وكيل وزارة الطرق والمواصلات الليبي: القذافي يستقطع ثمن سلاح أنصاره من موظفي الدولة

قال لـ«الشرق الأوسط»: إن التحديث لم يصل لمنطقة الشرق منذ عام 1969

راقي فتح الله عليوة
TT

قال وكيل وزارة الطرق والمواصلات الليبي، المهندس راقي فتح الله عليوة، إنه انضم إلى الثورة الليبية التي يقودها الشباب ضد حكم العقيد معمر القذافي، وإن هذا القرار جاء بسبب الحالة البائسة التي تعيشها المرافق المسؤول عنها في القطاع الشرقي من البلاد، وبسبب حالته هو نفسه.

وأضاف عليوة أنه أمضى سنوات في وظيفته يحاول جاهدا إصلاح حال الطرق والمواصلات في المناطق التي تقع تحت مسؤوليته، إلا أن الحكومة الليبية ونظام القذافي كان يرد طوال الوقت بأنه لا توجد أموال لصيانة الطرق أو ازدواج الطريق الساحلي الدولي أو بناء جسور جديدة، وأن غالبية هذه المرافق ظلت على حالها دون تجديد يذكر منذ أقامها الاحتلال الإيطالي لليبيا ومنذ فترة الحكم الملكي، وأنه خلال فترة حكم القذافي المستمرة منذ عام 1969 تعرض الطريق الساحلي الدولي، الذي يسافر عليه يوميا آلاف الشاحنات والأفراد، للإهمال وأدى لوقوع قتلى وجرحى.

وقال عليوة إنه طالب الحكومة عدة مرات، مستعينا بالقيادات المحلية، بصرف الأموال اللازمة لإعادة بناء أهم جسرين يربطان الغرب بالشرق الليبي، وتبلغ تكلفة بنائهما 120 مليون دينار ليبي، إلا أن الدولة كانت ترد بأنه لا توجد أموال «رغم ما كنا نشهده من إنفاق ضخم للعقيد الليبي على قضايا لا علاقة لها بليبيا، بل بتعزيز أركان حكمه».

ورغم كونه موظف دولة بدرجة تقل عن درجة الوزير بدرجة واحدة، إلا أن راتب عليوة، الزهيد، والذي لا يزيد صافيه عن 200 دينار شهريا، لا يكفي لإطعام أولاده وتعليمهم، وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط» أن السلطات تقوم بالكثير من الاستقطاعات من راتبه الشهري، ورواتب جميع الموظفين الليبيين، وأن أغرب هذه الاستقطاعات هي «ثمن السلاح»، وقال: «أسدد ثمن البندقية، تحت بند الشعب المسلح، لكنني لم أتسلمها أبدا، بل يتسلمها أحد الموالين للقذافي.. يعني أنا أدفع ثمن السلاح الذي يمكن أن يقتلني به شخص ما إذا عارضت القذافي». وفيما يلي نص الحوار الذي أجري في مدينة طبرق.

* ما هي الجهة التي تقع تحت مسؤوليتك من خلال عملك في ظل نظام القذافي؟

- المنطقة الشرقية، خاصة في نطاق محافظة طبرق. أنا مسؤول عن سلامة الطرق وسير المواصلات واقتراح الخطط والمشروعات، مع المسؤولين المحليين. وتعتبر المنطقة هي المدخل والمخرج بين ليبيا ومصر. وهي الطريق الأساسي للقوافل التجارية التي تأتي أو تخرج عن طريق الشاحنات المصرية والليبية والعربية.

* أليس غريبا أن حال الطريق الدولي في المنطقة الرابطة بين شرق البلاد وغربها سيئ للغاية في دولة نفطية ثرية مثل ليبيا؟

- أنا أتفق معك في هذه الملاحظة. ولهذا السبب ولأسباب كثيرة أخرى قررت الانضمام إلى الثورة الليبية لكي نبدأ عهدا جديدا فيه احترام لآدمية الإنسان.

