تزايد التصعيد نحو حرب مسلحة بين النظام الليبي والثوار

بوادر خلافات حول «من يقود الثوار» وسط استعدادات للزحف إلى سرت

TT

تتجه الأوضاع في ليبيا إلى تصعيد المواجهات العسكرية بين الثوار الداعين لإسقاط نظام حكم العقيد الليبي معمر القذافي من جانب، والجيش والكتائب الأمنية التي ما زالت تدين بالولاء للقذافي، من الجانب الآخر، بمن فيها من مرتزقة يقدر المعارضون عددهم بنحو أربعين ألفا.

وبينما يشرف كبار قادة الجيش الذين انضموا للثوار على تدريب فرق من جنود الجيش والأمن الرافضين لحكم القذافي، في نطاق المدن الشرقية مثل بنغازي والبيضاء وإجدابيا، استعدادا للزحف في اتجاه سرت وطرابلس في الغرب، قال مسؤول عسكري كبير في ما أصبح يعرف في الشارع الليبي باسم «الجيش الشعبي»، إن خيار الزحف إلى سرت ما زال قيد البحث، لكنه أشار إلى أنه الخيار الذي يجري الإعداد له عمليا في الوقت الحالي.

وأضاف المسؤول العسكري، الذي كان حتى أسبوع مضى من الموالين للقذافي، أن الجيش الشعبي لا يمكنه أن يخاطر بالزحف إلى مدينة سرت، بطول نحو 400 كم من الأراضي المفتوحة والمكشوفة، إلا إذا كان لديه غطاء جوي، وإلا تعرض آلاف من الجنود والمتطوعين الجدد للإبادة على أيدي قوات القذافي. وأضاف ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» أمس بالقول إن «خيار الزحف إلى طرابلس قائم، وإذا أردنا أن نفعل هذا فسنتجه إلى مدينة سرت أولا، لأن تحرير مدينة سرت من حكم القذافي سيؤدي بالتبعية إلى تحرير طرابلس وينهي حكمه، لكن لن نفعل هذا إلا إذا صدر قرار دولي بحظر الطيران في ليبيا».

وارتفع عدد المتطوعين في الجيش الشعبي الليبي إلى 15 ألف متطوع. وفي الميدان الرئيسي في مدينة البيضاء القريبة من بنغازي اصطفت أكثر من ثلاثين سيارة من ذات الدفع الرباعي، بعد أن نصب عليها الجنود والمتطوعون المدافع الرشاشة من عيار 14.5 ملم، وهي مدافع مضادة للطيران المنخفض، وقادرة على مجابهة مجموعات من الآليات العسكرية. ووقف حول هذه السيارات مئات يرتدون ملابس الجيش الليبي وآخرون في ملابس مدنية متباينة، وهم يهتفون «الشهادة أو النصر.. ننتصر أو نموت».

ومن المقرر أن ينضم هذا الموكب إلى عشرات السيارات والآليات العسكرية التي سيطر عليها الثوار من معسكرات البيضاء وشحات وطبرق، للاتجاه إلى بنغازي.

وفي بنغازي نفسها كان يمكن سماع طلقات الرصاص والمدافع المضادة للطائرات ومدفعية الدبابات في المناطق الخلفية، بينما كانت مئات السيارات المدنية العادية والخاصة («ليموزين» وشاحنات صغيرة من أنواع مختلفة) تصطف على شارع الكورنيش وهي ممتلئة بالشباب وأعلام دولة الاستقلال، في طريقها عبر الطريق الساحلي الدولي إلى مدينة البريقة التي تتعرض منذ يومين لضربات من قوات القذافي يشارك فيها الطيران والمرتزقة الأجانب. وقام ركاب تلك السيارات بإطلاق نفير سياراتهم وسط آلاف المتظاهرين الذين ردوا عليهم بالهتافات الحماسية، قبل أن تجتاز تلك السيارات طرقات المدينة عصرا، وتتجه غربا.

وبدا من مصادر الثوار، ومن شهود عيان، أن قدرات قوات القذافي على تحقيق أي سيطرة على المدن التي حررها الثوار من حكمه، لم تحقق أي نجاح يذكر، بل تشير كل المعلومات الواردة من مناطق مختلفة من ليبيا، إلى أن «قوات القذافي تخسر على الأرض، وأن هذه الخسائر في تزايد»، وهو ما يفسر تزايد تحليق الطيران وتوجيه الضربات الجوية لعدة مناطق كان آخرها أمس في البريقة وقبلها بساعات في إجدابيا. وحسب هذه المصادر فقد فشل القادة الميدانيون الموالون للقذافي في تحقيق أي نصر، و«ساد بينهم الارتباك بعد معركة البريقة الفاصلة التي وقعت صباح أول من أمس»، مشيرا إلى أن عددا من القادة أصبحوا يلجأون إلى إعدام جرحاهم في محاولة لمنع الثوار من القبض على أسرى من قوات القذافي».

وقال محمد عمر، أحد ثوار 17 فبراير (شباط) من مدينة الزاوية غرب طرابلس، إن القادة الميدانيين الذين يحاصرون المدينة منذ عدة أيام ويمنعون دخول الغذاء والأدوية إليها، جلبوا أقارب لهم و«وزعوا عليهم أسلحة، وأموالا». وتوقع عمر أن تشهد مدنية الزاوية مواجهات دامية اليوم (الجمعة) مع قوات القذافي، بعد أن قرر أهالي المدينة الخروج في مظاهرات تطوف الشوارع وتتمركز في الميدان الرئيسي عقب صلاة الجمعة، استجابة لدعوة الثوار في عموم ليبيا أن تكون هذه الجمعة «جمعة للغضب».

