الاحتجاجات تعم إندونيسيا.. بسبب كرة القدم

الإندونيسيون ينتفضون ضد رئيس اتحاد الكرة بسبب هزائم المنتخب وتسييسه للرياضة ومزاعم فساد

TT

احتجاجات فوضوية في الشوارع، ومشاحنات بين النخبة، ومزاعم بالضلوع في الفساد، كلها أمور تمثل مشهدا كريها نمطيا داخل الساحة السياسية الإندونيسية. لكن الخلاف الأخير الذي استحوذ على الاهتمام في إحدى أكبر الدول الديمقراطية في العالم لم يكن متعلقا بالسياسة كما هو معتاد، وإنما بكرة القدم، وهو الخلاف الأكثر جدية بشأنها.

فقد نزل مئات الإندونيسيين إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، يطالبون بتنحي السياسي البارز نور الدين خالد، عن منصب رئيس اتحاد كرة القدم الإندونيسي، وهو المنصب الذي يشغله منذ 2003، وظل فيه رغم دخوله السجن مرتين منفصلتين بعد الإدانة بالضلوع في فساد.

ويقول خصوم إنه خلال هذه الوقت أضر خالد بكرة القدم، في الوقت الذي عزز فيه من نفوذ حلفاء سياسيين وحقق مكاسب مادية لنفسه. وفي الوقت الحالي دخل في خلاف مستعر مع أعضاء في الحكومة يريدون الإطاحة به. وتشمل قائمة المنافسين على منصبه رئيس أركان الجيش الإندونيسي الجنرال جورج تويستا، وقطب قطاع الطاقة إريفين بانيغورو، الذي شكل بالفعل رابطة منفصلة لا تتبع الاتحاد. وقد رفض الاتحاد طلبات ترشيح خاصة بكلا الرجلين في فبراير (شباط)، لكن هذا القرار تم نقضه بعد استئناف. وقد أرجئ اجتماع لاختيار رئيس الاتحاد، كان مقررا عقده بالأساس الشهر الحالي، بسبب الخلاف الداخلي.

ومن جانبه، طلب خالد الحماية من لجنة الرياضة بمجلس النواب الإندونيسي في الآونة الأخيرة، وزعم أنه جاءت تهديدات بالقتل لعائلته من مسؤولين بارزين في الحكومة. وقال «حياتي بيد الله عز وجل». وأثار خالد غضب الإندونيسيين عندما أعلن خلال جلسة الاستماع نفسها أنه سيسعى للترشح من أجل الحصول على منصب رئيس اتحاد كرة القدم باتحاد دول جنوب شرقي آسيا (الآسيان)، كما سيسعى أيضا للحصول على مدة ثالثة في رئاسة اتحاد كرة القدم الإندونيسي.

ووفقا لما أفاد به توندو ويدودو، العضو السابق باللجنة، فإن سبب هذه الأزمة الأخيرة بسيط: لقد سئم الإندونيسيون الخسارة. ويقول ويدودو «يمكن أن تسأل أي أحد في الشارع، ولا يجب أن يكون مثقفا، ويمكن أن يكون سائق تاكسي، جميعهم يشعر بالخجل، وجميعهم يكره نور الدين خالد ومجموعته التي تتولى إدارة اتحاد كرة القدم الإندونيسي».

وعلى الرغم من أن الإندونيسيين يبلغ عددهم قرابة 238 مليونا، ويحبون كثيرا كرة القدم، لا سيما مباريات الدوري الأوروبي، فإن المنتخب الوطني لم يحقق فوزا بأي بطولة دولية منذ دورة ألعاب جنوب شرقي آسيا عام 1991. وتحتاج الاستادات ومنشآت التدريب إلى ترميمات، وتفضل الأندية المحلية جلب لاعبين أجانب على تنمية المواهب المحلية، بحسب ما يقوله ويدودو.

وتحتل إندونيسيا المركز رقم 129 في العالم وفقا لتقديرات «الفيفا»، بعدما كانت قد هبطت إلى المركز 153. وكان أعلى مركز تصل إليه هو المركز 76. وتقع إندونيسيا حاليا بين بورتوريكو وجمهورية الدومينيك في التصنيفات العالمية. ولم يصل المنتخب الوطني إلى كأس العالم منذ 1938، عندما كانت الدولة لا تزال تخضع للاستعمار الهولندي. وعلى الرغم من أن إندونيسيا ليست الدولة الآسيوية الوحيدة التي خيب منتخبها الوطني الآمال، فإن غياب أي انتصارات على الصعيد الدولي يثير شعورا بالغضب الشديد.

ومع تعثر الرياضة، اتهم خالد بتكديس الثروات لنفسه ولصالح مقربين. ومؤخرا، واجه مزاعم بالحصول على 100 مليون روبية (قرابة 11 ألف دولار)، كانت في صورة تمويل حكومي لفريق داخل مقاطعة كاليمانتان الشرقية.

