لجنة تحقيق إسرائيلية تبرئ المسؤولين عن اغتيال صلاح شحادة

قالت إن قتله كان «شرعيا» وقتل 15 مدنيا بريئا خلال العملية لا يلزم بتقديم أحد للمحاكمة

مسلحون من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي متجمعون بالقرب من منزل ناشط قتل في دير البلح يوم الأحد (أ.ب)
TT

بعد تسع سنوات من الجريمة، وثلاث سنوات من التحقيق، خرجت لجنة التحقيق الحكومية بنتيجة أن اغتيال القائد العسكري الحماسي، صلاح شحادة، سنة 2002، كان «شرعيا»، وأن الخطأ المتسبب في قتل 15 مدنيا بريئا خلال العملية لا يلزم بتقديم أحد من المسؤولين للمحاكمة.

وقد ابتهج نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي، بهذا الاستنتاج. وقال في التعقيب على قرار اللجنة: إنه «يؤكد أن الجيش الإسرائيلي هو جيش ذو مستوى رفيع من القيم والأخلاق». وكان شحادة قد اغتيل في يوم 22 يوليو (تموز) 2002، بواسطة قذيفة هائلة زنتها طن واحد أطلقت على بيته في غزة. وقد قتل في الحادث شحادة نفسه وناشط آخر في حماس، زاهر ناصر، و13 مواطنا بريئا، بينهم زوجة شحادة وطفلته، كما جرح عشرات المدنيين. وكان لهذه الجريمة وقع كبير على إسرائيل، حيث أدينت في الكثير من المحافل الدولية بارتكاب جريمة حرب.

وتجندت حركات حقوقية كثيرة في العالم لملاحقة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين كان لهم دور في هذه الجريمة، مثل رئيس الأركان، يعلون، ورئيس المخابرات العامة، آفي ديختر، ووزير الدفاع، شاؤول موفاز، وقائد سلاح الطيران، دان حالوتس (الذي أصبح رئيسا للأركان)، وقائد القوات الإسرائيلية في الجنوب، دورون ألموغ، وغيرهم. وكاد ألموغ يعتقل في بريطانيا، لولا أن السفير الإسرائيلي في لندن هرع إلى المطار وصعد إلى الطائرة ومنعه من الهبوط في أرض المطار، لأن الشرطة البريطانية تحمل أمرا باعتقاله ومحاكمته.

وفي إسرائيل نفسها، توجهت الحركات الحقوقية النشطة في قضايا حقوق الإنسان وحركات السلام إلى محكمة العدل العليا، تطلب محاكمة المسؤولين عن الجريمة. وقد وجدت حكومة إيهود أولمرت مخرجا في تشكيل لجنة فحص حكومية، تظهر أن «إسرائيل دولة قانون تفحص نفسها في كل ممارسة يشتبه في أنها خاطئة».

وقد سلمت اللجنة، برئاسة القاضية طوفا شتراسبيرغ كوهن، تقريرا عن تحقيقاتها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وجاء في تقرير اللجنة أن صلاح شحادة، وبحكم مسؤوليته كرئيس للجناح العسكري لحركة حماس، عمل على تشكيل خلايا مسلحة نفذت عشرات العمليات الانتحارية في المدن الإسرائيلية، التي أدت إلى مقتل وجرح عشرات الأبرياء اليهود والعرب والأجانب. ولذلك فإن التخلص منه هو خطوة شرعية».

وقالت اللجنة إن استخدام طن من المتفجرات في عملية كهذه كان مبالغا فيه، ويفترض لمن قرر حجمها أن يعرف أن نتيجتها ستلحق ضررا بالمدنيين الأبرياء. ولكنها في الوقت نفسه رفضت رؤية هذه جريمة، بدعوى أن «أصحاب القرار لم يتعمدوا المساس بالمدنيين، بل حاولوا طول الوقت تفادي إصابتهم. وقد أتيح اغتيال شحادة مرتين، قبل اغتياله الفعلي، ولكن القرار ألغي لأنهم لاحظوا وجود طفلته معه. وفي المرة الثالثة، وصلت معلومة استخباراتية (من عملاء الاحتلال في غزة) بأن طفلته ليست معه، وأن احتمالات إصابة المدنيين قليلة، فأعطي الأمر بتنفيذ العملية فجاءت هذه النتيجة المؤسفة».

وأضافت القاضية أنها اقتنعت بأنه لو كان أصحاب القرار قد عرفوا أن نتيجة العملية كانت بهذه المأساوية، لما كانوا نفذوها. واقتنعت بأن خطأ إنسانيا جعلهم يتخذون القرار بالتنفيذ، وليس الاستهتار بحياة الفلسطينيين. وبناء عليه، لم تجد القاضية وأفراد طاقمها ما يلزمهم بتقديم لائحة اتهام ضد أي من المسؤولين عن هذه الجريمة، «خصوصا أنهم اتخذوا فيما بعد سلسلة قرارات تدل على أنهم تعلموا الدرس وغيروا إجراءات اتخاذ القرارات المشابهة للمستقبل».

وقد أعرب المسؤولون المذكورون عن فرحتهم لهذه النتيجة. وقال آفي ديختر، إن اللجنة كانت صادقة عندما تحدثت عن التلبك الذي أصاب قادة الجيش والمخابرات في كل مرة يصدرون فيه أمرا بالاغتيال.

واعترف قائلا: «لقد كانت تصفية الهدف ناجحة، ولكن العملية نفسها فاشلة، بسبب إصابة المدنيين».

وأما رئيس الوزراء، نتنياهو، فقد استغل القمع الدموي الذي ينفذه الرئيس الليبي معمر القذافي ضد أبناء شعبه ليتباهى بتقرير لجنة التحقيق في اغتيال صلاح شحادة، فقال: «إنه يؤكد أن إسرائيل دولة قانون وحقوق إنسان. فنحن نحقق في قتل عدو قاتل لأبنائنا وأمهاتنا لكي نحاسب من يخطئ أو يبالغ، واتخذنا فعلا إجراءات تمنع تكرار إصابة المدنيين، وجيراننا يقتلون أبناء شعبهم بشكل جماعي بلا حسيب أو رقيب». وقد رفض النائب أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير في إسرائيل، هذا المنطق، وقال إن تقرير اللجنة لا يغير شيئا من حقيقة أن اغتيال صلاح شحادة كان بمثابة جريمة حرب قتل فيها 13 إنسانا بريئا من الأطفال والنساء، ومرتكبوها فعلوا ذلك عن سبق تعمد وإصرار.