مع سقوط أنظمة.. مستقبل كارثي لـ«القاعدة» وهزيمة استراتيجية للجهاديين

شباب الثوار نأوا بأنفسهم عن التعصب الديني وتبنوا الديمقراطية التي يكرهها بن لادن

ليبيون ينتظرون في طوابير للحصول على وقود لسياراتهم، أمس (أ.ب)
TT

على مدار قرابة عقدين من الزمان، انتقدت قيادات تنظيم القاعدة حكاما داخل العالم العربي ووصفوهم بأنهم دمى في يد الغرب، ودعوا إلى العمل على إسقاطهم. والآن، نهضت الشعوب داخل الدول تباعا من أجل الإطاحة بحكامهم – ولم يلعب تنظيم القاعدة في ذلك أي دور. وفي الواقع، فإن الحركات المعارضة المتعددة الأطياف التي ظهرت فجأة وبرهنت على قوتها نأت بنفسها عن ركيزتين أساسيتين في عقيدة تنظيم القاعدة: العنف القاتل والتعصب الديني. واستخدم المتظاهرون القوة على سبيل الدفاع عن النفس، وتنبوا الديمقراطية، وهي شيء يكرهه أسامة بن لادن وأتباعه. وعليه، فإنه بالنسبة إلى «القاعدة» - وربما بالنسبة إلى السياسات الأميركية التي اعتمدت على التهديد الذي يطرحه التنظيم – تمثل الثورات الديمقراطية التي استحوذت على اهتمام العالم مفترق طرق. وثمة أسئلة مطروحة: هل ستذبل الشبكة الإرهابية تدريجيا لتصبح شيئا غير ذي صلة بالواقع؟ أم هل ستجد وسيلة تمكنها من استغلال الفوضى التي أنتجتها تقلبات سياسية وخيبة الأمل التي ستأتي عقب آمال مرتفعة حاليا بدرجة كبيرة؟

وبالنسبة إلى الكثير من المتخصصين في شؤون الإرهاب والشرق الأوسط، ولكن ليس جميعهم، فإن الأسابيع القليلة الماضية بها سمات كارثية بالنسبة إلى تنظيم القاعدة، مما يجعل الجهاديين يبدون مثل متفرجين غير فاعلين في التاريخ، بينما يطرح أمام الشباب المسلمين بديل جذاب للإرهاب. ويقول بول بيلر، الذي درس الإرهاب والشرق الأوسط على مدار ثلاثة عقود داخل «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» وحاليا في جامعة جورج تاون: «حتى الآن - وأؤكد حتى الآن - يبدو الوضع مريعا بالنسبة إلى تنظيم القاعدة، فالديمقراطية شيء سيئ بالنسبة إلى الإرهابيين، فكلما زادت القنوات السلمية المتاحة أمام الناس من أجل التعبير عن شكاواهم والسعي إلى أهدافهم، قلت احتمالية تحولهم إلى أعمال العنف».

وإذا كانت قيادات الشبكة الإرهابية تأمل انتهاز اللحظة، فإنهم متأخرون كثيرا. وبينما التزم أسامة بن لادن الصمت، أصدر نائبه المصري أيمن الظواهري ثلاثة بيانات غير مترابطة من مخبئه المفترض داخل المنطقة الحدودية الباكستانية – الأفغانية، بدت بصور غريبة غير متماشية مع الأخبار، ولم يشر إلى الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، على الرغم من قيام الحكومة المصرية في الثمانينات باعتقال وتعذيب الظواهري. ويقول بريان فيشمان، وهو خبير في شؤون الإرهاب لدى مؤسسة «أميركا الجديدة»: «الإطاحة بمبارك كان هدفا للظواهري على مدار أكثر من 20 عاما، ولم يكن في مقدوره تحقيق ذلك. والآن، تمكنت حركة بعيدة عن العنف غير دينية مناصرة للديمقراطية من التخلص منه خلال أسابيع، إنها مشكلة كبيرة بالنسبة لتنظيم القاعدة».

وبالطبع، لا تزال الثورات العربية في مرحلة تطورها، في الوقت الذي طالب فيه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالدفاع عن طرابلس، ويجري الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مفاوضات من أجل البقاء في السلطة. ويمكن أن يؤدي تفسخ النظام إلى ظهور ملاذات لخلايا إرهابية، على الأقل لبعض الوقت – وهو خطر حال دونه العقيد القذافي وصالح، وأقرت الحكومة الأميركية بذلك. ويقول ستيفن سيمون، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية والمؤلف المشارك لـ«عصر الإرهاب المقدس»: «توجد ميزة عملياتية للمسلحين في أي مكان تكون فيها سلطة تطبيق القانون والأمن الداخلي ضعيفة ومشتتة». ولكن أشار إلى أنه بصورة عامة التطورات داخل الدول العربية تمثل هزيمة استراتيجية للمنحى الجهادي المعتمد على استخدام العنف. ويقول سيمون: «أظهرت هذه الانتفاضات أن الجيل الجديد ليس مهتما بدرجة كبيرة بآيديولوجية تنظيم القاعدة». ووصف بيانات الظواهري بأنها «يائسة إن لم تكن مثيرة للشفقة».

وتوجد أدلة على أن الانتفاضات قد أعجبت بعض الجهاديين. ورحب رجل جزائري مرتبط بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالانتفاضات في مقابلة أجريت نهاية الأسبوع، وقال إن مسلحين يعودون من المنفى من أجل الانضمام إلى المعركة داخل ليبيا، ويسلحون أنفسهم بأسلحة الحكومة.

وقال الرجل الجزائري، الذي استخدم الاسم المستعار أبو سلمان: «بما أن المنطقة في حالة فوضى، ويساعد القذافي من خلال رد فعله وأفعاله على زيادة الكراهية من جانب السكان ضده، فسيكون من السهل علينا تجنيد أعضاء جدد». وأضاف أن ليبيين وتونسيين حاربوا في العراق أو أفغانستان يفكرون حاليا في العودة إلى أوطانهم. وقال: «هناك الكثير من العمل، وعلينا أن نساعد المواطنين على القتال، وبعد ذلك تأسيس دولة إسلامية».

* خدمة «نيويورك تايمز»