«مرتزقة القذافي» حولوا الحياة إلى «جحيم»

معبر السلوم يروي مآسي المصريين واللاجئين

TT

ما إن وطئت أقدامهم تراب الوطن بمعبر السلوم البري، حتى سجد مئات المصريين العائدين من جحيم القذافي في ليبيا لله شكرا وامتنانا على سلامة وصولهم لأرض الوطن بأمان، بينما أجهشت أعين مستقبليهم الذين ينتظرون قدومهم بالمعبر بالبكاء، يحدوهم الأمل في أن يجدوا ذويهم دون إصابات، بغض النظر عن أي خسائر مادية أخرى.

يبكي العائدون شكرا لله على العودة، والأهالي شكرا لله على سلامة أبنائهم، وهو ما يجعل أي محاولة للتعرف على العائدين مستحيلة.

ولكنني اعتدت على ذلك خلال رحلتي التي استمرت عدة أيام بالمعبر، فالتعرف عليهم يبدأ من النظر جيدا إلى ملابسهم؛ فالمصريون العائدون من ليبيا ملابسهم شاهدة على هول ما رأوه في الطريق، فبقع الدماء اختلطت بالأتربة، راسمة صورة واقعية لرحلة لن تمحى من الأذهان أبدا.

يبدو الموقف مهيبا، وخاصة مع احتشاد مئات السيارات المستعدة لنقل العائدين إلى مدنهم وقراهم في شتى محافظات وأقاليم مصر.. معظم سائقيها قرروا ألا يتقاضوا أجرا على الإطلاق، كما أرسلت بعض شركات السياحة سياراتها لنقل المصريين إلى القاهرة والإسكندرية والصعيد.

علي الدسوقي (32 عاما) روى لـ«الشرق الأوسط» أنه ترك كل ما يملك خلفه في ليبيا، قائلا: «تحويشة العمر ضاعت ومش هعرف أتجوز»، ثم انفجر باكيا. من بعيد وعلى الضفة الأخرى لنا، أسند عشرات المصريين ظهورهم للحائط، رافضين الحديث تماما للإعلام، محاولين فيما يبدو نسيان كل ما حدث لهم في رحلة العودة.

محمود إسماعيل (25 عاما) شرح لي كيف يبدو منظر هجوم المرتزقة، قائلا: «يوم القيامة يا أستاذ، والله العظيم يوم القيامة، جهنم حمراء»، مضيفا أنهم خرجوا من طرابلس 40 مصريا، ووصلوا إلى المعبر دون خمسة من رفاقهم، ولكنه أكد أنه لم يشهد استهدافا خاصا للمصريين.

وأفصح لنا شاب تايلاندي، بإنجليزية ركيكة، عن أن عدد القتلى المعلن من القذافي عار تماما عن الصحة، مؤكدا أنه شخصيا رأى ما يقرب من الخمسمائة جثة في الأيام الأولى للثورة، بينما رفض عامل صيني إعطاءنا بعض الرصاصات الفارغة مما بحوزته، لأنها من حق أبنائه على حد قوله.

علي الأسيوطي «فني طباعة» روى لنا كيف تعامل رجال القذافي معهم، فقد جردوهم من كل شيء، خاصة ذاكرة الهاتف الجوال، والأموال والأمتعة، إلا أنه قال «كل شيء مسجل في مخي، ومستعد أحكيه مشهدا مشهدا».

أما خالد قنديل (طبيب مصري) عائد من أجدابيا في الأراضي الليبية، فأخبرنا أن عدد الجرحى يتعدى 9 آلاف ليبي، وفقا لمدير مستشفى طبرق، مضيفا أن معظم الجراحات التي أجراها كانت تركيب شرائح للعظام، مضيفا أن هناك نقصا حادا في الاستشاريين مما يؤدي إلى وفاة المصابين بالمخ.

ولكنه أوضح أن مأساة المصريين العائدين ليست جسدية، بل نفسية في المقام الأول. وأثنى قنديل على حسن تعامل الليبيين معهم وقيامهم بتوفير كل ما يحتاجونه وفقا لاستطاعتهم، مؤكدا أن رحلة العودة كانت أسهل مع وجودة سيطرة كاملة للثوار على الشرق الليبي.