* لكن ماذا فعلت أنت خلال تولي مسؤوليتك في هذه المنطقة؟

- كنت مع زملائي في العمل، سواء من الجانب التنفيذي أو الشعبي، نقترح الخطط من خلال فرق فنية متخصصة. يطلعون على واقع الطرق، وما تحتاجه من صيانة، أو استحداث طرق وجسور أخرى جديدة. وبعد أن نحسب كلفتها نتقدم بالمطلوب إلى الجهات المختصة في اللجنة الشعبية للمواصلات (وزارة المواصلات) لتنفيذها. واقع الأمر يتلخص في أن ما يتم الموافقة على تمويله من مشروعات ينصب على ما نسميه في الوزارة «الصيانات العاجلة»، أي تنفيذ أبسط الأشياء الخاصة بالطرق كالعلامات المرورية الإرشادية، وغيرها، حفاظا على سلامة المواطنين. لكن حتى هذه المشروعات البسيطة لم نكن في السنوات الأخيرة قادرين على إنجازها بسبب رد السلطات في طرابلس بأنه لا يوجد تمويل مالي لها.. ناهيك عن المشروعات الكبيرة التي توقف العمل فيها تماما.

* ما السبب في رأيك؟

- السبب كم قلت هو عدم وجود أموال. يتم تكليف شركة من الشركات بالعمل، لكن من دون رصد المبلغ المطلوب، فتتوقف الشركة. المشكلة أيضا تكمن في أن توقف الكثير من الشركات عن مواصلة الأعمال الإنشائية في البلاد يرجع لتعثرها في استكمال مشروعات سابقة لم تصرف لها الأموال من الدولة لاستكمالها، وبالتالي أصبحت هذه الشركات تقبل بتولي أعمال جديدة في مشروعات جديدة لعلها تعوض بالجديد خسائر القديم، لكن ما يحدث هو تعثر جديد وخسائر جديدة. والضحية هو سلامة المواطنين على الطرق، لدرجة أن حوادث السيارات وسقوط الشاحنات من فوق الجسور المتهالكة أصبح من الظواهر المعتادة في الفترة الأخيرة.

* كيف كانت تسير آلية العمل؟

- نرسل بالمطلوب عمله إلى طرابلس. وبعد الموافقة تتقدم شركات ليبية أو عربية أو أجنبية للحصول على حق تنفيذ المشروع. وتبدأ العمل بالفعل، لكن حين تبدأ بالمطالبة بباقي مستحقاتها لكي تستطيع المضي في إنجاز العمل، ولا تحصل على شيء، يبدأ العمل في التعثر، ويتوقف. نلح في الطلب وترد علينا الحكومة بالتجاهل والصمت. وعندما تشعر الشركات المنفذة أنه لا توجد مصداقية من جانب الحكومة تتوقف عن العمل تماما، لحين وصول دفعة من مستحقاتها.

* هل هناك أمثلة بعينها بالنسبة للمنطقة الشرقية التي تقع تحت مسؤوليتك؟

- على سبيل المثال مشروع جسر الغريدية، ومشروع جسر الجرفان. هذان الجسران يقعان شرق مدينة طبرق، وتعتمد عليهما خطوط المواصلات الخفيفة والثقيلة المتجهة بين المشرق والمغرب الليبي. الجسران متهالكان وغير صالحين للاستخدام. الحمولة القصوى التي يتحملها كل جسر من هذين الجسرين هي 30 طنا، بينما تصل شاحنات خاصة بالاستيراد والتصدير تصل حمولة الواحدة منها إلى نحو 140 طنا. أصبح من المستحيل الاعتماد على هذين الجسرين. ولعدم إصلاحهما أو تجديدهما لفترة طويلة تم عمل طرق التفافية بديله بشكل مؤقت.

* ما عمر هذين الجسرين؟

- تم إنشاؤهما قبل عام 1969 (عام ثورة القذافي). ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا وهما كما هما. بل ازدادا سوءا منذ سنوات بسبب كثرة الاستخدام. كانت أول مهمة لي منذ تسلمت العمل عام 2004 هي مخاطبة الحكومة بشكل عاجل للتدخل لإنقاذ الطريق الرابط بين الشرق والغرب، والبدء بهذين الجسرين قبل كل شيء. لكن لم نتمكن من ذلك. الشيء الوحيد الذي تم تنفيذه هو غلق الجسرين وإقامة تحويلة مؤقتة. هذه المشكلة ملموسة بشكل واضح عند مستخدمي الطرق ذهابا وإيابا من الليبيين وغير الليبيين.

