عصام شرف يدخل موسوعة حب المصريين من ميدان التحرير

ثالث رئيس وزراء يحمل على الأكتاف

TT

ثلاثة حملهم المصريون على أكتافهم وهم يتظاهرون من أجل الاستقلال والحرية والكرامة، كان الأول الزعيم سعد زغلول بعد عودته من المنفى في جزيرة مالطا في عام 1919، والثاني مصطفى النحاس باشا، أحد مؤسسي حزب الوفد الليبرالي، رئيس وزراء مصر عقب إلغائه معاهدة 1936 التي كرست لبقاء الاحتلال الإنجليزي في مصر. أما الثالث فهو رئيس وزراء مصر الدكتور عصام شرف المكلف تشكيل الوزارة الجديدة، والذي خطب في جماهير الثورة أمس بميدان التحرير، مؤكدا أن شرعيته مستمدة من الميدان ومن الشعب، متعهدا بالعمل على تنفيذ مطالب ثورة «25 يناير»، وتحقيق أمن المواطن والوطن معا.

رئيس الوزراء الجديد الذي خرج من كنف الثورة وقاد المظاهرات بالميدان نفسه من أجل إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، لم يكن غريبا أن تتناثر عليه القبل من مئات الآلاف من المصريين المحتشدين بالميدان، وأن يرفعوا الهتافات المؤيدة له، حتى إنه خرج من الميدان محمولا على أكتافهم بعد أن ألقى كلمة تاريخية، اعتبرها البعض بمثابة قسم على تحمل الأمانة والمسؤولية في لحظة عصيبة تمر بها البلاد.

هذا المشهد على الرغم من تلقائيته حمل في طوياه ملمحا مهما ومؤثرا، حيث لأول مرة يتحول ميدان التحرير من بوتقة ومسرح عمليات الثورة بالعاصمة القاهرة، إلى مصفاة حقيقية تنقي ما يعلق بالثورة من شوائب وعكار، وتفرز الـ«مع والضد» في مرآة ناصعة لا تعرف سوى الشفافية والوضوح.

ولا يمكن أن تستبعد من ذاكرة هذا المشهد الطازج مجموعة من الدلالات المهمة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، من أبرزها موقف رئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق، الذي غادر منصبه بضغط من جماهير الميدان نفسه، والتي طالبت صراحة بإسقاطه.

وعلى الرغم من الأسباب والدوافع العديدة وراء مطلب إسقاط شفيق، فإن إدراك شباب الثورة «عدم حب شفيق لهم»، بل استخفافه بهم إلى حد قوله إنه مستعد أن يجعل ميدان التحرير بمثابة «هايد بارك» لمظاهراتهم، ومستعد أيضا أن يحضر لهم «بنبون» (حلوى) يوميا.. وظل شفيق على موقفه هذا، وإن جمله أحيانا بعبارات فضفاضة، فلم يقم بزيارة الميدان، ولم يبد رغبة حقيقية في التغيير والاستجابة لمطالب الثورة، بل استنام إلى سياسة «ترقيع الثوب» عوضا عن استبدال جسد شاخ وهرم، وأصبح ملوثا بآلاف البقع والثقوب.

الطريف أن كلا الرجلين «شرف» و«شفيق» تقاسما لحظة الفرح في الميدان، لكن شتان بين الفرح بمقدم وافد جديد، هو بمثابة الحلم والأمل، والفرح برحيل آخر بدا التخلص منه في لحظات كثيرة بمثابة الأمل والحلم نفسيهما. هذه المفارقة الحية تلخصها سيدة عجوز انخرطت أمس وسط الجماهير بالميدان وقالت معلقة على مشهد شرف وهو محمول على الأكتاف «ربنا يحرسه لمصر، والنبي الحب يصنع المعجزات.. أنا مستبشرة خير إن شاء الله».