وأحرق الآلاف من الليبيين أمس نسخا من الكتاب الأخضر في ميادين المدن، وهو الكتاب الذي يعده القذافي بمثابة دستور للبلاد منذ أن وضع فيه أفكاره ونظرياته عام 1977. لكن حالة الشعور بالتحرر من قبضة القذافي الذي يحكم البلاد منذ عام 1969 لا تصاحبها حالة اطمئنان كاملة بين جماهير الشعب الليبي في المدن التي يسيطر عليها الثوار، بسبب انتشار إشاعات وتسريبات عن قدرة القذافي على إعادة فرض السيطرة على المنطقة، بطرق التفافية. وصدرت تحذيرات أمس من جانب قادة الثورة للصحافيين الأجانب بعدم التحرك بين المدن من دون مرافق معروف للثوار. وفي وقت متأخر من الليلة قبل الماضية، شهد مبعوث «الشرق الأوسط» إلى ليبيا عملية مطاردة قرب ثكنة أمنية على طريق المرج بنغازي الجنوبي، عند المفرق القادم من طريق طبرق البري. وكانت هناك شاحنة صغيرة تقف على جانب الطريق، من دون سائق، وبعد أن تبادل مسلحون إطلاق النار قرب الثكنة، تبين أن أنصارا للقذافي كانوا يستكشفون النقاط الأمنية للثوار على الطرق البرية الجنوبية، وهي طرق قديمة يندر استخدامها للتنقل بين المدن، حيث توجد في ليبيا ثلاثة طرق عرضية في المناطق الشرقية، هي الطريق الساحلي والطريق الأوسط والطريق الجنوبي. واستولى الجنود التابعون للثوار على الشاحنة، وهي من نوع «تويوتا» زرقاء اللون، كان بها اثنان من فلول اللجان الثورية التي ما زال بعض عناصرها يدينون بالولاء للقذافي.

وينظر قادة الثورة في بنغازي للمعلومات الواردة عن تحركات أنصار القذافي باتجاه الشرق بحذر كبير، خاصة بعد أن بدأ التحرك بالفعل من جانب قوات القذافي التي تتجه منذ أمس، إلى مدينة إجدابيا، التي تلي بنغازي ناحية الغرب بنحو مائة كيلومتر، بحسب المصادر التي كانت على اتصال بمركز الثوار لتلقي المعلومات، والواقع في مقر محكمة الجلاء على شاطئ بنغازي. وقالت هذه المصادر «نشاهد الآن في منطقة الهراوة فوجا من الآليات العسكرية التابعة للقذافي والمقاتلين الموالين له. هذا الفوج إما إنه يقصد إجدابيا أو أنه يريد استكشاف مواقع الثوار قرب سرت ورأس لانوف لقطع الطريق على أي محاولة من جانب الثوار للتوجه إلى الغرب (سرت وطرابلس)». وأضاف الشاهد قائلا إن الطائرات التي قصفت بعض المواقع قرب البريقة كانت تستهدف أيضا قطع طرق يمكن أن يستخدمها جيش الثوار إذا قرر قادته التقدم إلى الغرب.

ويرى ضابط برتبة مقدم عمل في جهاز الاستخبارات الداخلية للقذافي لمدة عشرين سنة، بشأن التطورات على الميدان، أن مشكلة الثوار تكمن في وجود اختراق بينهم. وأضاف في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» في بيته على مشارف مدينة إجدابيا غرب بنغازي «لدي معلومات عن وجود اختراق في صفوف الثوار. معظم هذه الاختراقات سببها شيوخ ينتمون لقبائل يشارك أبناؤها في الثورة. أعتقد أن التهدئة والتفكير في أي حوار مع القذافي، يمثلان انتصارا لنظام القذافي، وانتكاسة للثوار».

وعلى صعيد الوضع في العاصمة الليبية طرابلس، التي تعتبر شبه محاصرة ويصعب التحرك فيها، رغم ما يبثه التلفزيون الليبي من مظاهرات فيها موالية للقذافي، قال شهود عيان إن قادة الثورة في طرابلس يجهزون للخروج اليوم بعد صلاة الجمعة في مظاهرات احتجاجية، وتوقعوا حدوث مجازر. وأضافت هذه المصادر أن الوضع في طرابلس صعب للغاية «زملاؤنا هناك يتعرضون للقنص ومن يتم القبض عليه يختفي. الهواتف مراقبة. وزمر من الموالين للقذافي يطوفون في الصباح الباكر في الشوارع بسياراتهم ومعهم أسلحة رشاشة، وهم يهتفون للقذافي، ومن لا يهتف معهم يعتدون عليه. الناس الرافضون لنظام القذافي غير قادرين على الخروج من بيوتهم. يتم أيضا توزيع أموال من المصارف قدرها 500 دينار في اليوم لمن يشارك في الهتاف للقذافي في الساحة الخضراء». وأضافت المصادر أن أحد أبناء القذافي ويدعى «محمد» هو من يدير العمل بهذه الطريقة في العاصمة.

وعلى صعيد ذي صلة، طاف موكب تمثيلي، أداه شاب ليبي، للعقيد معمر القذافي في شوارع بنغازي، لليوم الثاني أمس، وسط هتافات تقول له «ارحل»، وشارك في هذا الموكب التمثيلي عدد من السيارات باعتبارها سيارات لموكب القذافي، ومن حولها سيارات مثلت دور حرسه الخاص. ومر الموكب من شارع الكورنيش ببنغازي ومر على ساحة التظاهرات هناك. وارتدى الشاب ملابس مماثلة لملابس القذافي، ووضع تحت طاقيته الشهيرة شعرا طويلا مستعارا، وكان يضم يديه لبعضهما بعضا مرحبا ويلوح بذراعه للجماهير.