مصادر دبلوماسية: خلافات داخل الباسيج حول مواجهة المظاهرات في إيران

خبير إيراني يتحدث عن انقسامات داخل القوة شبه العسكرية.. وولاء هش يسبب قلقا للنظام

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يرحب برئيس غرفة المندوبين (البرلمان) البوليفي الذي يقوم بزيارة رسمية لطهران أمس (رويترز)
TT

عندما بدأت الحركة الخضراء في إيران التحركات الاحتجاجية قبل عامين اعتراضا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعادت محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة، كان كثيرون يتساءلون ما إذا كانت قوات الباسيج ستبقى وفية للنظام. فهذه القوة شبه العسكرية التي يكفي ذكر اسمها لإثارة الذعر بين الإيرانيين، هي الموكلة بقمع المتظاهرين أو الذين تسميهم السلطة «أعداء الثورة»، بأي ثمن.

قصص كثيرة رويت عن الفظائع التي ارتكبتها تلك القوة في صيف عام 2009، من إطلاقها الرصاص على المدنيين العزل، إلى التعذيب خلال الاعتقال.. وقد وجهت إليها أصابع الاتهام في مقتل ندا آغا سلطان التي شاهدها العالم تلفظ أنفاسها الأخيرة في شريط فيديو مؤثر، تم تحميله على الـ«يوتيوب» حينها. وتحولت ندا رمزا للحركة الخضراء، تجسد القمع الوحشي الذي يتعرض له المتظاهرون. واليوم، مع عودة «مزاج» المظاهرات إلى الشارع الإيراني تأثرا بالموجة في المنطقة، بعد فترة من الهدوء، سلطت الأضواء مجددا على دور الباسيج في قمع المدنيين. وتتحدث مصادر دبلوماسية أوروبية عن وجود خلافات بين عناصر تلك القوات حول مدى استعمال القوة مع المتظاهرين. ورغم أن المصادر تقول إنه «من المبكر الحديث عن انقسام داخل قوات الباسيج»، ولكن حتما هناك نوع من الاختلاف في الآراء بدا واضحا يوم المظاهرة يوم 11 فبراير (شباط) عندما دعت المعارضة الإيرانية إلى مظاهرة تضامنا مع الثورة المصرية. وتؤكد أن وجود «ضبط للنفس» لدى تلك القوات لم يكن موجودا في السابق. وتستند المصادر إلى روايات رواها إيرانيون شاركوا في تلك المظاهرة، تحدثوا عن «تردد» لدى بعض عناصر الباسيج باستخدام القوة المفرطة التي اعتادوا على استعمالها، ضد المتظاهرين. ومن بين تلك الروايات، ما نقلته إيرانية شاركت في مظاهرة 11 فبراير في وسط طهران، عن أنها كانت تتعرض للضرب من قبل أحد عناصر الباسيج عندما بدأ عنصر آخر من القوة يصرخ على زميله ويطلب منه ألا يضربها بقوة. وقالت إن عنصرا آخر من القوة شبه العسكرية، هو الذي ساعدها على النهوض عن الأرض بعد تعرضها للضرب. ولكن المصادر تشير إلى أن هذا السلوك غير المعتاد لدى بعض عناصر الباسيج، لا يعني أن القوة بأكملها غيرت سلوكها، أو أن مدنيين لم يقتلوا في تلك المظاهرة. وتشير في المقابل إلى قصص شنيعة أيضا رواها إيرانيون من يوم مظاهرة 11 فبراير، مثل ظهور قوات الباسيج على الطرقات حاملين سكاكين وأسواطا يهاجمون بها المتظاهرين. ولكن البروفسور علي أنصاري، الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد تشاتم هاوس في لندن، يذهب إلى أبعد من ذلك، ويتحدث عن وجود انقسامات حقيقية داخل قوات الباسيج. ويقول: «من الواضح أن هناك انقسامات بين قوات الباسيج على مستوى النخبة، وهناك قلق من أن التكتيك المتبع حاليا باستعمال القوة المفرطة مع المتظاهرين لا ينجح». وأضاف أن «ولاء البعض داخل الباسيج هو هش، وهذا بالطبع يشكل مصدر قلق» للنظام.

