس من بين الموالين لنظام القذافي. هذا يفضح نظرية سلطة الشعب.. الشعب لا يختار في الحقيقة إلا أعضاء المحليات الصغيرة جدا جدا (الوحدات القاعدية)، وحتى هذا الإجراء الذي تركه القذافي للناس اكتشفنا مؤخرا أن هدفه خلق تناحر بين المواطنين والقبائل والعائلات، وتشتيت الناس عن التفكير في أحوالهم وأحوال وطنهم!