الرئيس الفرنسي يجري تعديلا وزاريا.. وجوبيه الوجه الجديد للدبلوماسية

ساركوزي ينبه من قيام أنظمة ديكتاتورية ومن تدفق المهاجرين إذا أخفقت الثورات العربية

رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون ينظر إلى امرأة عاملة في مصنع للغزل والنسيج في تروا شرق وسط فرنسا خلال جولته المكرسة للتنمية الاقتصادية والقدرة التنافسية في البلاد (أ.ف.ب)
TT

تمخض الحراك السياسي في فرنسا في الساعات الأخيرة عن إخراج وزيرة الخارجية ميشال أليو ماري من منصبها، حيث قدمت استقالتها للرئيس نيكولا ساركوزي عقب عودتها مباشرة من الكويت. وعمد الأخير إلى تعديلات طالت 3حقائب أساسية: فقد حل آلان جوبيه، وزير الدفاع مكان أليو ماري في الخارجية. وعين ساركوزي مكانه الوزير السابق ورئيس مجموعة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (الحاكم) جيرار لونغيه. أما التعديل الثالث فطال وزارة الداخلية التي خرج منها الوزير بريس هورتفو، السياسي الأقرب من ساركوزي الذي تربطه به صداقة تربو على الـ30عاما. واختار الرئيس الفرنسي أقرب معاونيه في الإيليزيه، أمين عام الرئاسة كلود غيان ليحل مكانه مع تحديد مهمته بأمرين: محاربة تكاثر الإجرام على أنواعه على الأراضي الفرنسية ومعالجة موضوع الهجرة، على خلفية توقع تدفق المهاجرين غير الشرعيين من دول المغرب العربي إلى أوروبا وفرنسا. وكلا الموضوعين أساسيان وتأثيرهما حاسم على الرأي العام وبالتالي على مصير انتخابات رئاسة الجمهورية ربيع عام 2012 التي يتحضر ساركوزي لخوضها.

ويعرف مسؤولو الشرق الأوسط من المملكة السعودية إلى المغرب كلود غيان جيدا، إذ كان يسمى «نائب الرئيس» وصاحب المهمات الحساسة دبلوماسيا وأمنيا. ولم يعد سرا أنه كان مهندس التقارب بين فرنسا وسورية وقام بزيارات عديدة إلى المغرب والإمارات والسعودية وسورية... لا بل كان يدير من الإيليزيه وبتفويض من ساركوزي الملفات الحساسة على حساب وزارة الخارجية، وهو ما عاناه الوزير السابق برنار كوشنير طيلة ثلاث سنوات. وينتظر أن يعيد خروجه من الإيليزيه ملفات السياسة الخارجية إلى الوزارة الأصيلة. وتفيد أنباء متقاطعة بأن جوبيه وضع شرطا لقبوله الحلول مكان أليو ماري، وهو أن يتمتع بـ«استقلالية» في إدارة شؤون وزارته ومعالجة ملفاتها بعيدا عن المداخلات والالتفافات، علما أن دستور الجمهورية الخامسة يولي رئيس الجمهورية مهمة «رسم» السياستين الخارجية والدفاعية ويعود للوزيرين المعنيين تنفيذها.

وفي الكلمة المتلفزة التي ألقاها ساركوزي ليل الأحد/الاثنين، بدا أنه يريد تدشين عهد جديد للدبلوماسية الفرنسية إزاء العالم العربي الذي وصف ما يحدث فيه بأنه «تاريخي»، واعدا بفتح «صفحة جديدة» معه بعد الثورات التي عرفها ويمكن أن يعرفها. غير أنه مع ترحيبه بها وبالقيم التي تحركها وهي «القيم نفسها» التي تتبناها فرنسا، قرع الرئيس الفرنسي ناقوس الخطر بقوله إنه «إذا لم تلتق كل الإرادات الحسنة لتوفير نجاحها، فإنها (الثورات العربية) قد تغرق في العنف وتفضي إلى قيام ديكتاتوريات أسوأ من الديكتاتوريات السابقة». وأضاف ساركوزي: «نحن نعلم ما قد تكون عليه نتائج مثل هذه المآسي على تدفق الهجرات التي ستصعب السيطرة عليها وعلى الإرهاب». على الرغم من ذلك، حث مواطنيه على «عدم الخوف» مما يجري في العالم العربي لأنه يحمل «وعدا كبيرا»، إذ إنه يتم باسم حقوق الإنسان والديمقراطية، مضيفا أن الهدف الوحيد لفرنسا يجب أن يكون «مواكبة ودعم ومساعدة الشعوب التي اختارت أن تكون حرة». وذكر ساركوزي بمبدأين أساسيين أولهما أن فرنسا لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والثاني أنها لا يمكن أن تكون «غير مبالية» بما يجري هناك لأن ذلك سيكون بمثابة «خطأ أخلاقي واستراتيجي». وتشكل هذه الخطوط «خريطة طريق» لوزير الخارجية الجديد. وأمس، أعلن فرنسوا فيون، رئيس الحكومة، أن فرنسا سترسل طائرتين محملتين بمساعدات إنسانية إلى مطار بنغازي بحيث يكون ذلك أول اتصال بين باريس و«السلطة الجديدة» التي قامت شرق ليبيا.

وتناول فيون للمرة الأولى موضوع إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا، فأشار إلى أن «كل الخيارات الممكنة التي من شأنها إفهام القذافي أن عليه الرحيل قيد الدرس، بما فيها الخيارات العسكرية التي تدرسها الحكومة الفرنسية». غير أن فيون ربط السير بمثل هذا الخيار بشرطين: الأول، أن يصدر قرار بذلك عن مجلس الأمن الدولي، والثاني أن تضطلع بتنفيذه الدول والحلف الأطلسي. وبرأي فيون، فإن «أي بلد في أوروبا غير قادر على تحقيق هذه العملية (منطقة الحظر الجوي)، ولذا يجب أن يشارك في العملية الحلف الأطلسي وثمة حاجة لدراسة ذلك».

وسط هذه التقلبات، يصل جوبيه إلى وزارة الخارجية التي شغل حقيبتها ما بين عام 2003 و2005 قبل أن ينتقل منها إلى رئاسة الحكومة. ويجمع المعلقون السياسيون على أنه «أفضل خيار» لفرنسا ولساركوزي في الوقت الراهن، بالنظر إلى خبرته ومؤهلاته والاحترام الذي يحظى به في الداخل والخارج.