امتناع 4 وزراء لبنانيين عن التعاون مع طلبات بلمار يثير عاصفة سياسية وقانونية

مرجع قانوني لـ«الشرق الأوسط»: موقف الوزراء سياسي يجعل من لبنان دولة خارجة على القانون

TT

أثار امتناع أربعة وزراء في حكومة تصريف الأعمال عن التعاون مع المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار، ورفضهم الاستجابة لطلباته المتعلقة برغبته في الحصول على معلومات محددة موجودة في وزاراتهم، عاصفة سياسية في لبنان، كما فتح الباب أمام الآراء القانونية، التي حذرت من أن تصرفا كهذا يرتب مسؤوليات جسيمة على الدولة اللبنانية بالدرجة الأولى، وعلى الوزراء المعنيين: «الاتصالات» شربل نحاس، و«الطاقة» جبران باسيل، و«الداخلية» زياد بارود و«الأشغال العامة والنقل» غازي العريضي، بالدرجة الثانية، على الرغم من الرسائل التأكيدية التي وجهها إليهم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي حثهم على تقديم الأجوبة المطلوبة من بلمار، إنفاذا لمقتضيات اتفاقية التعاون الموقعة بين الحكومة اللبنانية ومكتب المدعي العام الدولي.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن المذكرة التي بعث بها بلمار، تضمنت طلبا من وزير الاتصالات تزويده بـ«داتا» الاتصالات العائدة لعدد محدد من خطوط الهاتف وليس النسخة الذهبية لـ«داتا» اتصالات جميع اللبنانيين كما يروج البعض، أما المذكرة التي وجهت إلى وزير الطاقة جبران باسيل، فهي ليست إلا رسالة تذكيرية، باعتبار أن الأخير تلقى طلبا مماثلا عندما كان وزيرا للاتصالات في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية من دون أن يجيب عنه، وبالنسبة لوزير الداخلية فإن طلبه يتمحور حول بصمات عدد من الأشخاص وفقا لضرورات التحقيق. أما الطلب الموجه إلى وزير الأشغال فيعود إلى الاستفسار عن الآلية التي اتبعت عند محاولة ردم الحفرة التي خلفها انفجار السان جورج الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري.

في هذا الوقت، أكد مصدر قضائي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، أن «طلبات بلمار سلمت في البداية إلى النيابة العامة التمييزية، التي أحالتها إلى الوزراء المختصين لتقديم الأجوبة عنها وتزويد بلمار بالمعلومات المطلوبة». وأشار المصدر إلى أنه «عندما لم يستجب هؤلاء الوزراء وجهت النيابة العامة التمييزية كتابا إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وطلبت منها مخاطبة الوزراء المذكورين، وبالفعل بعث رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري برسائل إلى هؤلاء الوزراء، دعاهم فيها إلى التعاون مع بلمار وتقديم المعلومات التي يرغب بالحصول عليها، انسجاما مع بروتوكول التعاون الموقع بين الطرفين، غير أن الوزراء تجاهلوا أيضا هذه الرسائل والطلبات مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات».

وفي حين أعلن المصدر القضائي أن «ما حصل يخضع للبحث القانوني بعمق لتبيان ما إذا كان امتناع الوزراء يلقي على عاتقهم مسؤوليات قانونية»، كشف مرجع قانوني لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «رفض تعاون الوزراء مع المدعي العام الدولي، هو موقف سياسي وليس مراعاة لمصلحة وطنية، لأن المصلحة الوطنية تفرض على هؤلاء المسؤولين التجاوب مع المحكمة الدولية وفريقها، وتجنيب لبنان تداعيات خطوة كهذه»، وأكد المرجع القانوني أن «ما قام به الوزراء الأربعة يرتب مسؤوليات هرمية على الدولة اللبنانية ما قد يعرضها في المستقبل لعقوبات دولية، لأن تصرفا هكذا يجعل من لبنان دولة خارجة على القانون الدولي، سيما أن المحكمة الدولية أنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع».

وكان عضو كتلة المستقبل النائب معين المرعبي، اعتبر أن «عدم تعاون الوزراء الأربعة مع مدعي عام المحكمة دانيال بلمار يعود إلى وهج السلاح وضغط حزب الله وحكمه المسبق على عدم نزاهة المحكمة وقضاتها»، مشددا على «ضرورة تقديم القانون الدولي على اللبناني خلال التعامل مع المحكمة». ولفت إلى أن «هناك وزراء انتقلوا إلى الجهة الأخرى نتيجة ضغط السلاح ومنهم الوزير غازي العريضي، أما موقف الوزير بارود قد يعود لنتيجة ترويه في تقديم بصمات 4 ملايين لبناني». وانتقد المرعبي الوزير نحاس قائلا إن «هذا الوزير يعيد التعاون مع المحكمة إلى مجلس الوزراء الذي لا يمكنه أن ينعقد في ظل تصريف الأعمال، في حين أن الأمر مرتبط بوزارته». ورأى أن «مواقف الوزراء هو نسخة عما يمكن أن يحصل من قبل حكومة اللون الواحد المقبلة».

ورد أمس وزير النقل والأشغال العامة غازي العريضي في مؤتمر صحافي، على ما قيل عن رفضه التعاون مع مكتب المدعي العام الدولي، موضحا أنه كان تلقى طلبا أولا من لجنة التحقيق الدولية ووافق فورا، والتقى وفد من اللجنة مدير عام النقل، وقال «عندما علمت بمضمون اللقاء شعرت أنه جاء مخالفا لمضمون الطلب وكأنه كان استجوابا لكل ما يجري في مديرية النقل، وأنا لا أقبل بمثل هذا التعاطي، وعندما جاء طلب ثان من اللجنة لم أعط موافقة». وأضاف العريضي «ما يعنيني كوزير للأشغال هو ما ذكرته ومقتنع بما فعلت، وأنا لا أنفذ طلب أحد، ولا أساير أحدا على حساب قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكنني لست مطمئنا على الإطلاق ولن أسجل على نفسي أي تجاوز في مؤسسة أنا مسؤول عنها، لا من قبل محققي المحكمة الدولية ولا من قبل لبنانيين، ولن أسمح لأحد باسم قضية الرئيس الشهيد أن يتجاوز حدوده ويخرج عن المألوف في التعاطي، لذلك كان لي هذا الموقف، وهذه هي المسألة بحدودها لا أكثر ولا أقل وأنا متمسك برأيي».