* وما هي تكلفة إصلاح هذين الجسرين؟

- الجسر الواحد تبلغ كلفته نحو 60 مليون دينار ليبي. استدعينا بعض الشركات التي قدمت عروضا للإصلاح، وتم إحالتها إلى الجهات العليا لكن دون جدوى.

* ألم تفكر في أن الدولة ربما ليس لديها أموال كافية؟

- لا يمكن أن يفكر أي ليبي على هذا النحو. ما نراه ونعرفه أن ليبيا لديها أموال ولديها استثمارات خارجية ضخمة في دول أخرى. لدينا فوائض مالية بالمليارات.

* إذن، ما تفسيرك؟

- الأمر لا يحتاج إلى تفسير. أقرب شيء هو أن السبب يكمن في الفساد الإداري والإهمال الإداري. والسبب يكمن أيضا في عدم الخوف من المحاسبة، وعدم تقدير قيمة المواطن أو مستخدمي هذين الجسرين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف يوميا. ازدادت الحوادث وتكررت بشكل مريع، والدولة نائمة.

* يقال إنه توجد في نظام القذافي جهات رقابية. ألم تلجأوا إلى أي منها؟

- توجد جهة رقابية إدارية لكنها محدودة التأثير.

* وماذا عن اللجان الشعبية (السلطات الشعبية المحلية)؟

- جميع اللجان الشعبية التي تقع في نطاق الطريق الدولي الشرقي كانت تتكاتف مع مطالبنا من الحكومة حين تعلم بمشكلة الجسرين وضحاياهما. كل من نشكو له في اللجان الشعبية هنا يتعاطف معنا، خاصة بعد أن أصبحت السيارات والشاحنات تتساقط من فوق هذين الجسرين. طبعا هذه المشكلة الكبيرة تجعلنا لا نتحدث عن مشكلات أخرى موجودة ومستمرة ولم نتمكن من إيجاد حلول لها مثل غياب الإرشادات المرورية على الطرق السريعة والتقاطعات.. ولا يوجد حتى قانون يحدد السرعة على الطرقات. لا يمكن أن تكون مثل هذه المشكلات موجودة في دولة غنية في القرن الحادي والعشرين. لكن هي موجودة في ليبيا للأسف.

* هل صحيح أن الطرق الدولية –غير المزدوجة – هي نفسها التي أنشأها الإيطاليون عند احتلالهم ليبيا في عام 1911؟

- هذا صحيح. ما زالت هذه الطرق مفردة، وتسير عليها السيارات والشاحنات المتجهة في الاتجاهين. هذا طبعا خطر. والطريق كما هو منذ أنشأه الإيطاليون مطلع القرن الماضي، باستثناء عملية تحديث محدودة أجرتها شركة بولندية في عام 1978. واقترح المسؤولون المحليون في شرق ليبيا ازدواج الطريق منذ 20 عاما، لكن لم يستجب لهم أحد حتى الآن. وحين توليت موقعي طلبت ازدواج الطريق أيضا، وتوجد دراسة أجريت بالفعل لازدواج الطريق، وفي عام 2008 بدأ العمل في بعض الإنشاءات التمهيدية بالطريق عام 2008 لكن العمل لم يكتمل. ولا يمكن استخدامه بعد. ومن المفترض أن تنهي ازدواج الطريق من الجانب الشرقي شركة ليبية عامة، ومن الجانب الغربي شركة «المقاولون العرب (المصرية)». تعثر صرف المستخلصات المالية للأعمال، والحجة التي تأتينا من الحكومة، أي من نظام القذافي، هي أنه لا توجد موارد. توجد مسافة 190 كيلومترا، تحتاج لإصلاح شامل، منها 70 كيلومترا بين حدود مصر وطبرق، شرقا، و120 كيلومترا من طبرق إلى الغرب في اتجاه بنغازي. لكن لا أحد يستمع.

