«المطعم التركي» في بغداد.. «شاهد» على الخراب والتلوث والمظاهرات

طابق في عمارة اكتسبت منه اسمها تحول لغرفة عمليات لمراقبة سير المظاهرات

TT

سلطت الأضواء وبقوة خلال الأسبوعين الماضيين على «المطعم التركي» المطل على ساحة التحرير بمحاذاة جسر الجمهورية من جهة الرصافة ببغداد. فهذا المبنى الشاهق نسبيا بالقياس إلى ما حوله من بنايات على الأقل في بغداد والمكون من 14 طابقا قدر له أن يتحول خلال ربع قرن من الزمن إلى «شاهد» لا علاقة له بأي «حاجة» بلغة الفنان عادل إمام في مسرحيته الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه.

الأضواء التي سلطت على هذا المبنى الذي اشتهر بـ«المطعم التركي» المهجور الآن والذي يحتل الطابق الأخير منه كانت بسبب اختيار منظمي مظاهرات العراق ساحة التحرير وسط بغداد مكانا للتظاهر. وعبر تبادل للأدوار بين الحكومة والمتظاهرين فإن العديد من أعضاء البرلمان وقيادة عمليات بغداد وبعضا من كبار المسؤولين العراقيين حولوا الطابق الثامن من هذا المبنى إلى ما يشبه «غرفة عمليات» يشرفون من خلال شرفة هذا الطابق على مجريات المظاهرات ويوجهون مساراتها. وجاء تبادل الأدوار هذا من وجهة نظر الكثيرين لصالح المتظاهرين الذين رأوا في اختباء المسؤولين في الدور الثامن من مبنى مكون من 14 طابقا أمرا لا يشجع على التحاور وعرض المطالب لا سيما أن رئيس الوزراء نوري المالكي وجه الوزراء وكبار المسؤولين بالنزول إلى الشارع ومواجهة المتظاهرين لا الصعود إلى الطوابق العليا.

وجاءت تسمية المطعم التركي في سياق نية الجهات المسؤولة آنذاك بناء سلسلة من المطاعم مثل المطعم الإيطالي والمطعم الهندي على الرغم من انشغال العراق آنذاك بالحرب مع إيران. وعقب حرب الخليج الثانية عام 1991 تعرض المبنى إلى القصف بالطائرات الأميركية للاشتباه باتخاذه مقرا عسكريا. وكان القصف الذي تعرض له المبنى كافيا لإحداث خلل في الأساسات وهو ما أدى إلى تركه من قبل الجهات المسؤولة آنذاك حتى أواسط التسعينات حيث تم استحداث ما سمي «هيئة الرياضة والشباب» بمستوى وزارة واتخذت الهيئة الجديدة من بعض طوابق هذا المبنى شبه المنهار مكانا لها.

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 تعرض هذا المبنى الذي ظل يسمى في ذاكرة الناس «المطعم التركي» إلى قصف أميركي شديد أدى إلى إصابته هذه المرة بالتلوث الإشعاعي طبقا للمعلومات التي كشفت عنها وزارة البيئة العراقية. والمعلومات التي أوردتها المصادر الرسمية العراقية تشير إلى أن عمليات المسح الإشعاعي أظهرت وجود تلوث إشعاعي موضعي في مساحات ضيقة، تحدد بثلاثة طوابق. لكن عمليات المسح أظهرت عدم وجود أي تلوث إشعاعي في باقي الطوابق ومرأب السيارات، والطرق المرتبطة بالشوارع الرئيسة هناك.

وأعلنت أمانة بغداد التي آلت أليها ملكية هذه العمارة قبل فترة عن طرحها للإيجار لمدة 30 سنة أمام الشركات الاستثمارية بعد إزالة عمليات التلوث الإشعاعي فيه والتي تشمل ثلاثة طوابق هي 4 و8 و12 وهو ما يعني أن غرفة العمليات التي اتخذتها قيادة عمليات بغداد والنواب والمسؤولين في محافظة بغداد ومجلسها المحلي وعدد آخر من المسؤولين اضطرت لأن تتخذ من طابق ملوث بالإشعاع مكانا للإشراف على المظاهرة وتوجيهها وهو أمر سيظل موضع تساؤل خصوصا أن الجهات العلمية المسؤولة لم تصرح حتى الآن بانتهاء التلوث الإشعاعي الذي انسحب الآن على الجو السياسي فأصابه هو الآخر بالتلوث بعد أن ظل المتظاهرون يرفعون سقف مطالبهم عند كل جمعة بجوار المطعم التركي في قلب بغداد.