كلينتون: إيران تحاول عبر وسطاء الاتصال بالمعارضة في مصر والبحرين واليمن

متحدث باسم الخارجية: طهران لم تحرك الثورات العربية لكنها تسعى إلى استغلال ما حدث

TT

حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من سعي إيران للتأثير على الثورات والمظاهرات في الدول العربية، مؤكدة على أهمية إبقاء الدور الأميركي ناشطا في المنطقة. وفي أول تصريحات تفصيلية لمسؤول أميركي رفيع المستوى حول جهود إيران للتأثير على حركات التغيير في المنطقة، قالت كلينتون أمام الكونغرس أول من أمس إن الإيرانيين «يبذلون كل ما في وسعهم للتأثير على نتائج الأحداث هناك». وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية إلى اتصالات إيران مع حزب الله وحماس وجهات معارضة في البحرين واليمن، بالإضافة إلى استخدام «وسطاء» للاتصال بمعارضين داخل مصر. وقالت مصادر أميركية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التصريحات تشير إلى «القلق المستمر من دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة».

وهناك قلق في الأوساط السياسية الأميركية من محاولة استغلال إيران للتطورات في الدول العربية لزيادة نفوذها في المنطقة. إلا أنه حتى يوم أول من أمس كانت الإدارة الأميركية حذرة في تصريحاتها حول إيران، مؤكدة أن الحركات المطالبة بالتغيير والإصلاح في الدول العربية هي حركات وطنية وليست محركة من الخارج. لكن قالت كلينتون إن إيران تسعى بشكل مباشر أو عبر وسطاء للاتصال مع المعارضة في مصر والبحرين واليمن في محاولة للتأثير على تلك الدول. وشرحت كلينتون «إنهم يستخدمون حزب الله (اللبناني) للاتصال بحلفاء في حركة حماس، الذين يتصلون بدورهم مع حلفاء في مصر»، في إشارة إلى «الإخوان المسلمين». وأضافت «نعلم أنهم يتصلون بالمعارضة في البحرين، وأنهم ضالعون جدا في حركات المعارضة في اليمن»، موضحة «سواء مباشرة أو عبر وسطاء، فإنهم يسعون من دون كلل إلى التأثير على الأحداث. لديهم سياسة خارجية ناشطة جدا».

وقال ناطق باسم الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «الولايات المتحدة دائما قلقة من دور إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة». وشدد على أن «هذا القلق ليس جديدا، وجهود إيران أيضا ليست جديدة حيث تحاول منذ فترة التأثير على هذه الدول من خلال تمويل ودعم جماعات معينة»، لكنه أضاف «الآن ننظر إلى الأوضاع في الشرق الأوسط وكيف تحاول إيران أن تستغل ما يحدث».

وتحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التصدي للجهود الإيرانية من خلال اتصالاتها الدبلوماسية في دول المنطقة، والتي تأتي ضمن نطاق أوسع لتقييم التطورات في المنطقة. لكن هناك حذرا أميركيا من إظهار جهود واسعة أو علنية للتأثير على ما يحدث في المنطقة. وقالت كلينتون إن «غالبية الناس يريدون أن نساعدهم لكن من دون أن نلعب دورا رئيسيا، وعليه فالتحدي يقوم على الطريقة التي نقدم بها المساعدة التي يطلبونها من دون أن نبدو بمظهر الذي يريد التحكم بثورتهم». وشددت على أن الإيرانيين «ليس لهم الكثير من الأصدقاء، لكنهم يحاولون التقرب من أصدقاء جدد»، مشيرة إلى أن «الأمر يتطلب جهدا متواصلا» من جانب الولايات المتحدة للحد من تأثير إيران، مضيفة أنها بحاجة «لموارد» لحركة تنقلات دبلوماسيين ومسؤولين أميركيين وذلك للإفادة بشكل أكبر من كفاءاتهم.

وجاءت تصريحات كلينتون خلال شهادتها أمام لجنة النفقات الفيدرالية في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث قامت خلال اليومين الماضيين بالمشاركة في جلسات مطولة لإقناع الكونغرس بالمصادقة على ميزانية وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو إس ايد» للعام المقبل. وكررت كلينتون عبارة «نحن في منافسة» مع دول أخرى لبقاء النفوذ حول العالم، خاصة في الشرق الأوسط، داعية الكونغرس لمنح الدعم المالي لمساعدة الدبلوماسية الأميركية في إبقاء تأثيرها.

لكن حرص الناطق باسم وزارة الخارجية على التوضيح على أن تصريحات كلينتون لا تعني أن واشنطن تعتبر الحركات الإصلاحية أو الثورات في مصر وتونس وليبيا من عمل إيران. وأوضح «بالتأكيد لا تعني (الوزيرة) أن إيران حركت هذه التطورات، هذه حركات وطنية نتجت من جهود مواطني كل دولة من أجل جعل حكوماتهم يستمعون إلى مطالب الشعب». لكنه تابع أن إيران تحاول الآن استغلال ما حدث.