* ولماذا لم تلجأوا إلى سيف الإسلام نجل القذافي الذي كان يدعو للإصلاح وحل المشكلات بين القواعد الشعبية والسلطة؟

- في الحقيقة كنا ننظر إلى أحوال الدولة في يأس. وحين ظهر سيف الإسلام أعطانا أملا. أفكاره كانت مقبولة في البداية. كانت معقولة. شاب يريد الإصلاح، وهو ما نحتاج إليه. اعتبر نفسه منقذ ليبيا من خلال مشروعه المسمى «ليبيا الغد». وجهزنا جميع المشروعات المعطلة والمتعثرة في قطاع الطرق والمواصلات، والمطلوب تنفيذها دون إبطاء. ولكننا لاحظنا أن وعود سيف الإسلام هي مجرد وعود كاذبة. مجرد جزء من النظام يحب أن يؤجل كل شيء إلى الغد. وهذا الغد لم يأت أبدا. أصبت أنا وزملائي بالإحباط. والتزمنا الصمت، لكن لكل صبر حدود. وها هي ثورة 17 فبراير تصنع بسواعد الشباب مستقبل أفضل لليبيين.

* كيف تنظر إلى المستقبل. ما تصورك لمرحلة ما بعد القذافي؟

- أتمنى أن يكون لدينا نظام حكم مدني. ودولة مؤسسات ودستور. والأهم احترام آدمية الإنسان. وفي ظل نظام جديد متحضر ومنفتح يمكن أن أواصل العمل في وزارة المواصلات من أجل إنشاء طرق جديدة ذات طابع متقدم أسوة بما هو موجود في الدول الأخرى.

* إذا كانت لا توجد أموال لتحسين الطرق في ليبيا، فهل توجد أموال لرواتب الموظفين، مثلك على سبيل المثال؟

- هذا أمر محزن أيضا. أنا في الدرجة الوظيفية الحادية عشرة، وهي تساوي الدرجة السابقة لدرجة الوزير بدرجة واحدة، على أساس أن الهرم الوظيفي في ليبيا معكوس مقارنة بترتيب الدرجات الوظيفية في بلد مثل مصر. على أي حال راتبي 470 دينارا شاملا العلاوة العائلية (ديناران علاوة للأبناء و4 دينارات علاوة زواج شهريا) وعلاوة سكن قدرها 40 دينارا. ويتم استقطاع مبالغ مالية من هذا الراتب، هي كالتالي: 12 دينارا ضريبة النهر الصناعي، و10 دينارات ضريبة دعم استثمار، و8 دينارات ضريبة دخل، ودينار ضريبة جهاد، إضافة إلى ضريبة اسمها «ثمن البندقية» إجماليها 200 دينار تستقطع على امتداد الشهور حتى استيفاء كامل المبلغ.

* يعني أنت مجبر على سداد قيمة بندقية. في أي شيء تحتاجها؟

- أنا لا أملك بندقية، ولكن ضريبة «ثمن البندقية» تذهب لصالح «الشعب المسلح» فقط. البندقية مسجلة باسمي لكنني لا أحملها، ولكن تذهب إلى الشعب المسلح. أي أنه من الممكن أن يحمل شخص ما البندقية التي دفعت ثمنها من جهدي وعملي ليقتلني بها إذا عارضت نظام القذافي. هذه مهانة ما بعدها مهانة.

* يعني راتبك في النهاية لا يزيد عن نحو 300 دينار؟

- لا. هو أقل من ذلك بكثير. صافي راتبي الشهري قيمته 200 دينار، بعد استقطاع 85 دينارا قيمة القسط الشهري لقرض المسكن، الذي أعيش فيه، وقيمة إجمالي القرض 37 ألف دينار، وبعد أن أسدد السلفة التي قمت في السابق باقتراضها لكي أتمكن من شراء الطعام لأولادي الستة، ومن أجل تعليمهم وعلاجهم، لأن 200 دينار لا تكفي لأي شيء.