وفي الوقت نفسه فإنه متهم بتحويل الاتحاد إلى كيان ينشر نفوذ سياسيين من حزبه، «غولكار»، الذي كون تحالفا غير واضح المعالم مع حزب الرئيس سوسيلو بامبانغ يودويونو. ويعتبر خالد مقربا من عائلة أبو رضا البكري، الملياردير الشهير بحزب «غولكار».

ويثير ذلك سخط الإندونيسيين لأن كرة القدم من بين عوامل الوحدة القليلة لدى الإندونيسيين، الذين يتحدثون مئات اللغات ويتبعون ديانات شتى ويعيشون في آلاف الجزر، بحسب ما ذكره ويدودو. وأضاف قائلا «كان اتحاد كرة القدم الإندونيسي هيئة، ووسيلة للنضال الوطني، لكنه حاليا أصبح وسيلة لنضال نور الدين خالد السياسي من أجل غولكار».

ويقول دودي أمباردي، مدير معهد المسح الإندونيسي، إنه بعد مرور أكثر من عقد على الإطاحة بالديكتاتور سوهارتو عام 1998، وتحول الدولة إلى الديمقراطية، يشعر الإندونيسيون بالإحباط بصورة متزايدة بسبب نظام يشتهر بالفساد وعمليات شراء الأصوات والمحاباة في السياسية والبيروقراطية. وأشار إلى أن الحال الصعب للرياضة الأكثر شعبية داخل الدولة يمثل جزءا آخر من المرض.

ولا يعد خالد المتهم الوحيد بإقحام السياسة في كرة القدم. ويقول أمباردي إن حلفاء الرئيس وحزبه، «الديمقراطيون»، لديهم آمال بأن الإطاحة بخالد ستضعف حزب «غولكار». وقد نفى وزير الرياضة آندي مالارانجينج أي توظيف سياسي للرياضة، وقال إن خالد، وهو مدان، غير مناسب لتولي رئاسة الاتحاد. وهدد بالتدخل في الاتحاد على الرغم من مخاطر ذلك، وأنه قد يستثير عقوبات من قبل الفيفا ضد كرة القدم الإندونيسية. ويقول مالارانجينج «لا يجب تسييس كرة القدم، لأن كرة القدم فيها نفع عام، وهي ملك للجميع، مثلها مثل الهواء».

ويعتبر الإندونيسيون أن «الفيفا» لا تتقبل الانتقادات الموجهة إلى خالد، وتنأى بنفسها عن الأزمة. لكن اللجنة التنفيذية التابعة لها طلبت يوم الخميس الماضي من إندونيسيا إصلاح قواعدها الانتخابية وإجراء انتخابات جديدة بنهاية أبريل (نيسان) المقبل. كما هددت الاتحاد باحتمال التعليق إذا لم يكن قادرا على السيطرة على الدوري الممتاز الإندونيسي المنفصل، والذي يديره بانيغورو، أحد منافسي خالد.

وقال عضو إندونيسيا في لجنة الأخلاق التابعة لـ«الفيفا» سوريدهارما طاهر، في مقابلة أجريت معه، إن مبعث الخوف الرئيسي هو احتمال تدخل الحكومة في النشاط الداخلي لاتحاد وطني مستقل. ويعارض «الفيفا» بصورة مستمرة أي تدخل حكومي في اتحادات كرة القدم الوطنية، ويهدد بفرض عقوبات ضد الدول التي تقوم بذلك.

ومع استمرار الجدل الدائر، تتبدى مشاعر الغضب في الشوارع، مع تنامي التجمعات داخل مدن بمختلف أنحاء إندونيسيا. وفي أحد الاحتجاجات الأخيرة أمام مقر الاتحاد في استاد بونغ كارنو داخل جاكرتا، وقعت مصادمات بين محتجين مناوئين لخالد يرتدون عصابات كتب عليها «ثورة الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم» ومناصرين لخالد من فريق «برسيجا» بجاكرتا. وبينما كان الجانبان يتقاذفان الحجارة في أحد الشوارع، اندفعت الشرطة بينهما. وبعد أن شكلت شرطة مكافحة الشغب حاجزا بين الجانبين، قال أحد المحتجين، ويدعى فجر ديكرا براتاما، إنه لا ينتمي إلى أي من الجانبين، لكنه يشعر بالضيق والإحباط من حال كرة القدم الإندونيسية. وأضاف «الجميع، سواء آندي مالارانجينج أو إريفين أو نور الدين خالد، يضعون مصالح الفصيل الذي يتبعونه قبل كرة القدم، وإذا كنا نرغب في تطوير كرة القدم، فعلينا أن نتكاتف، لا أن نتناحر».

* خدمة «نيويورك تايمز»