وتروي المصادر الدبلوماسية نقلا عن إيرانيين، أن الأكثر عنفا من قوات الباسيج في التعاطي مع المتظاهرين، هم الذين في سن الـ17 أو أقل. وتلمح المصادر التي تتحدث عن شجاعة فائقة لدى الشعب الإيراني، إلى أن سبب ذلك قد يكون بسبب سهولة غسل أدمغة من هم في سن صغيرة. وتشير أيضا إلى إمكانية أن يكون بعض هؤلاء من المدمنين على المخدرات، وهو ما يسهل التحكم بهم والسيطرة عليهم.

ويجند الكثير من قوات الباسيج وهم في سن صغيرة، أحيانا 12 عاما أو حتى أقل. ويخضعون لفترة من التدريب على آيديولوجية الجمهورية الإسلامية. وقد وصف مرة أحد الأعضاء المنشقين عن الباسيج، فترة التدريب تلك، على أنها نوع من «غسيل للأدمغة». وروى أمير فرشد إبراهيمي، لمراسل الـ«بي بي سي» في طهران جون لاين، في عام 2009، أن قوات الباسيج يمارسون طقوس الوضوء التي تمارس قبل الصلاة، قبل أن يذهبوا إلى قمع المتظاهرين. وتتحدث المصادر عن سبب آخر قد يكون خلف تردد البعض في استعمال القوة المفرطة، وهو «نفاق» النظام في إيران. فمن جهة، يمتدح رؤساء النظام من المرشد الأعلى إلى رئيس الجمهورية، شجاعة المتظاهرين في مصر وحتى يدعونهم إلى الوقوف في وجه قوات الشرطة والجيش، ومن جهة أخرى يلجأون إلى كل وسائل القمع لوقف مظاهرة داخل بلادهم، لم يكن هدفها أكثر من دعم الاحتجاجات في مصر. وتشير المصادر إلى أن هذه الازدواجية في تعاطي الزعماء الإيرانيين مع فكرة التظاهر، تعكس ازدواجية في سياستهم المتبعة على صعيد أوسع. فمن جهة يتحدث الإيرانيون عن دعم الاستقرار في المنطقة، ومن جهة أخرى يملون ويدعمون منظمات تتسبب في عدم الاستقرار بالمنطقة. وفي وقت تبحث فيه القوى الغربية عن طرق لتشديد العقوبات ضد النظام الإيراني لإجباره على العودة إلى طاولة المفاوضات حول البرنامج النووي، يبدو أن البحث يتركز في الوقت الحالي في أوروبا، على فرض عقوبات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، أسوة بتلك التي اعتمدتها واشنطن مؤخرا. وطرحت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان لائحة بأسماء أشخاص قالت إنهم يمارسون انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، من بينهم قائد الباسيج محمد رضا نقدي، وفرضت عليهم عقوبات مثل تجميد الأموال وحظر السفر. وتشجع الولايات المتحدة الدول الأوروبية على اتخاذ قرارات شبيهة.

ويقول دبلوماسي أوروبي إن المناقشات في هذا الخصوص بدأت قبل أشهر على صعيد الاتحاد الأوروبي، ولكنها لم تصل بعد إلى خواتيمها، مشيرا إلى أن هناك إجماعا في أوروبا على ضرورة فعل «المزيد» لمواجهة برنامج إيران النووي. ويتحدث الدبلوماسي أيضا عن بحث يجري في أوروبا لتشديد العقوبات الاقتصادية الموجودة من خلال إضافة أسماء شركات وكيانات إيرانية جديدة.

ورغم إجماع أوروبا والولايات المتحدة على ضرورة تشديد العقوبات على إيران، فإنه من المستبعد فرض عقوبات دولية جديدة على النظام الإسلامي من خلال مجلس الأمن، بسبب معارضة روسيا والصين لذلك. وبدلا عن ذلك، سيكتفي الأوروبيون والأميركيون في الوقت الحالي بتشديد عقوباتهم الاقتصادية والإنسانية، بانتظار أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات النووية مع مجموعة الدول الست (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا).