روسيا تسعى إلى تبني سياسة لإصلاح الشرطة الفاسدة

بعد أن أصبح الناس يخافون رجال الشرطة أكثر مما يخافون المجرمين

أليكسي ياكيموف يقف أمام بقعة على نهر الفولغا الذي أغرقته فيه الشرطة الروسية (لوس أنجليس تايمز)
TT

قال رجل، ضُرب ضربا مبرحا، على أيدي اثنين من ضباط الشرطة: «الناس يخافون رجال الشرطة أكثر مما يخافون المجرمين».

أخذ الرجل يتذكر كيف غاص في ظلام نهر الفولغا بمياهه الباردة، التي غمرت فتحة أنفه وعينيه وأذنه وهو يقاوم ويحاول أن يصعد إلى السطح. وبالأعلى هناك فتحة تقود إلى 10 أقدام من المياه المفتوحة، وهي الرقعة الوحيدة في المساحة البيضاء الشاسعة.

عندما اخترق أليكسي ياكيموف السطح رفع وجهه المغطى بالكدمات ليرى ثلجا والألم يضرب ذراعه المكسورة وكتفه المخلوعة. ويرى على مسافة بعيدة قتلته المحتملين يستقلون سياراتهم على ضفة النهر المكسوة بالثلوج. لقد قضى رجال الشركة معه ليلة طويلة وأنهكوا للغاية. بدأت متاعب ياكيموف بجدال مع سائقي تاكسي حول السلطة في العاصمة الإقليمية شرق موسكو، استعان على أثرها السائق بأهله وهم اثنان من رجال الشرطة السكارى في ملابس مدنية اقتادا ياكيموف إلى مركز للشرطة.

بعد أن انتهوا منه قرروا تركه في مكان لا يستطيع أحد أن يعثر عليه فيه. إلى هنا لا يوجد أي جديد في الأحداث فهذا أمر مألوف في روسيا التي «تشن فيها الشرطة حربا ضد أهل البلد»، على حد قول اندري ماكاروف، عضو البرلمان الإصلاحي. فقد قال ربع الروسيين، الذين شملهم استطلاع رأي حديث، إن لديهم تجارب شخصية قامت فيها الشرطة بضرب أو تعذيب ناس.

ولا تختلف الصورة كثيرا، حتى طبقا لإحصاءات الشرطة الرسمية. فبحسب تقرير الأمن الداخلي، بلغ عدد انتهاكات أفراد الشرطة للوائح أو القانون عام 2010 125 ألفا. وأشار التقرير إلى فتح التحقيق الجنائي في أكثر من 4 آلاف حالة.

ودخلت يوم الثلاثاء خطة إصلاح طموحة حيز التنفيذ في عموم البلاد. وبدأ القانون الذي دفع به ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي، باسم المؤسسة. منذ الأيام الأولى من الثورة البلشفية عندما حلّ لينين الشرطة القيصرية، وأقام بدلا منها جماعة مسلحة من المواطنين، أصبحت مؤسسة تطبيق القانون تعرف بأنها جماعة مسلحة. وتلعب الشرطة الآن هذا الدور.

سوف يتم تقييم كل العاملين في هذه المؤسسة، ومن المتوقع تسريح نحو 20 في المائة منهم، على حد قول مسؤولين. ستزداد الرواتب بمقدار ثلاثة أمثال للحد من إغراء تقاضي رشاوى، وسيتم فرض نمط سلوكي محدد ودقيق.

لا يقتنع كثيرون بأن هذا سيحدث فرقا كبيرا، حيث يقر الكثير من أعضاء البرلمان من حزب ميدفيديف بأنهم صوتوا من أجل تمرير هذا القانون رغما عنهم. يقول فيكتور إليوكين، أحد أعضاء المعارضة في البرلمان والمدعي العام السابق، إن المشكلة تبدأ من الأعلى، ويوضح قائلا: «سوف يشرف هؤلاء المسؤولون الفاسدون على عملية التقييم، وسيبقون على من يريدون، وهم من يجمعون لهم الرشاوى كل شهر».

ويقول منتقدون آخرون إن الشرطة سوف تظل تخدم مصالح النافذين في روسيا.

