إعلاميون تعرضوا للضرب من رجال الأمن: القضاء رفض شكوانا خوفا من الحكومة

رئيس الوزراء العراقي اعتذر لصحافي خلال مؤتمر

TT

في الوقت الذي لا تزال مجموعة من الإعلاميين والصحافيين العراقيين يصعدون من سقوف مطالبهم التي يعتبرونها مشروعة حيال ما يعتبرونه مساعي حكومية وحزبية للعمل على خفض سقف الحريات في العراق، خصوصا بعد أن ضمن الدستور العراقي النافذ سقوفا عالية لها، فإن هناك مجموعة أخرى من الصحافيين نالت اعتذارا علنيا من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي مع تعهد بتعويضهم عن الكاميرات التي قامت القوات الأمنية بـ«تكسيرها» على خلفية مظاهرات الجمعة الماضي، وذلك خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده ببغداد أمس.

الفسطاطان اللذان انقسم إليهما الإعلاميون العراقيون بين رافض للإجراءات الحكومية مع استعداد للبقاء قيد التظاهر والاعتصام حتى تتحقق المطالب «المشروعة» وبين من هو مستعد لمنح الحكومة فرصة الـ«100 يوم» لتحقيق الإصلاح المطلوب اصطدمت من وجهة نظر الكثيرين بما اعتبروه «تسويفات» حكومية بسبب الآليات الديمقراطية التي لا تسمح لرئيس الوزراء بـ«إقالة المحافظ أو المجلس البلدي» وبالتالي فإن مثل هذه الآلية الديمقراطية وفي بلد لا تزال فيه التسمية الشائعة للديمقراطية «الديمقراطية الوليدة» يمكن أن تكون غطاء لبقاء الفاشلين والفاسدين لأن حبل حسابهم طويل جدا وغالبا ما يستغرق عمر الدورة الانتخابية كلها سواء للبرلمان أو لمجالس المحافظات.

وفي الوقت الذي انتقلت فيه المظاهرات في بغداد من «ساحة التحرير» وسط بغداد إلى «ساحة الحرية» في حي الكرادة ببغداد أيضا في وقت تجري فيه الاستعدادات عبر «الفيس بوك» لتنظيم مظاهرات أخرى يوم الجمعة المقبل في الرابع من مارس (آذار) فإن المشكلة وكما يرى الإعلامي العراقي عماد الخفاجي الذي كان له دور بارز في مظاهرات الجمعة وأحد الذين تعرضوا للاعتداء من قبل القوات الأمنية في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة ليست في الساحة بل هي في الأمان الذي يجب أن يتوفر للمظاهرة والمتظاهرين». وأضاف الخفاجي أن «كل العراق آمن في حال لم تتحول المظاهرة إلى مظاهرة عنفية أو إلى إجراءات تستفز المواطن المتظاهر.. فالعلة هي ليست في ساحة التحرير أو ساحة الحرية بل تكمن في بعض المسؤولين الذين أوحوا لرئيس الوزراء بأن الأسلوب الأمثل لمواجهة المظاهرة هو باتباع الشدة ومنع المحطات الفضائية من النقل المباشر والإعلاميين بالتخويف والترهيب وهو أمر أساء إلى رئيس الوزراء أكثر مما أساء إلى المتظاهرين».

وردا على سؤال بشأن مصير الدعاوى القضائية التي قرر عدد من الإعلاميين رفعها ضد القائد العام للقوات المسلحة على خلفية ما تعرضوا له من اعتداءات ومنهم الخفاجي نفسه، فإنه وطبقا لما كشفه الخفاجي لـ«الشرق الأوسط» فإن دعاواهم «لم تقبل من القضاء العراقي خوفا من الحكومة». وأبدى الخفاجي استغرابه مما وصفه بـ «الإجراء الغريب حيث إن من واجب مراكز الشرطة أن تستمع إلى ما يقوله المشتكي وأن تأخذ الإجراءات مجراها بهذا الخصوص، لأن ذلك من صلب مسؤوليات الأجهزة التي يفترض بها حماية الناس، وهي جهازا الشرطة والقضاء».

وتساءل الخفاجي قائلا «أين يمكن أن يذهب المشتكي إذن إذا لم تسمع مراكز الشرطة أو القضاة شكواه؟ وأين يمكن أن تسجل خصومة الإعلامي مع السياسي أليست أمام القاضي؟»، كاشفا عن أنهم «كلفوا محامين محترفين بهذا الغرض ولكنهم اصطدموا بعدم القدرة على تحريك الشكوى».

الديمقراطية الوليدة في العراق ومع كل حملة الاعتذارات التي قامت بها قيادة عمليات بغداد في اليوم التالي تعيش الآن أزمة ثقة مع وسائل الإعلام إلى الحد الذي اضطر المالكي خلال مؤتمره الصحافي أمس الذي لم يحضره صحافيون كبار ومحترفون إلى الاعتذار أكثر من مرة، في وقت وجد فيه هؤلاء الصحافيون الشبان الجرأة في توجيه الاتهام تلو الاتهام إلى الأجهزة الرسمية، وهو ما حمل المالكي إلى الطلب من أحدهم أن يكتب له الواقعة ويشخص له وجوه من قام بالاعتداء فضلا عن الزمان والمكان.

واعتذر المالكي للصحافي وسام أوجي مصور فضائية «تركمان ايلي» الذي تعرض للضرب من قبل قوات الأمن العراقية أثناء تغطيته للمظاهرة، واشتكى الصحافي للمالكي مباشرة قائلا له «تعرضت للضرب المبرح من قبل عدد من الجنود بإمرة ضابط خلال تغطية أحداث المظاهرة الجمعة». وأضاف أن «الجنود قاموا بإهانتي وسحب كاميرتي وكسرها، وقيمتها 9 ملايين دينار (نحو 7 آلاف و770 دولارا)».

وتساءل الصحافي الذي لا تزال آثار الضرب واضحة على جسده، عن «الجهة التي تعوضه معنويا وماديا؟».

وأجاب المالكي «سنعوض لك الكاميرا والأضرار ونعتذر لك عن هذه العملية، وأكثر من ذلك، إذا كنت تستطيع تشخيص الأشخاص الذين مارسوا ذلك بحقك لنحاسبهم». وبدوره، قال أوجي «قبلت اعتذارك».