وأوضح مدير برنامج الشرق الأوسط لدى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» جون الترمان أنه «من الصعب التخيل بأن إيران لا تحاول فرض نفوذها، لكن نجاحها أمر آخر». وأضاف الترمان لـ«الشرق الأوسط» أن «الإيرانيين ينجحون في إبقاء تطلعاتهم بسيطة نسبيا، ويحاولون منع حدوث أمر ما يناقش مصالحهم، بدلا من فرض أمر معين صعب أن يحققوه، ولهذا يبدو نفوذهم أكبر».

ولفتت كلينتون في شهادتها إلى الانقسامات الطائفية في المنطقة، مثل جهود إيران للتواصل مع «الإخوان المسلمين» على الرغم من أنها ليست الحليف الطبيعي لجماعة الإخوان المسلمين السنية. لكنها قالت إن إيران تدعم منذ زمن حركة حماس على حدود مصر، وإن حماس قد تكون الرابط بين الطرفين.

ولفت الترمان إلى أن «الإدارة الأميركية لديها مصادر قلق كثيرة الآن في الشرق الأوسط، ونفوذ إيران ليس على رأس اللائحة، لكن المستقبل السياسي في المنطقة ودور إيران في هذا المستقبل أمر مهم». وأضاف «القلق الأميركي من دور إيران ليس جديدا، لكن الأمر يتجدد مع التطورات في المنطقة، خاصة أن المصالح الأميركية والإيرانية تتعارض». وكانت كلينتون تتحدث إلى أعضاء الكونغرس خلال اليومين الماضيين، حول دور إيران، من بين جملة قضايا أثارها أعضاء الكونغرس، إلى جانب أسعار النفط والتأثير على إسرائيل، وغيرها من قضايا. وأوضح الترمان «الشعور السائد بين أعضاء الكونغرس أن هذه مسألة مهمة، والسؤال هو ماذا يمكن لنا أن نفعله؟ بدلا من ماذا يجب أن نفعله؟» لضمان المصالح الأميركية.

وبينما تحذر كلينتون من جهود تأثير إيران على التغييرات في المنطقة، يعتبر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن إيران من الخاسرين بسبب ما يحدث. وقال غيتس يوم الثلاثاء الماضي إن التحركات الشعبية في الدول العربية تشكل مشكلة داخلية لإيران، موضحا أن «السبب في ذلك هو أن طريقة تعاطي القوات المسلحة في تونس ومصر وفي البحرين، باستثناء فترة قصيرة شهدت لجوءا إلى العنف، تتناقض بشكل كبير مع القمع العنيف الذي اعتمده النظام الإيراني لقمع أي شخص يجرؤ على التظاهر».

ولفت الترمان إلى أن واشنطن تراقب تأثير ما يحدث في المنطقة على إيران نفسها، بدلا فقط من التركيز على نفوذ إيران. وقال «لا أحد يعلم بعد مدى تداعيات ما يحدث وإذا كان سيؤثر على إيران داخليا أم لا، فقبل أسابيع بدت ليبيا وكأن لديها مناعة من الثورة إلى حين انتهت هذه المناعة». وقد شددت الإدارة الأميركية العقوبات ضد عناصر في النظام الإيراني خلال الأسابيع الماضية، وصعدت من لهجتها تجاه إيران في تصريحات تطالب باحترام الحريات داخل البلاد، على أمل أن تؤثر هذه التطورات على إضعاف النظام الإيراني.

وتحاول الإدارة الأميركية أن تجعل تجربة أوروبا في الانتقال إلى الديمقراطية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نموذجا للدول العربية، بدلا من النظر إلى إيران. وتعتبر كلينتون أن بإمكان الدول العربية التعلم من تجربة دول أوروبا الشرقية في الإصلاح والتغير. وخلال استقبالها أمس لوزير خارجية بولندا رادوسلاو سيكورسكي، قالت كلينتون «بولندا تمثل نموذجا يمكن للآخرين التعلم منه، وهناك مسؤولون وناشطو مجتمع مدني من أفغانستان والأردن ومصر وغيرها يزورون (بولندا) من أجل التعلم من انتقالكم إلى الديمقراطية التي تثير الإعجاب». ورد الوزير البولندي الذي يزور واشنطن «نحن نعلم بعض الشيء حول بدء التغير الديمقراطي.. نحن ندعم المواطنين العاديين الذين يريدون السيطرة على حياتهم والذين أخيرا بدأوا يطالبون بحقوقهم».