في حالة ياكيموف، من قام بتعذيبه كان نقيب شرطة وملازما ثانيا. وقد قيده الاثنان بالأصفاد، واقتادوه إلى زنزانة، ثم تناوبا على التدخين وشرب الخمر وضربه. عندما طلب ياكيموف شربة ماء، قاما بملء حقيبة بلاستيكية بالبيرة وغمرا رأسه داخلها، وأحكموا إغلاقها حول رقبته. وعندما خلعوها وتقيأ، مسحوا بجسده الأرض، ثم قررا قتله على حد قوله؛ حاولا في البداية الإلقاء به من النافذة، لكنه قاوم بشدة وأخذ يصيح بصوت عال، ثم ألقوا به في النهر، وعندما توسل من أجل تركه حيا ضحكا، وسأله أحدهما: «هل تعتقد أنك الأول؟ لم لا تصمت وتستمتع بأنفاسك الأخيرة؟».

لكن نجا ياكيموف ليشاهدهما أمام القضاء، وقبل نظر القضية، تلقى ياكيموف تهديدات بالانتقام، وفشلت محاولة قام بها رجال مسلحون ملثمون للإمساك به. وحاول ضابط شرطة آخر اختطاف ابنته التي تبلغ من العمر ثمانية أعوام.

وبعد أقل من عام، شاهدهما ماثلين أمام المحكمة، وتمت إدانتهما بتهمة إساءة استغلال النفوذ وحكم على كل منهم بثلاث سنوات. تشوهت ذراع ياكيموف بشدة بحيث لم يعد يستطيع قيادة السيارة.

ويدير حاليا شركة تصنيع صغيرة، ويعتزم الترشح للانتخابات المحلية، وقال: «إن الناس يخافون أفراد الشرطة أكثر مما يخافون المجرمين والبلطجية في الشوارع. إنهم منتشرون في كل ركن في المدينة، فهم يسيطرون على تجارة المخدرات والدعارة والأسواق والمشاريع الصغيرة. إنهم فاسدون حتى النخاع».

ويقول إيغور كاليابين، رئيس لجنة مناهضة التعذيب، وهي مؤسسة عالمية مقرها في نيجني نوفغورود، إن هناك الكثير من القصص التي لا تقل رعبا عن قصة ياكيموف، لكن الشرطة تكتمت عليها. وقال كاليابين: «تم ترويع الضحايا والشهود حتى يصمتوا، أو تم ابتزازهم أو اشتُريَت ضمائرهم وسُحبت الشكاوى وأسقطت التهم وأُغلقت القضايا». وتكشف النظرة العامة على الصحف الروسية أو الأخبار المذاعة على شاشات التلفزيون قصصا عن شرطي يعتدي جنسيا على طفلة صغيرة، وآخر يطلق النار عشوائيا على زبائن في سوبر ماركت، وآخر يضرب أستاذا جامعيا وسيدة عجوزا، وآخر يعذب أطفالا. تحاول التشريعات تغيير هذا الوضع، حيث قال فلاديمير كوليسنيكوف، نائب رئيس لجنة الأمن في البرلمان ونائب وزير الداخلية الأسبق، إن على كل أفراد الشرطة إعادة تقديم طلبات لشغل وظائفهم واجتياز اختبارات صعبة.

وأضاف: «الأكثر جدا واجتهادا ونشاطا وأمانة وموهبة هو من سيبقى»، وستتراوح متوسط رواتب أفراد الشرطة بين 500 و1500 دولار شهريا، وأوضح قائلا: «القانون الجديد سوف يحسن أداء الشرطة، فقد أوضحنا لهم كافة التفاصيل كتابة». ويشمل هذا كيفية تقديم رجال الشرطة أنفسهم بصفتهم الرسمية، وكيفية استخدام الأغلال والوسائل الأخرى. ويرى كاليابين ومعارضون آخرون أن الشرطة خرقت القوانين القديمة وستخرق القوانين الجديدة أيضا. ويقول أرتيوم كيبيشكين، الباحث في اتحاد التضامن مع السجناء السياسيين الذي يراقب الجرائم التي ترتكبها الشرطة، إن أفراد الشرطة أصبحوا أكثر شراسة خلال السنوات الأخيرة لتكليفهم بالقيام بعمليات في الشيشان، أو لنشرهم من أجل فض مظاهرات سلمية.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»